أفضل الخيارات السيئة تأجيل قمة دمشق بعد فشل المبادرة العربية مكرم محمد أحمد قبل نهاية الأسبوع الماضي غادر أمين عام الجامعة العربية عمرو موسي بيروت بعد جولة مباحثات ثالثة لم تسفر عن حل الأزمة اللبنانية أو حلحلتها, ودون الاتفاق علي موعد جديد للقاء رباعي آخر يجمع بين الموالاة والمعارضة, وبات واضحا أن انتخاب رئيس لبناني جديد قبل انعقاد قمة دمشق في28 مارس الحالي أمر خارج الإمكان إذا ظلت دمشق علي موقفها الرافض لممارسة أية ضغوط علي أصدقائها في المعارضة اللبنانية كي يسارعوا بانتخاب العماد ميشيل سليمان قائد الجيش رئيسا للجمهورية باعتباره مرشحا توافقيا تتفق عليه الأغلبية والمعارضة. كما بات واضحا أن المبادرة العربية التي تعلقت بها آمال الجميع لإيجاد تسوية متوازنة تكفل حل الأزمة اللبنانية علي قاعدة لاغالب ولامغلوب بحيث يصبح لبنان الموحد هو الفائز الوحيد تواجه حائطا مسدودا,بما يعني أن الأزمة اللبنانية سوف تزداد تعقيدا وتصبح مستعصية علي الحل في المدي الزمني القريب, خصوصا أن المبادرة العربية تكاد تكون الآن هي المخرج الوحيد المتاح علي المسرحين الإقليمي والعالمي بعد أن أكد الأوروبيون( الفرنسيون والإسبان) أن أي جهد أوروبي جديد للوساطة في الأزمة اللبنانية لايمكن أن يتم إلا عبر المبادرة العربية. وقد لايستطيع أحد أن يضمن عدم تدهور الوضع الأمني في لبنان في ظل توقف جهود التسوية, وبعد أن وصلت الموالاة والمعارضة إلي مفترق طرق صعبة, ولم يعد في وسع أي من الفريقين أن يفرض إرادته علي الطرف الآخر, أو يتقدم خطوة أخري علي طريق التنازلات المتبادلة سعيا إلي الحل, كما أصبح من شبه المؤكد أن لجوء الجانبين مرة أخري إلي الشارع اللبناني في تظاهرات جديدة لاستعراض القوة يمكن أن يؤدي إلي صدام أهلي واسع يصعب تجنبه, رغم وقوف الجيش اللبناني علي الحياد وحرصه علي الفصل بين أنصار الموالاة وأنصار المعارضة. لكن الأكثر خطورة من ذلك هو تداعيات فشل المبادرة العربية علي مجمل الموقف العربي, لأن وصول المبادرة إلي حائط مسدود والاستسلام لذلك يعني انهيار مصداقية أي عمل عربي مشترك, ويعني انعدام قدرة العرب علي تصحيح أي وضع عربي يتطلب التصحيح من خلال جهد جماعي تسانده أغلبية الدول العربية إن لم يكن جميعها, ويعني فشل القمة العربية الدورية المقررة أن تنعقد في دمشق في نهاية مارس قبل أن تنعقد لأنه لامعني لانعقاد القمة في مكان دون أن يحضرها رئيس لبناني منتخب إلا أن تنعقد القمة في مكان آخر مهما تكن نتائجها علي مستقبل العمل العربي المشترك, ويعني قسمة جديدة في العالم العربي تضر بمصداقية الموقف العربي, ربما تكون الأخطر من سوابقها لأنها تضع دمشق خارج دائرة الاجماع العربي, وتترك لبنان بلا رئيس منتخب دون حساب لمخاطر وقوع حرب أهلية, وتضع كل الفرقاء اللبنانيين بلا استثناء في وضع بالغ الصعوبة لأنهم أهدروا فرص الحفاظ علي وحدة لبنان وتوافقه. وبسبب هذه النتائج الخطيرة المتوقعة لايزال الأمين العام عمرو موسي, الذي سافر إلي دمشق أمس الأول, يعلق آماله علي إمكان حدوث المعجزة في اللحظة الأخيرة, وتوافق