«الناتو» يدخل (دخل) الشرق الأوسط سمير كرم إذا اعتبرنا ان الشفافية تعني أول كل شيء العلانية فإن الشفافية لم تغب عن اجتماعات حلف شمال الاطلسي (الناتو) في الأسبوع الماضي في بوخارست. لكن اذا عرفنا ان جانبا مهما وخطيرا من مداولات الحلف في بوخارست على مستوى القمة دار في سرية تامة بعيدا عن الاضواء وعن البيانات الرسمية وغير الرسمية... فإن الشفافية كانت اهم ضحايا اجتماعات الناتو. اهم من هذا وذاك ان الجانب الخفي من مداولات قادة الحلف الاطلسي في بوخارست قدم تأكيدا ان الحلف بقيادة الولاياتالمتحدة قرر التخلي سرا وتماما عن فكرة زرع الديموقراطية في البلدان التي لم تدخلها بعد والتي ترتبط بعلاقات وثيقة مع واشنطون واوروبا. بل نتبين من هذا الجانب الخفي ان لدى الحلف استعدادا قويا للاستفادة من حالة اللاديموقراطية السائدة في النظم السائدة في المنطقة العربية والتي تعتمد عليها الولاياتالمتحدة في تثبيت سياساتها ومصالحها. لقد وافق الحلف واعلن ضم البانيا ( وهي بلد اوروبي نسبة المسلمين بين سكانه تتجاوز السبعين بالمئة) وكرواتيا (احدى جمهوريات يوغوسلافيا الاتحادية السابقة) الى عضويته. وفي جانب آخر من مداولاته وقراراته التي لم تفتقر الى الشفافية كان قرار الناتو بزيادة قواته المقاتلة في افغانستان.. اما على الجانب الخفي فان الحلف واصل مناقشة خططه للتوسع باتجاه الشرق الاوسط الكبير الذي يمتد من افغانستان شرقا الى المغرب غربا شاملا بلدان الشمال الافريقي العربي وبلدان شرق البحر المتوسط (بما فيها اسرائيل) بالاضافة الى بلدان الخليج النفطية ذات القيمة الاستراتيجية الفائقة. مشروع توسيع حلف الناتو باتجاه الجنوب ليشمل الشرق الأوسط ليس جديدا. انه يرجع الى الوقت الذي صكت فيه الولاياتالمتحدة مصطلح «توسيع الحلف».. وهو الوقت الذي صادف بحث امكانية تصفيته واصدار شهادة وفاة له في اعقاب نهاية الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفياتي والحلف الموازي له على الجانب الآخر من العالم والذي كان يحمل اسم حلف وارسو. نجحت الولاياتالمتحدة آنذاك في اقناع دول الحلف بما فيها فرنسا التي كانت قد انسحبت منذ عام ,1964 في عهد الرئيس ديغول، من التشكيل العسكري للحلف حفاظا على استقلالية قرارها العسكري عن هيمنة القيادة الاميركية على الحلف بضرورة استمراره وتزويده بشهادة ميلاد جديدة. في ذلك الوقت كانت واشنطن لا تزال غير واثقة من نتائج جهودها للسيطرة التامة على الاممالمتحدة وبالاخص على مجلس الامن. الآن وقد ضمنت الولاياتالمتحدة هيمنتها على الاممالمتحدة فانها لم تتخل عن مشروعها الطموح لتحويل حلف الاطلسي الى المنظمة الاوسع والافعل لتأكيد سيطرتها العسكرية عالميا. وهو هدف لم يفت روسيا ما بعد السوفياتية، ولم تمنحه تأييدها في أي صورة كانت. تكاد تكون خطة توسيع الناتو شرقا قد تحققت باستثناءات طفيفة يمكن تداركها خلال عام او اثنين على الأكثر. أما مرحلة توسيعه جنوبا نحو الشرق الاوسط والخليج فانها جارية على قدم وساق وان كان يلفها غموض ليست السرية وحدها سببه انما لا يخفى انها تمضي بخطى حثيثة نحو التنفيذ، الامر الذي اغرى بعض الإعلاميين الأميركيين باقتراح اسم جديد له يخص المنطقة، حول تسمية الناتو (منظمة معاهدة حلف شمال الاطلسي) الى «الماتو » (منظمة الشرق الاوسط لمكافحة الارهاب) وفقا لما نشرته مجلة «تايم» الاميركية قبل ايام. وبينما يقر الباحثون المتابعون انه ما كان يمكن لاحد ان يتصور قبل عشر سنوات فقط ان تطرح فكرة دور كبير لحلف الاطلسي في الشرق الأوسط، فإن هؤلاء الباحثين انفسهم لا يزالون يعتبرون ان الدور الذي تريد الولاياتالمتحدة ان تؤديه اسرائيل في هذا المخطط لا