قائد القوات الجوية الأسبق: الاستطلاع الجوي نجح في تصوير جميع مراحل إنشاء خط بارليف    رابط الاستعلام عن نتيجة المدن الجامعية عبر موقع الزهراء 2024    شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والقوات المسلحة بذكرى انتصارات أكتوبر    الإثنين، فتح باب الترشح لانتخابات التجديد النصفي للنقابة الفرعية للصحفيين بالإسكندرية    110 مليارات دولار استثمارات تراكمية لمشروع "رأس الحكمة" بحلول 2045    العقارات تتصدر قائمة التداولات الأسبوعية بالبورصة بقيمة 6.1 مليار جنيه    الجيش الأمريكي يعلن قصف 15 هدفا في اليمن    أول قرار من الأهلي ورد سيراميكا... القصة الكاملة لتصريحات أحمد قندوسي    "تأجير الملعب لأكاديمية الأهلي".. إلغاء مباراة دلفي وإنبي في دوري السيدات (مستند)    تصريحات مثيرة من مجدي عبد الغني ضد الخطيب و أكرم توفيق و كهربا    محادثات مع سيدات.. حبس فني تحاليل بتهمة ابتزاز طبيب في العياط    أحمد عبدالحميد يواجه أمير كرارة في "ديبو"    تركي آل الشيخ يعلن موعد عرض مسرحية "طالبين القرب"    عادل حمودة: أحمد زكي مرض نفسياً بسبب الفن.. وجمعته علاقة حب بفنانة شهيرة    روح أكتوبر    اعتداء وظلم.. أمين الفتوى يوضح حكم غسل الأعضاء أكثر من ثلاث مرات في الوضوء    حسام موافي: عيد الأم فرصة للتذكر والدعاء وليس للحزن    "السبب غلاية شاي".. إحالة موظفين بمستشفى التوليد فى مطروح للتحقيق -صور    «بداية جديدة».. 1190 مواطنا استفادوا من قافلة طبية ب«الشيخ حسن» في مطاي    طريقة سهلة لتحضير بسكويت الزبدة بالنشا لنتيجة مثالية    المطرب محمد الطوخي يقدم "ليلة طرب" في مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية    وزير الرياضة يطمئن على جاهزية استاد القاهرة لاستضافة مباراة مصر وموريتانيا    محافظ بيروت: حجم الأضرار في العاصمة اللبنانية وضاحيتها الجنوبية كبير جراء العدوان الإسرائيلي    أسعار تذاكر العمرة 2024.. قبل حلول شهر رجب وأبرز الضوابط    مركز التأهيل الشامل بشربين يستضيف قافلة طبية مجانية متكاملة    الطب البيطري بدمياط: ضبط 88 كيلو لحوم مذبوحة خارج المجازر الحكومية    النجمة الفرنسية ماريان بورجو : محمود حميدة عملاق وأنا من جمهوره    أعضاء حزب العدل في المحافظات يتوافدون للتصويت في انتخابات الهيئة العليا    شركات عالمية ومصرية وإماراتية.. تفاصيل إطلاق شراكة لتعزيز الابتكار في المركبات الكهربائية الذكية    المرصد العربي يناقش إطلاق مؤتمرًا سنويًا وجائزة عربية في مجال حقوق الإنسان    مستوطنان إسرائيليان يقتحمان المسجد الأقصى ويؤديان طقوسا تلمودية    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل عسكريين اثنين في معارك جنوب لبنان    الصليب الأحمر: الشرق الأوسط على شفا صراع مسلح    الحكومة تبدأ تسليم المرحلة الأولى من أراضى مدينة رأس الحكمة.. وأكبر منطقة صناعية بالمنطقة لتوطين المنتج المحلي    «الجمارك» تكشف موقف سيارات المعاقين الجديدة غير المفرج عنها    الشوط الأول.. الأهلي يتقدم على الزمالك في أول قمة تاريخية لكرة القدم النسائية المصرية    واعظ بالأزهر: الله ذم الإسراف والتبذير في كثير من آيات القرآن الكريم    رهبنة مار فرنسيس للعلمانيّين في لبنان... منتسِبة تروي اختبارها الروحانيّ    وزير الاتصالات