دمشق علي تحفيز المعارضة اللبنانية كي تذهب لانتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية قبل أن ينعقد اجتماع وزراء الخارجية العرب في الخامس من مارس الحالي للنظر في تقرير الأمين العام حول أسباب فشل مهمته في لبنان. غير أن الشواهد كلها تؤكد أن الموقف قد وصل إلي خط النهاية, وأن احتمال حدوث انفراجة تساعد علي انتخاب رئيس للبنان قبل القمة المتوقعة يكاد يكون منعدما, ولم يعد هناك أمام العرب سوي أن يرتبوا مواقفهم علي نحو يقلل من حجم الخسائر المتوقعة, وأن يحسنوا المفاضلة بين بدائل ثلاثة جميعها لايسر ليختاروا منها الأقل سوءا. وأكثر الخيارات سوءا أن تنعقد القمة خارج دمشق عقابا لسوريا علي موقفها الرافض لحلحلة الأزمة اللبنانية, لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلي تفكيك مؤسسة القمة العربية في ظل وجود تباينات في مواقف بعض الدول العربية التي ربما لاتتحمس لعقاب دمشق, ولأن القاهرة لاتتحمس لهذا الخيار حرصا علي الحفاظ علي شعرة معاوية مع دمشق وحفاظا علي دورها الوسيط في المصالحة بين دمشقوالرياض, ولأنه الخيار الأكثر سوءا بالفعل لأن استبعاد دمشق مكانا للاجتماع لايعني استبعاد رئاستها للقمة لأن رئاسة القمة مرتبة وفق قاعدة الأبجدية وليس وفق المكان بما يزيد الأمر تعقيدا, وربما يكون الأهم من ذلك كله أن الإقدام علي هذه الخطوة يعني التفريط في ضرورات الأمن القومي التي تحتم الحفاظ علي دمشق ضمن النواة الأساسية للتضامن العربي التي تضم الرياضوالقاهرةودمشق, ولأن التفريط في دمشق, من وجهة نظر القاهرة, يعني تهيئة الظروف لإيجاد عراق جديد يزيد تمزق الموقف العربي ويزيده ضعفا. وربما يكون الخيار الأقل سوءا, أن تنعقد القمة في دمشق بمن حضر, ولا أظن أنه في غيبة وجود رئيس لبناني منتخب يحضر قمة دمشق يمكن لمصر أن تحضر قمة علي مستوي الرؤساء, وثمة مايؤكد أيضا أن العاهل السعودي الملك عبد الله لن يذهب إلي قمة دمشق غضبا من الموقف السوري, وربما يؤازره في هذه الخطوة عدد من قادة الخليج, الأمر الذي يجعل مشهد القمة العربية في دمشق في غيبة عدد كبير من القادة موضع سخرية مرة من شعوب الأمة العربية قبل شعوب العالم أجمع, خصوصا أن قمة علي هذه الصورة المحزنة لن يكون لها جدول أعمال واضح, وربما تكون بمثابة الضربة القاضية لانعقاد القمة الدورية أو تصبح قمة دمشق آخر قمة عربية. ووسط هذين الخيارين الأسوأ ربما يكون الخيار الأقل سوءا, أن يتأجل انعقاد القمة بضعة شهور ويتأخر معها اختيار سوريا لرئاسة القمة, لعل أطراف الأزمة بما في ذلك دمشق تراجع مواقفها أو تستكشف آفاقا جديدة للحل, ولعل الفرقاء اللبنانيين يحسون وطأة خلافهم علي مصير لبنان, الذي يمكن أن يضيع هباء منثورا إذا فقد توافقه الوطني أن يندفع إلي حرب أهلية ثانية إذا تعذر التعايش السلمي بين طوائفه! ولا أظن أن لعبة المعارضة اللبنانية لتبرير مواقفها التي تخلص في الادعاء بأن انتخاب الرئيس اللبناني, المتفق علي ترشيحه من جانب الموالاة والمعارضة وكان السوريون أول من ساندوا ترشيحه, قبل الاتفاق علي عناصر تشكيل حكومة الوحدة