العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية محكومة بالكثير من الظروف الموضوعية والاستراتيجية والأمنية وهي بكل الأحوال ليست دائماً خيارا وإنما هي في معظم الأحيان شر لابد منه. والدول العربية لا تقف موقفاً واحداً من هذه العلاقات فقسم منها لم ترد أولم تستطع أن تكون حليفاً للولايات المتحدة وذلك لاختلاف سياساتها عن توجهات البيت الأبيض لذلك فهي تلعب مع الولاياتالمتحدةالأمريكية لعبة القط والفأر ، أي أنها تسعي إلي عدم الوقوف وجهاً لوجه ومحاولة الحوار وتجنب الصدام، وقد استطاعت سوريا أن تقوم بهذا الدور لفترة طويلة في عهد الراحل حافظ الأسد حيث كان هناك صراع ارادات كان الأسد يستغل فيها كل أوراق لكي يصل إلي درجة من التفاهم.
ثم هناك الدول الحليفة وهذه الدول انسجمت مع السياسة الأمريكية علي طول الخط، طبعاً هذا التحالف كان محكوما بالضرورات التي يراها الطرفان حيث هذه الدول بحاجة إلي أمريكا من أجل الحفاظ علي أمنها خصوصاً في دول الخليج أومن أجل مساعدات كما هوالحال في مصر وهناك هدف آخر بالنسبة لمصر وهوضمان عدم تدخل أمريكا لمساندة الفئات المعارضة للنظام هناك بينما الولاياتالمتحدة بحاجة إلي هذه الدول للحفاظ علي مصالحها في منطقة شديدة الأهمية بالنسبة لها سواء من أجل موارد الطاقة أوالموقع الإستراتيجي.
لكن السؤال هوكيف يؤثر هذا التحالف علي سياسات هذه الدول؟ للأسف الشديد ينظر بعض الحلفاء العرب إلي الولاياتالمتحدة علي أنها كلية القدرة أي أن أهدافها سوف تتحقق حتماً وأنه لا يمكن إلا السير في هذه الأهداف بحيث أن القرار السياسي أصبح مرهونا بالكامل لذلك فقد حرّمت علي نفسها ما هومسموح به حتي في الولاياتالمتحدة نفسها أي مناقشة السياسات الأمريكية والاعتراض عليها دون الوصول إلي الصدام.
فأصبحت هذه الدول تدرس توجهات الولاياتالمتحدة لكي تطبقها بحذافيرها لدرجة أنه في كثير من الأحيان تصبح ملكية أكثر من الملك. إن هذه السياسة أفقدت هذه الدول الدور الفاعل الذي يناسب قوتها ومكانتها فأصبحت دول تابعة بشكل تام ربما أكثر ما هومطلوب منها أمريكياً.
دولة قطر بحكم موقعها فقد أقامت علاقات تحالف مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وصلت إلي درجة كبيرة بحيث أن أكبر قاعدة أمريكية في الخليج موجودة في قطر وعلاقات متقدمة للغاية ولكن في الوقت نفسه فهمت قطر ماذا يعني التحالف مع الولاياتالمتحدة بحيث تستطيع أن توسع من هامش الحركة والمناورة عن طريق سياسة ديناميكية قادرة علي التفاعل وتحديد الأولويات والأهداف ومن ثم العمل في إطار الهامش المسموح به دون الوصول إلي الصدام، لقد أدركت قطر بحكمة بالغة كيفية صنع القرار في الولاياتالمتحدة وما هومقدار الهامش المتاح للحركة والسعي الحثيث إلي توسيعه.
طبعاً كانت هناك عوامل عدة ساهمت في توسيع هامش الحركة القطري أهمها النسيج الاجتماعي القطري بحيث انه يصعب علي أية دولة إيجاد نقاط ضعف فيه وبالتالي عدم إمكانية استغلاله. ثم العلاقات الدولية التي نسجتها دولة قطر منذ فترة طويلة. ولا ننسي القوة الاقتصادية الكبيرة نسبياً. أضف إلي ذلك قوة إعلامية ضاربة مما أعطي قطر ليس فقط الهامش وإنما قوة ناعمة كبيرة. وطبعاً قبل هذا كله وبعده قيادة سياسية تمتلك قدراً كبيراً من الحكمة والحنكة والقراءة الواقعية للمسرح السياسي في المنطقة والعالم.
إن تجليات هذه السياسة تتبدي في صور كثيرة جداً، أختار منها ثلاث صور عميقة الدلالة والأثر:
في أثناء حرب يوليو -تموز 2006 لعبت قطر دوراً محورياً في صياغة قرار الأممالمتحدة رقم 1701 وجعله متوازنا إلي حد ما، فوقفت موقفا عربيا أصيلا بالرغم من الإرادة الأمريكية الراغبة في أن يحقق القرار ما عجزت عنه الآلة العسكرية الإسرائيلية.
وفي أعقاب هذه الحرب، بينما انشغلت معظم الدول العربية في تقييمها وكيل الاتهامات ومحاولة استغلال نتائجها كانت الزيارة التاريخية لسموالشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلي ضاحية بيروت الجنوبية. لقد أدرك سموه نبض الشارع العربي فكانت حدثا أعطت دولة قطر مكانة كبيرة في قلب كل مواطن عربي ودلالة علي سياسة قطرية تعبر عن استقلالية القرار الوطني.
وأخيراً مؤتمر الدوحة للتوفيق بين الأفرقاء اللبنانيين ونجحت قطر فيما فشل فيه عدد كبير من الدول العربية وغير العربية، لقد استطاعت أن تنقذ لبنان من حرب أهلية كانت ستأكل الأخضر واليابس. إن ما أنجزته قطر إنما هونتيجة طبيعية لسياسة متميزة وإستراتيجية واضحة.
يوجد الكثير من الصور لهذا الهامش الذي استطاعت دولة قطر أن تخلقه لنفسها كالوساطة في اليمن والعلاقات مع إيران ومحاولة تجنب غزوالعراق وما فيه من استشراف للمستقبل وغيرها الكثير مما لا يتسع المجال لذكره.
إن هذه الإستراتيجية تصلح أن تكون نموذجا علي الفكر السياسي العربي أن يدرسها بعمق وأن تحاول الدول العربية بناء هامش أكبر لحركتها ليس فقط مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وإنما علي الساحة الدولية برمتها.