يلتقي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للتكنولوجيا    «العمل» تعلن 4774 فُرصة عمل تطبق الحد الأدنى للأجور في 15 محافظة    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم بالغربية    الأنبا توماس يستقبل رئيس وزراء مقاطعة بافاريا الألمانية    قناة السويس تكشف حقيقة بيع مبنى القبة التاريخي    جيفرسون كوستا: أسعى لحجز مكان مع الفريق الأول للزمالك.. والتأقلم في مصر سهل    منظمة الصحة العالمية تحذر من خطر انتشار فيروس ماربورغ القاتل    بالصور- ضبط 4.5 طن لحوم ودواجن فاسدة بالمنوفية    الإسكان: إزالة مخالفات بناء وظواهر عشوائية بمدن جديدة - صور    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    السيطرة على حريق بخط غاز زاوية الناعورة بالمنوفية    الاستعلام عن حالة فتاة سقطت من شرفة منزلها بأكتوبر.. وأسرتها: اختل توازنها    جيش الاحتلال يصدر أوامر إخلاء عاجلة لسكان 20 قرية في جنوب لبنان    في يوم الابتسامة العالمي.. 5 أبراج تحظى بابتسامة عريضة ومتفائلة للحياة    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    هيئة الأرصاد تكشف عن موعد بدء فصل الشتاء 2024 (فيديو)    تحقيق عاجل في مصرع وإصابة 7 في انقلاب سيارة ميكروباص بطريق مصر إسكندرية الصحراوي    لازم يتجوز.. القندوسي يوجه رسائل إلى كهربا لاعب الأهلي (فيديو)    حقيقة اغتيال هاشم صفي الدين    هل اعترض كولر على منصب المدير الرياضي في الأهلي؟.. محمد رمضان يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحاديث السلام على وقع طبول الحرب! / عبد المالك سالمان
نشر في محيط يوم 06 - 05 - 2008


أحاديث السلام على وقع طبول الحرب!
عبد المالك سالمان
تخيم على المنطقة العربية أجواء تتسم بالغموض والتعقيد، ويسود مناخ يتذبذب أو يتراوح بين نذر الحرب وأحاديث السلام، ففي الوقت الذي يتحدث فيه كثيرون من ساسة ومحللين عن صيف ساخن ينتظر المنطقة، على نحو يجعل العالم كله يحبس أنفاسه خشية اندلاع حرب سواء ضد إيران أو على صعيد الجبهة السورية اللبنانية، تحركت فجأة الدبلوماسية التركية في محاولة لاستئناف المفاوضات السورية الإسرائيلية، فيما أخذت تتراجع احتمالات إنجاز أي شيء ذي قيمة على صعيد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي تكثفت منذ مؤتمر أنابوليس.
فإلى أين تتجه أوضاع المنطقة حتى نهاية ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش في نهاية عام 2008م بين أحاديث السلام وهدير قرع طبول الحرب؟
إن قراءة المشهد السياسي والاستراتيجي في المنطقة في ضوء المعطيات المتاحة والآفاق المحتملة خلال الأشهر الستة الحاسمة القادمة تدعونا إلى تأكيد الخلاصات التالية:
أولاً: إنه على الرغم من محاولة الرئيس الأميركي السخرية من التقارير التي تحدثت عن قرب شن الولايات المتحدة لحرب مدمرة للمفاعلات النووية الإيرانية قبل نهاية ولايته، وحددت السيناريوهات المختلفة لهذه الحرب الفترة من إبريل حتى يونيو 2008م كتوقيت مرجح لهذه الحرب، فإن العالم ينبغي أن يحبس أنفاسه خشية شن هذه الحرب، وبالتحديد بعد انتهاء زيارة بوش لإسرائيل في منتصف مايو 2008م، والتي يأتي إليها خصيصاً للاحتفال بالذكرى ال 60 لقيام اسرائيل وهي الذكرى الستون لنكبة اغتصاب فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا من دون حل لمعاناته التاريخية.