الوطنية هو مجرد مطلب أمريكي, وأن المبادرة العربية هي جزء من محاولة تحقيق هذا الهدف بعد فشل الضغوط الأمريكية علي دمشق, لأن المبادرة العربية كانت تتحدث منذ البداية عن الأمرين معا, انتخاب رئيس توافقي ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية لاتتمتع فيها المعارضة بحق ثلث المقاعد الذي يعطل قراراتها, ولاتتمتع فيها الأغلبية بحق الترجيح الذي ينبغي أن يكون من حق رئيس الجمهورية كي لايكون هناك غالب أو مغلوب. وفي هذا الإطار طرح عمرو موسي اجتهاده المتعلق بتوزيع مقاعد الحكومة, وطرحت المعارضة فكرة المثالثة التي تعطي لكل من الموالاة والمعارضة ورئيس الجمهورية المنتخب الحق في تسمية عشرة من وزراء الحكومة, غير أنه في الاجتماع الرباعي الثاني الذي حضره عمرو موسي مع سعد الحريري وأمين الجميل اللذين يمثلان الأغلبية والعماد ميشيل عون ممثل المعارضة في جولة مباحثاته الثانية في بيروت, كان الواضح أن العماد ميشيل عون جاء ليضع العصي في العجلات, ويعوق فرص الوصول إلي أي اتفاق بفرض شروط جديدة تغلق كل أبواب التسوية, سحب العماد ميشيل عون في هذه الجلسة اقتراحه السابق الذي يقضي بتقسيم مقاعد الحكومة علي أساس المثالثة ولم يعتبره كافيا للذهاب غدا إلي انتخاب رئيس الجمهورية, كما اقترح سعد الحريري ممثل الأغلبية, وبدأ في فرض شروط جديدة تسحب من الأغلبية حقها في أن تكون أغلبية, وتحافظ للمعارضة علي ثلث مقاعد الحكومة الذي يعطل كل قراراتها, وتؤكد ضرورة التوافق المسبق ليس علي شخص رئيس الجمهورية فقط ولكن علي شخوص رئيس الوزراء وقائد الجيش والوزراء السياديين وغير السياديين وقانون الانتخاب المقترح تغييره, بدعوي أن الرئيس المنتخب بالتوافق لاينبغي أن يكون له أي دور سوي الاشراف علي تنفيذ مايتفق عليه الموالاة والمعارضة! وكان معني اقتراح العماد ميشيل عون أن يستمر الجدل البيزنطي بين ممثلي الأغلبية والمعارضة إلي ما لانهاية مالم تسلم الأغلبية قرارها إلي المعارضة, وأن المعارضة غير معنية بالمرة بالوصول إلي تسوية تمكن الطرفين من انتخاب الرئيس التوافقي قبل انعقاد قمة دمشق, وأن مصير لبنان سوف يظل معلقا مثل الرهينة إن لم تحقق المعارضة أهدافها, وأن دمشق ربما تكون علي استعداد لإبقاء الوضع في لبنان علي ماهو عليه مهما يكن تأثير ذلك علي انعقاد قمة دمشق, لأن انتخاب الرئيس اللبناني دون الاتفاق علي تشكيل حكومة جديدة يكون فيها للمعارضة حق تعطيل قراراتها لايكفي لإغلاق كل الطرق أمام إمكانية انعقاد المحكمة اللبنانية الدولية التي سوف يمثل أمامها المتهمون السوريون واللبنانيون باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري, والتي يخشي السوريون من أن تنتهي في أحكامها إلي إدانة النظام السوري بأكمله, رغم التأكيدات التي قدمتها مصر والسعودية والأغلبية اللبنانية بالعمل علي أن تظل المحكمة دون تسييس, وأن يقتصر دورها علي المتورطين في عملية التنفيذ دون المساس بأي من دوائر النسق الأعلي في نظام الحكم السوري, وأن الهدف الوحيد الذي من أجله تصر الأغلبية اللبنانية علي ضرورة عقد المحكمة هو