رايس وأنا..المودة المفقودة! د. محمد ناجي عمايرة لا أكن شخصيا أية عداوة او بغضاء لوزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس، ولكنني بالمقابل لا احتفظ لها بأية مودة، الامر الذي ينفتح على مشهد قد يبدو متناقضا، ومع هذا فانا معجب بما تبديه احيانا من اناقة في لباسها، ورشاقة في جلساتها مع ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي اعتقد انها تكن له مودة خاصة، تعكسها بوضوح ابتسامتها المشرقة التي تكشف عن اسنانها الناصعة البياض التي تتلألأ على بشرتها الداكنة كلما التقت اولمرت او اي مسؤول اسرائيلي اخر. وهذه الابتسامة تغيب عن وجهها حين تجتمع بالمسؤولين الفلسطينيين خاصة، والعرب عامة، ليعكس ذلك مدى جديتها بالالتزام بالسياسات الاسرائيلية وبالضغط على العرب ليكونوا اكثر تواؤما معها. والمودة شأن شخصي لا رهان عليه. ومثل هذه المشاعر لم تختلف عما اكنه لأي وزير خارجية اميركي على رأس عمله سواء أكان ذكرا ام انثى، منذ طيب الذكر جو فوستر دالاس، مرورا بنظيره هنري كيسنجر الأطيب ذكرا، وصولا الى الجنرال كولن باول، ثم استذكارا للمرأة المكحلة مادلين اولبريت وحتى كوندوليزا السمراء، والقائمة طويلة. واذا كان اتيح لي ان التقي ببعض هؤلاء، فان الفرصة لم تكن متاحة لي للالتقاء بالدكتورة رايس، ولكن معظم مقالاتي ترصد تحركاتها وتتابع تصريحاتها، وأكاد اكون من المتخصصين بأقوالها، وسياساتها وهذا قد يعكس اعجابا من نوع ما ، لم يصل الى حد (وصل) حبل المودة المقطوع. وسبب هذا الانقطاع (الذي لا أريد له وصلا) ان الآنسة كوندوليزا ( لا أدري اذا كانت اصبحت سيدة ام لا) مغرمة بالتصدي لكل ما هو عربي، والتهوين من شأن العرب والمسلمين، أخذا بسياسات الادارة الاميركية الحالية في عهد الجمهوري جورج بوش وبطانته من المحافظين الجدد والتزاما أبديا باسرائيل (وجودا وحدودا وأطماعا). وهو التزام لا يختلف حوله الحزبان الجمهوري والديموقراطي ابدا. وعلى الرغم من كثرة جولات الوزيرة رايس في المنطقة فإن جهودها لم تثمر شيئا بخصوص احياء عملية السلام، ولا خريطة الطريق ولا ايقاف الاستيطان، ولا لجم انظروا ما ابلغ الكلمة اطماع الاحتلال التوسعية، ولا وقف الحصار على الفلسطينيين، ولا التفكير المجرد بالانسحاب من الاراضي العربية المحتلة!! وقد أكون على خطأ في هذه التصورات، أو انني لا أرى من خلال الغربال، ولهذا فأنا وأعوذ بالله من الأنانية استغرب وعود الآنسة رايس بسلام (ما).. حيث جاءت امس الاول وهي تعتقد ان السلام لايزال (ممكنا) وان المشكلة الصعبة هي الاستيطان، وبالطبع فأنا معها في الجزء الاخير، لكنني استغرب ان تكون متفائلة الى هذا الحد ب(امكانيات حلول السلام) طالما انها غير قادرة على زحزحة (الحواجز الامنية) التي تقطع جسم الضفة الغربية وغزة، وتعزل الفلسطينيين وتفاقم من معاناتهم، وطالما انها لا تستطيع ان تقنع اولمرت بشيء من تصوراتها للوصول الى حل الدولتين الذي يسعى اليه رئيسها بوش، منذ بدايات ولايته وحتى نهاياتها القريبة!!. ان قلوبنا عربا ومسلمين لا تحمل الكراهية والبغضاء لاحد، ولا نعادي الناس على اساس دياناتهم او معتقداتهم، لكننا بكل تأكيد لا نكن أية مودة لمن يتبنى وجود اعدائنا وسياساتهم ويدعمهم ويؤازرهم ويتحدث بالمقابل عن توسطه لاحلال السلام وحل مشكلة (الشرق الاوسط)!!. ولسنا معنيين بالناس خصوصا وزراء الخارجية ورؤساء الدول بعد تركهم لمناصبهم الرسمية ، لانهم بعد ذلك يصبحون مواطنين عاديين لا يملكون تأثيرا في سياسات بلدانهم ، كما هو الحال مع اولبرايت والرئيس الاسبق كارتر، ومباحثاته مع قيادة (حماس)!. والمسألة في النهاية ليست عداوة او صداقة لاشخاص، ولكنها تقييم للسياسات وتدارس المصالح الوطنية والقومية والانسانية والبناء عليها. ولعلنا لا نختلف ابدا على انحياز اميركا الدائم لاسرائيل وتعبير رؤسائها ووزرائها عن هذا بوصفه سياسة اميركية ثابتة، دون حاجة الى الاعتذار، او التواري خلف الذرائع والاسباب!!.. ولكن ما الذي يمكن ان تفعله هذه الامة المعتدى عليها والمكسورة شوكتها ، وسط تداعي الامم عليها ، الا ان تغرس روح المقاومة في اجيالها الجديدة لتظل مشتعلة حتى يتحقق الوعد الحق؟!. عن صحيفة الوطن العمانية 7/5/2008