يزال يشكل تحديا صعبا يناقشه المسؤولون العسكريون والمدنيون الاميركيون في ما بينهم ويناقشونه أيضا مع نظرائهم في قيادات الحلف في الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية. وثمة رأيان يسودان بين القادة الاميركيين في ما يتعلق بحدود دور اسرائيل القادم في الناتو. رأي مفاده انه لا حاجة لان يسبق دخول اسرائيل في عضوية الحلف اتخاذ اي خطوات من جانب اسرائيل او غيرها في المنطقة، ورأى يبدي قدرا اكبر من الواقعية اذ يرى ضرورة ان يسبق انضمام اسرائيل سلام بينها وبين الفلسطينيين يفتح ابواب الحلف بسهولة اكبر أمام انضمام دول مثل السعودية والاردن ومصر.. اي ان الخلاف داخل النخبة الاميركية لا يعدو ان يكون: أيهما اسبق دخول الحلف او قيام السلام ؟ من بين النقاط التي يستند اليها اصحاب الرأي الثاني ان من الضروري ان تدخل اسرائيل الحلف ومعها في وقت واحد الدولة الفلسطينية التي يسفر عنها اتفاق سلام برعاية الولاياتالمتحدة. وكثيرون يعتقدون أن اهتمام الرئيس الاميركي بوش بمتابعة مسألة إعلان الدولة الفلسطينية قبل نهاية العام الحالي الاخير في رئاسته يرجع الى عدة اسباب ليس اقلها اهمية اتاحة الفرصة لدور الناتو في الشرق الاوسط الكبير، بما في ذلك حماية اسرائيل والدولة الفلسطينية من اخطار الارهاب. هل بحثت كوندليسا رايس وزيرة الخارجية الاميركية الموضوع خلال زياراتها المتكررة للمنطقة؟ وهل كان توسيع حلف الاطلسي ضمن مناقشات ديك تشيني نائب الرئيس بوش في عواصم المنطقة؟ سؤال منطقي ومشروع يبقى بلا اجابة لان الموضوع محاط بكتمان شديد في الفترة الأخيرة. مع ذلك فان وسائط الاعلام الاميركي ومعها مراكز الابحاث المتخصصة تتطرق جميعا الى الموضوع باعتباره مطروحا لنقاش علني. إنما الأجدر بالذكر وسط كل ما كتب كان ما كتبه المعلق السياسي الكندي جيم مايلز وهو في الاساس تربوي معني مباشرة بالقضية الفلسطينية من موقع متعاطف معها. فقد كشف في مقال على موقعه ضمن شبكة الانترنت يوم 6 آذار/مارس الماضي، «أن فكرة دخول الناتو في فلسطين يجري استطلاعها من جانب الاسرائيليين والأميركيين. وحيث ان الناتو تحت سيطرة اثنين من الجنرالات الاميركيين فانني افترض انه لا حاجة لان تسأل البلدان الاوروبية عما اذا كانت تريد توريط نفسها في حمأة السياسات الاسرائيلية اذا كانت تريد القيام بدور حراس على السجناء الفلسطينيين... الفلسطينيون لن يقبلوا ان تحل قوات غير اسرائيلية... خاصة اذا كانت هذه القوات البديلة ذات روابط قوية للغاية بالخطط الاميركية بشأن الشرق الأوسط، لتكون حارسة جديدة على البوابات. فان قوات الناتو بحكم ذهنيتها العسكرية يمكن ان تحمل قدرا من النزعة العنصرية والعداء تجاه الفلسطينيين كالذي تحمله القوات الإسرائيلية، فتنظر إليهم باعتبارهم إرهابيين». ويضيف مايلز: «ربما يتعين على الناتو ان يطلب من اسرائيل ان تصبح جزءا منه، وعندئذ سيكون قد ترسخ في الشرق الأوسط ومعه ترسانة حربية ونووية جاهزة للخدمة في افغانستان او باكستان او ايران او اينما يمكن ان يطلب الاميركيون من الناتو من اجل تحقيق هدفهم العالمي». ليس خافيا على أي الأحوال إن توسيع حلف الاطلسي نحو الشرق الاوسط بدءا بإسرائيل أو بدءا بدولة فلسطينية هو غطاء اميركي كثيف تخوض تحته «الحرب العالمية على الارهاب» التي اعلنتها في اعقاب هجمات 11/9/,.2001 غطاء يحوّل الناتو من حلف عسكري مركزه اوروبا في مواجهة الاتحاد السوفياتي الى حلف عسكري مركزه الشرق الأوسط والخليج لمواجهة «الاسلام الارهابي» او «الارهاب الاسلامي». في طريقه الى الشرق الاوسط استطاع حلف الاطلسي ان يليّن كثيرا موقف الحكومة المصرية التي كانت قد ابدت في عام 2004 اعتراضا