ألا يتكرر ماحدث ويحدث من عمليات اغتيال, تطول فقط الشخوص اللبنانيين الحريصين علي استقلال القرار اللبناني, الذين يرفضون هيمنة دمشق علي الوضع اللبناني مع حرصهم علي إقامة علاقات خاصة بين دمشقوبيروت تترجم طبيعة التداخل في مصالح البلدين. والأمر المؤكد أن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي كان يعرف قبل سفرته الأخيرة إلي بيروت لحضور اجتماع رباعي ثالث, يحضره الحريري والجميل ممثلا الأغلبية وميشيل عون ممثل المعارضة, أن فرص الوصول إلي اتفاق علي انتخاب رئيس الجمهورية التوافقي تكاد تكون منعدمة قبل انعقاد قمة دمشق مالم تغير سوريا موقفها, لأنه في نهاية الاجتماع الرباعي الثاني قبل عودته إلي القاهرة, كان واضحا أن المسافات تزداد بعادا بين الأغلبية والمعارضة, وأن العماد ميشيل عون لايتوقف عن تصدير مشاكل جديدة إلي الاجتماع كل لحظة لتعويق فرص الوصول إلي الاتفاق, وأنه غير مخول من المعارضة بأي قرار سوي قرار التعويق, بل لقد وصل الأمر في نهاية الاجتماع إلي حد أن الفريقين الموالاة والمعارضة تورطا في اتهامات متبادلة بالتربح والتخوين والعمل لحساب أطراف خارجية. راهن عمرو موسي وأظن أنه لايزال يراهن, رغم فوات الأوان, علي امكان أن تغير دمشق موقفها في اللحظة الأخيرة حرصا علي نجاح انعقاد القمة العربية الدورية التي سوف تنعقد هناك في نهاية مارس, خصوصا أن السوريين بدأوا في توجيه الدعوات إلي الرؤساء والملوك بالفعل, وتوقع الأمين العام الذي يزور سوريا الآن أن تسمح دمشق في اللحظة الأخيرة بانتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية خصوصا أن انتخاب رئيس الجمهورية لايحل كل تعقيدات الأزمة, ولايدع كل خطوطها تفلت من أيدي دمشق مادامت الأطراف اللبنانية لم تتفق بعد علي تشكيل الحكومة الجديدة. ولهذا السبب وحده آثر عمرو موسي أن يذهب في جولته الثالثة رغم النتائج السلبية التي أسفرت عنها الزيارة غير المعلنة إلي دمشق التي قام بها وزير الخارجية سعود الفيصل كي يؤكد للرئيس السوري بشار الأسد حقيقتين مهمتين, أولاهما: أن السعودية لاتسعي إلي دور خاص في لبنان ينافس الدور السوري أو يزاحمه, وأنها تتفهم حرص دمشق علي عدم تسييس المحكمة, كما تتفهم حرصها علي ضرورة تلازم المسارين السوري واللبناني في إطار تسوية النزاع العربي الإسرائيلي. وثانيتهما: أن مساهمة سوريا في تسوية الأزمة اللبنانية والاسراع بانتخاب رئيس توافقي للبنان سوف يصب في صالح مصالحة سعودية سورية تفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين, وتعيد سوريا إلي وضعها جزءا مهما من نواة التضامن العربي التي تضم دمشقوالرياضوالقاهرة. لكن الزيارة مع الأسف لم تفلح في زحزحة دمشق عن موقفها الرافض للضغط علي أصدقائها في المعارضة اللبنانية, كي يذهبوا لانتخاب العماد ميشيل سليمان رئيسا للبنان وكذلك لم تفلح جولة المباحثات الثالثة بين الأمين العام عمرو موسي والفرقاء اللبنانيين, بما جعل انعقاد القمة في دمشق موضع شكوك وتساؤلات كثيرة, وخيارات صعبة ربما يكون التأجيل أفضلها. عن صحيفة الاهرام المصرية 1/3/2008