فعلى الرغم من أن الرؤى الاستراتيجية والمنطقية ومقتضيات العقلانية السياسية وضرورات إنقاذ الاقتصادي الأميركي من مخاطر الكساد والركود، فضلاً عن الصعوبات التي تواجه جيش الاحتلال الأميركي في العراق، تفرض على أي رئيس أميركي في موقع المسئولية والقرار النزوع إلى استبعاد توريط بلاده في حرب جديدة عبر مهاجمة إيران، إلا أن مصدر الخطر الأعظم الذي يجعل العقلاء لا يرتاحون لمخططات وتوجهات إدارة بوش يكمن في أن هذه القيادة عودت العالم منذ مجيئها إلى السلطة ألا تقيم كبير وزن أو اعتبار للرؤى العقلانية والتركيز في خياراتها على المنطلقات الأيديولوجية واللاهوتية، وتغليف قراراتها الخاطئة بسلسلة من الأكاذيب والأضاليل والقصف الإعلامي الدعائي المضلل للتغطية على مساوئ قراراتها السياسية.
والسؤال الكبير المطروح: هل سيتراجع بوش عن تعهداته لإسرائيل بتدمير المفاعلات النووية الإيرانية قبل رحيله عن البيت الأبيض، وهل سيتراجع عما يعتقد انه مهمة مقدسة يقوم بها لتوفير الأمن لإسرائيل عبر تخليصها من هواجس المخاوف الأمنية بشأن إمكانية حصول إيران على القنبلة النووية؟
إن الشكوك القوية في تراجع بوش عن هذه التعهدات والوعود هي ما تجعل خيار الحرب ضد إيران مازال مطروحاً ومخيماً على عقول وأذهان كل من فهموا جيداً الدوافع التي تحرك السياسة الأميركية تجاه العالم العربي والإسلامي في عهد بوش والتي تقف وراءها أجندة المحافظين الجدد الموالين لإسرائيل والذين يحركون السياسة الأميركية وفق أهواء اللوبي اليهودي في أميركا ودوائر القرار الاستراتيجي في إسرائيل.
ثانياً: إن كثرة الحديث عن صيف ساخن في الساحة اللبنانية مصدره الرغبة الإسرائيلية والأميركية العارمة في الانتقام من "حزب الله" بعد الهزيمة الإسرائيلية أمامه في صيف عام 2006م، حيث تتلاقى الأهداف الإسرائيلية والأميركية في ضرورة التخلص من "حزب الله"، فأميركا تعتبره ذراعاً إرهابية لإيران تقف حائلاً أمام بسط الهيمنة الأميركية على لبنان، في حين تعتبره إسرائيل تهديداً خطيراً لأمنها القومي وخاصة بعد نجاحه في حرب 2006م في تهديد العمق الإسرائيلي بصواريخه، مما جعل الأمن الإسرائيلي الداخلي مكشوفاً على نحو لا تستطيع إسرائيل احتماله.
وقد جاءت توصيات لجنة فينوجراد الإسرائيلية لتدعو إلى الاستعداد لحرب جديدة ضد "حزب الله" مع أخذ الدروس والعبر من مواجهة عام 2006م وهو ما يرجح أن تعمد إسرائيل إلى التوغل البري منذ اللحظات الأولى لأي حرب جديدة بهدف محاولة تدمير المواقع الدفاعية والهجومية لحزب الله في جنوب لبنان، حيث عابت لجنة فينوجراد على الجيش الإسرائيلي تأخير شن الهجوم البري إلى المراحل الأخيرة من الحرب السابقة على نحو لم تستطع فيه إسرائيل تحقيق أهدافها.
ومن هنا يأتي الربط بين احتمالات ضرب إيران وبين احتمالات شن حرب ضد حزب الله، وبين تعطيل أميركا لانتخاب رئيس جديد للبنان على نحو يستجيب لمطالب المعارضة اللبنانية التي يشكل حزب الله قطبها الأكبر في الشراكة السياسية في الحكومة اللبنانية القادمة.