غاضبا على اقتراح توسيع الحلف جنوبا، معتبرة أن للحلف مواقف تنطوي على قدر من الازدراء بدول المنطقة، فضلا عن ان للحلف مواقف معادية لقضايا المنطقة. وكانت مصر قد اظهرت في السابق معارضة الى حد رفض زيارة الامين العام للحلف لها في ذلك العام.. الا ان مسؤولين عسكريين ودبلوماسيين من الحلف امضوا اوقاتا طويلة في رحلات متعددة الى عواصم الشرق الاوسط بما فيها القاهرة خلال السنوات الثلاث الماضية اجتمعوا خلالها برؤساء دول المنطقة ووزراء الدفاع والخارجية وقادة القوات المسلحة ورؤساء اجهزة المخابرات (شملت مصر والاردن والسعودية والجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا، وبالطبع إسرائيل) وتشير دلائل التغيرات التي تلت تلك الاتصالات الى تحقق هدف اقناع دول المنطقة بأن مسعى الحلف هو اقامة «شراكة حقيقية» معها وتحسين البيئة الامنية وتقديم مساعدات ترفع القدرات العسكرية لهذه الدول. خلال ذلك اوضح مسؤولو الناتو لدول المنطقة ان الحلف معني بعدد من القضايا ذات الحساسية الخاصة التي تستوجب اقامة جبهات وحدود جديدة للحلف تشمل الشرق الاوسط الكبير: الإرهاب، انتشار أسلحة الدمار الشامل، تهريب المخدرات والاتجار بالبشر، وكذلك مشكلات الهجرة غير المشروعة الى أوروبا من بلدان الشرق اوسط والشمال الافريقي. وتشير الدلائل ذاتها الى ان المحادثات مع هذه الاطراف ذللت كثيرا من التحديات والعقبات. ويفهم من تصريحات المصادر الاطلسية الاوروبية ان اكثر دول المنطقة حماسة لمشروع توسيع حدود الناتو لتشمل الشرق الاوسط والشمال الافريقي والخليج هي مصر والجزائر والكويت. وقد تمكن الحلف خلال ذلك من انجاز خطوة عملية مهمة بإقامة «عملية المجهود النشط» وهي ليست عملية موقتة انما هي بمثابة وجود بحري دائم لمراقبة وقطع نشاط الارهابيين غير المشروع في حوض البحر المتوسط بمساعدة قوات البلدان العربية. اكتسبت مبادرة الناتو زخما بتغير موقف النظام المصري عما كان عليه قبل اربعة اعوام الى حد جعل من موضوع اقامة علاقات طبيعية بين العسكريين الاسرائيليين والعرب تتأسس على التعاون بينهم باعتبار تلك العلاقات «احد اسس الاصلاح» في المنطقة التي تضمن ان لا يقتصر البحث بين الناتو ودول الشرق الاوسط على المسائل الامنية العسكرية، إنما تشمل دعم التشاور والحوار حول مسائل الديموقراطية وحقوق الإنسان. وفيما يهم العلاقات بين العسكريين العرب والاسرائيليين الاهتمام بمناقشة «سبل تحقيق سيطرة ديموقراطية على الجيوش الوطنية وتشجيع الشفافية في التخطيط ووضع الموازنات في الامور الوطنية الدفاعية.» وصل اللين في موقف النظام المصري ازاء مسألة دخول الناتو الى الشرق الاوسط الى درجة المشاركة الفعلية في المناورات التدريبية لقوات الحلف في المنطقة المتوسطية. مع ذلك فان عددا من خبراء الناتو الاوروبيين لا يزال يتخذ موقفا حذرا في ما يتعلق بخطط الحلف في الشرق الاوسط، اذ يرى انها كي تنجح وتستمر لا بد من ان تكون محدودة واقل علانية وان لا تتخذ طابعا سياسيا، وان تبتعد قدر الامكان عن اطلاق نفير الشعارات الاميركية وعن السعي لفرض جدول اعمال غربي على المنطقة. ويختصر هؤلاء نصحهم في عبارة قصيرة: ينبغي أن يراعي الناتو ان يكون طموحه (في الشرق الاوسط) اقل في اهدافه وفي توقعاته. لا تلقى هذه النصائح الاوروبية آذانا مصغية من القادة الأميركيين. ويزيد الأمور تعقيدا وجود المخطط الاميركي الاطلسي لجعل الشرق الاوسط مسرحا لضربة نووية اولى... ربما ضد ايران وربما في منطقة الحدود بين افغانستانوباكستان للقضاء على بن لادن والقاعدة بضربة واحدة...وفي كل الاحوال بذريعة «الدفاع عن طريقة الغرب في الحياة». عن صحيفة السفير اللبنانية 12/4/2008