الأزمة الصامتة بين المغرب والجزائر خيرالله خيرالله في ظلّ الأزمات الكبري المهيمنة علي العالم العربي، لا يعود مجال للتطرق إلي أزمات تبدو صامتة لكنها لا تقل خطورة عن تلك التي نشهدها في العراق أو فلسطين أو لبنان أو دارفور. من بين تلك الأزمات قضية الصحراء الغربية التي عادت أخيرا إلي الواجهة، من دون أن تعود إليها، خصوصا أن قلة في العالم العربي سمعت بالتهديدات التي تطلقها جبهة بوليساريو التي تتوعد بالعودة إلي الكفاح المسلح من أجل حصول الصحراويين علي حق تقرير المصير. تكمن المشكلة التي تواجه بوليساريو والذين يقفون خلفها في أن حرب الصحراء حسمت عسكريا منذ فترة طويلة وأن البحث دائر حاليا عن حل سياسي يأخذ في الاعتبار الظروف الموضوعية السائدة في تلك المنطقة من منطلق أن الصحراويين لا يشكلون كيانا مستقلا بمقدار ما إنهم موجودون علي طول الشريط الممتد من المحيط الأطلسي جنوب موريتانيا، إلي جنوب السودان. يمر الشريط في مالي ونيجر والجزائر وتشاد. لماذا لا تكون دولة صحراوية في جنوبالجزائر، أم ان المطلوب استخدام قضية الصحراء لاستنزاف المغرب لا أكثر ولا أقل ولإضعافه وكأن ذلك يفيد أحدا باستثناء التنظيمات الارهابية التي تعاني منها كل دول المنطقة علي رأسها الجزائر. تأتي مناسبة الكلام عن الصحراء الغربية مجددا نظرا إلي أن أياما قليلة تفصل عن جولة جديدة من المفاوضات في مانهاسيت، قرب نيويورك، بين المغرب وجبهة بوليساريو التي ليست في الواقع سوي واجهة تتلطي بها الجزائر. أنّها الجولة الرابعة من نوعها بين الجانبين منذ معاودة المفاوضات بينهما قبل ما يزيد علي سنة نتيجة جهود بذلتها الأممالمتحدة ولم تكن الولاياتالمتحدة بعيدة عنها. ما هو لافت في الأسابيع القليلة الماضية أن المشروع المغربي الهادف إلي أن يكون هناك حكم ذاتي موسع في الصحراء الغربية بدأ يشق طريقه في اتجاه أن يصير مقبولا دوليا واقليميا. المسؤولون الأمريكيون بدأوا يتحدثون عن ضرورة أخذ المشروع المغربي في الاعتبار، في حين بدأ المبعوث الدولي بيتر فان ولسوم (هولندي) يلمح بحياء إلي ضرورة أن تكون الجزائر طرفا في المفاوضات المتعلقة بمستقبل الصحراء. وهذا يعني بكل بساطة أن النزاع الحقيقي قائم بين المغرب والجزائر. ما لا يقوله مبعوث الأممالمتحدة أن بوليساريو ليست سوي غطاء للجزائر في قضية لا علاقة لها بحق تقرير المصير من قريب أو بعيد. ولكن ما قد يكون لافتا أكثر من ذلك في الفترة التي تلت فشل جولة المفاوضات الأخيرة بين الجانبين في يناير- كانون الثاني الماضي لجوء بوليساريو إلي الحديث عن العودة إلي الكفاح المسلّح وعن احتمال اقامة بنية تحتية لكيان ما في منطقة تيفاريتي الصحراوية التي بقيت خاوية منذ الانتهاء من إقامة الجدار الذي حسم الحرب وذلك منذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضي. معروف جيدا أن المغرب أبقي منطقة تفاريتي خاوية عن قصد. أراد بكل بساطة اقامة منطقة عازلة بين جيشه الذي سيطر علي ما يسمي الجزء المفيد من الصحراء بعد الانتهاء من إقامة الجدار الدفاعي من جهة، ومقاتلي بوليساريو والقوات الجزائرية من جهة أخري. كان الهدف من عدم جعل منطقة تفاريتي داخل الجدار الحؤول دون مواجهة مسلحة مغربية- جزائرية. في حال حصلت مناوشات ذات طابع عسكري، يلاحق الجيش المغربي عناصر بوليساريو في أراضي الصحراء وليس في الأراضي الجزائرية. تلك كانت الحكمة من عدم مد الجدار ليضم تفاريتي. ما الذي يحصل الآن في هذا التوقيت بالذات؟ لماذا تهدد بوليساريو بالسيطرة علي تفاريتي وتحويلها نواة لدولة صحراوية وهي تعرف تماما أن ذلك سيجلب ردا عسكريا من المغرب أقل ما يمكن أن يوصف به أنه سيكون عنيفا وقد يشعل حربا اقليمية؟ الخوف كل الخوف من أن تكون بوليساريو اعتبرت، مدفوعة من الجزائر، أن مشروع الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب بدأ يشق طريقه دوليا وأنه بمثابة الحل العملي الوحيد لقضية الصحراء لسببين علي الأقل. السبب الأول أنه يحفظ ماء الوجه للجميع نظرا إلي أنه يؤمن لسكان الصحراء، في اطار السيادة المغربية، كل مقومات الاستقلال، بما في ذلك أن تكون لهم حكومة خاصة بهم. أما السبب الآخر فهو عائد إلي أن الحل في الصحراء يسمح للمغرب والجزائر بالانصراف إلي ما هو أهم من ذلك بكثير، أي إلي التعاون الثنائي من جهة وإلي خوض المعركة الحقيقية التي تواجه البلدين. أنها المعركة التي تخوضها كل دول المنطقة مع الارهاب. من المفيد أن تعتبر الجزائر مشروع الحكم الذاتي ملائما للجميع وألا تحاول قلب الطاولة عبر تصعيد عسكري تمارسه بوليساريو . المنطقة لا تتحمل مثل هذا النوع من المغامرات التي تستهدف إعادة قضية الصحراء إلي نقطة الصفر... وكأن شيئا لم يحصل منذ جلاء الاستعمار الأسباني في العام 1975. التصعيد لعبة خطرة. أنها خطرة علي الجميع. الحاجة أكثر من أي وقت إلي البحث عن حل والانصراف إلي حربين حقيقيتين لا إلي حروب وهمية مثل حرب الصحراء. الحرب الحقيقية الأولي هي علي الارهاب. الحرب الأخري علي الفقر الذي يغذّي الارهاب. الحربان علي الفقر والارهاب مصلحة مغربية- جزائرية تفوق في أهميتها الحرب المصطنعة التي تفتعلها الجزائر لإضعاف المغرب عبر بوليساريو . هل إضعاف المغرب مصلحة جزائرية بموجب المفاهيم السائدة في القرن الواحد والعشرين؟ عن صحيفة الراية القطرية 18/3/2008