فالتفكير الاستراتيجي الأميركي الإسرائيلي يرجح أنه في حال ضرب المفاعلات النووية الإيرانية، فإن حزب الله سوف يعمد إلى قصف إسرائيل بصواريخه كأحد وسائل ردود الفعل الانتقامية لإيران، وسيكون هذا مبرراً لإسرائيل لاجتياح لبنان ومحاولة القضاء نهائياً على قوة حزب الله.
لذلك لا تريد أميركا إعطاء أي مكاسب سياسية لحزب الله والمعارضة اللبنانية انتظاراً للمواجهة الحاسمة مع "حزب الله"، والتي تأمل أميركا أن تنتهي إلى القضاء على قوته العسكرية ونفوذه السياسي في لبنان، ومن ثم تمكين فريق الموالاة الحاكم في لبنان من فرض شروطه على المعادلة السياسية في لبنان، ومنح فريق الأكثرية النيابية فرصة تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان وفق حصاد ونتائج المواجهة العسكرية القادمة بين إسرائيل و"حزب الله".
ثالثاً: في هذا السياق يمكن أن نفهم التنشيط المفاجئ للوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل، على الرغم من التصعيد الأميركي الجديد ضد سوريا عبر ترويج مزاعم عن محاولة دمشق إقامة مفاعل نووي في شمال شرق سوريا (دير الزور)، ونشر صور عن تدميره بالغارة الإسرائيلية في سبتمبر 2007م، فالتصعيد الأميركي ضد دمشق بهذه المزاعم هدفه إبقاء سوريا تحت الحصار والعزلة والضغط في سياق السياسة الثابتة لإدارة بوش في هذا الشأن، أما التحرك الإسرائيلي عبر تنشيط الوساطة التركية واظهار الاستعداد الاسرائيلي للانسحاب من الجولان، فهدفه محاولة تطمين سوريا وإبعادها عن المواجهة الإسرائيلية الأميركية مع إيران و"حزب الله"، ودفعها إلى عدم الدخول في المواجهة مع محور إيران حزب الله.
ويعود ذلك إلى قراءة استراتيجية لدوائر صنع القرار في إسرائيلي للموقف السوري وآفاق السلام مع دمشق. فالملاحظ أن أولمرت عندما أبلغ رئيس الوزراء التركي باستعداد إسرائيل للانسحاب من الجولان وهو ما يستجيب للمطالب السورية، سرعان ما عبرت الدوائر الإسرائيلية عن شروط إسرائيل للتقدم في المفاوضات مع دمشق، ومعظمها شروط تركز على محاولة إبعاد سوريا عن تحالفها مع إيران، ومن ثم مع "حزب الله"، وحركة "حماس" اللذين يرتبطان بعلاقات وثيقة مع إيران.
كذلك، فإن التحليل الاستراتيجي الإسرائيلي يعتقد ان إبرام سلام مع نظام الرئيس بشار الأسد هو أفضل لمستقبل إسرائيل من مخططات السياسة الأميركية الرامية إلى اسقاط النظام الحاكم في دمشق على غرار إسقاط نظام حكم البعث في العراق.
فالنظام السوري ذو الطابع العلماني والسياسات البراجماتية يظل أفضل كثيراً لآفاق السلام على الرغم من ثوابت دمشق القومية، من أي بديل آخر، وخاصة ان دوائر استراتيجية داخل إسرائيل، وهذا ما تعكسه المناقشات والمجادلات المنشورة في الصحافة الإسرائيلية، تعتقد أن من الخطورة على المدى البعيد ظهور نظام أصولي بديل في سوريا على مستقبل الأمن الإسرائيلي.
ويحذر محللون وخبراء إسرائيليون من أن السعي لإسقاط النظام السوري في أي حرب قادمة قد يؤدي إلى وصول نظام حكم ذي أيديولوجية إسلامية قد يوفر لتنظيمات ذات توجهات عقائدية متطرفة مثل "القاعدة" أرضية للتحرك والمقاومة ضد إسرائيل، فضلاً عن مخاطر وقوع سوريا في دائرة عدم الاستقرار على مستقبل الاستقرار الإقليمي في عموم المنطقة.
ومن هنا، قد نلاحظ نوعاً من التباين في الرؤى السياسية الإسرائيلية والأميركية بشأن كيفية التعامل مع النظام السوري، وكلنا نعلم انه على الرغم من رغبة أولمرت في فتح قنوات حوار مع دمشق إلا أن الفيتو الأميركي لإدارة بوش قد وقف حائلاً طوال السنوات الماضية أمام امكانية إحياء المفاوضات على المسار السوري.
رابعاً: تظهر الرغبة الإسرائيلية في تحريك المفاوضات على المسار السوري، محاولة إيجاد أرضية لاستئناف المفاوضات بعد رحيل إدارة بوش، ولذلك لا يتوقع السوريون ولا الإسرائيليون تحقيق أي تقدم حقيقي في المفاوضات خلال الشهور الستة القادمة، أي حتى نهاية ولاية بوش، ويبدو الهدف من تنشيط الوساطة التركية التي بدأت قبل نحو عام هو محاولة إبعاد البلدين عن خط المواجهة العسكرية وتمهيد الطريق لإحياء المفاوضات مع الإدارة الأميركية القادمة حيث تجمع كل الأطراف السورية والتركية والإسرائيلية على أهمية الراعي الأميركي لضمان تنفيذ أي اتفاقيات أو ترتيبات يتم التفاهم حولها، كذلك هناك إدراك قوى بصعوبة إنجاز أي شيء قبل نهاية عام 2008م بسبب تشدد إدارة بوش ضد النظام السوري على خلفية خلافات أميركية سورية حول عدة ملفات منها لبنان والعراق وحركة حماس وحقوق الإنسان وغيرها.
لذلك رأينا الدوائر التركية تتحدث عن إمكانية تنشيط المفاوضات السورية الإسرائيلية تحت الرعاية أو الوساطة التركية على مستوى منخفض مثل الخبراء أو مديري الدوائر السياسية في الخارجية والدفاع وغيرها، على أن ترتفع تدريجياً إلى مستويات أعلى إذا حققت تقدماً.
ويبدو أن الهدف الواضح من هذه التحركات هو تقليل سقف احتمالات المواجهة العسكرية بين الجانبين، وتقليص التوتر وإبقاء الآمال بشأن امكانية تحريك النهج التفاوضي والمسار السلمي حتى انتهاء عهد ولاية بوش.
خامساً: يعكس ميل حكومة أولمرت إلى تحريك المسار السوري، تزايد الإدراك الإسرائيلي بتباعد فرص امكانية انجاز أي اتفاق حقيقي ذي شأن على المسار الفلسطيني على الرغم من كثافة المفاوضات التي خاضها الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني منذ إنعقاد مؤتمر أنابوليس.
وعلى الرغم من كثرة الحديث الأمريكي عن سعي إدارة بوش لانجاز اتفاق على المسار الفلسطيني قبل نهاية ولاية بوش لتحقيق وعده بإقامة الدولة الفلسطينية أو "رؤية الدولتين"، فإن كل المؤشرات تشير إلى تراجع فرص تحقيق ذلك، فبوش بات يتحدث عن محاولة التوصل إلى "تعريف" مجرد تعريف لماهية الدولة الفلسطينية، والرئيس الفلسطيني محمود عباس عاد من مفاوضاته مع الرئيس الأميركي بوش في واشنطن، مؤخراً، ليقول: لا نعرف إذا كنا سوف نتوصل إلى اتفاق أم لا قبل نهاية ولاية بوش، وان هناك وضعاً صعباً سينجم عن عدم التوصل إلى أي اتفاق، وبدت نبرة الرئيس عباس متشائمة بعد أن ظل طوال الشهور الماضية، يتحدث عن الفرصة المواتية التي وفرها وعد الرئيس بوش بتحقيق الدولة الفلسطينية والتي على الجانب الفلسطيني التحرك لاغتنامها وعدم إضاعة أو إهدار هذه الفرصة.
إلا أنه من الواضح أن هذه الفرصة تتبخر نظراً لعدم مقدرة حكومة أولمرت على التجاوب مع متطلبات الحد الأدنى للحقوق الفلسطينية، وعدم استطاعته الترويج لأي تسوية نهائية مع الفلسطينيين أمام الرأي العام الإسرائيلي، واعتقاده بصعوبة هضم المجتمع الإسرائيلي لحل نهائي مع الفلسطينيين، ويزيد من ذلك قناعات القيادات الإسرائيلية بعدم قدرة الرئيس الفلسطيني عباس على تنفيذ أي اتفاق نهائي وعدم تمتعه بالقدرات السياسية التي كانت للزعامة التاريخية لياسر عرفات مثلا، وقد عبر عن ذلك صراحة وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك في حديثه إلى مجلة "دير شبيجل" الألمانية مؤخراً، وخاصة في ظل استمرار سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وعدم تراجع شعبيتها في صفوف الشعب الفلسطيني على الرغم من الحصار الإسرائيلي الفاشي والجائر.
سادساً: إن فرص تحقيق السلام أو التسوية على المسار الفلسطيني بدأت تتراجع بشكل قياسي، بسبب تغير الأولويات الإسرائيلية وتزايد الحسابات الأمنية على حساب المشروعات والرؤى السياسية الرامية إلى الحل النهائي مع الفلسطينيين.
في هذا السياق، يبرز الاهتمام الإسرائيلي بإعطاء الأولوية لمبدأ وتأكيد الطابع اليهودي لاسرائيل ، وتزايد القلق مما يسمونه "القنبلة الديموجرافية" لعرب 48 داخل إسرائيل، والتفكير في طردهم إلى خارج إسرائيل بما سيعنيه ذلك من التأسيس لملامح نكبة فلسطينية جديدة مما يزيد من احتمالات تجدد الصراع على لغة السلام.
ويواكب ذلك تجدد المطامع الإسرائيلية في رفض الانسحاب إلى حدود عام 1967م، ومحاولة الاستيلاء على الضفة الغربية كعمق استراتيجي وديموجرافي لإسرائيل لتكريس حلم إقامة الدولة اليهودية من "البحر إلى النهر" أي من البحر المتوسط حتى نهر الأردن وذلك عبر، تكثيف عمليات الاستيطان هناك في مخالفة لتعهدات أنابوليس مما يقضي عملياً على حلم إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في حدود عام 1967م.
يضاف إلى ذلك، تزايد الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي المحذر من مخاطر قيام دولة فلسطينية على مستقبل إسرائيل، حيث بات الكثير من الخبراء الاستراتيجيين في إسرائيل يزعمون ان إقامة دولة فلسطينية سوف يمكن حماس من السيطرة عليها في ظل تراجع قوة ونفوذ حركة فتح، وأن هذا سيعني أحد احتمالين ان إيران ستقف على حدود إسرائيل في الضفة وغزة من خلال حكم "حماس" أو أن تنظيم "القاعدة" سوف يصل إلى حدود إسرائيل عبر غزة أو الضفة. وفي ظل هذه المخاوف والتحذيرات تراجعت تماماً قدرة ساسة إسرائيل على الترويج لخيار التسوية على المسار الفلسطيني، كما تراجعت الحماسة الأميركية لتنفيذ وعد بوش بشأن "الدولة الفلسطينية".
وبات النقاش كله يدور حول التوصل إلى ما يشبه إعلان مبادئ جديد أو ورقة إنشائية يستمر الجدل حولها طويلاً من دون أن تحقق شيئاً عملياً على أرض الواقع.
وفي ضوء هذه المعطيات جميعاً، تتكرس القناعات بأن الكلام عن السلام والتسوية سيظل مجرد أحاديث للاستهلاك السياسي والإعلامي والمناورات الرامية إلى كسب الوقت، فالسلام مؤجل إلى أجل غير معلوم، في حين أن مؤشرات الحرب هي الأكثر احتمالا ما لم تتكثف الضغوط العربية والدولية لمنع إدارة بوش من ارتكاب آخر حماقاتها بتفجير الأوضاع الملتهبة في عموم المنطقة عبر تفجير حرب جديدة لا قدر الله.
عن صحيفة الوطن العمانية
6/5/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.