مأساة غزة.. بين الإنسانية والأمن الوطني محمود شكري كنت و مازلت.. متعاطفا للغاية مع مأساة شعب غزة, الذي حرم في لحظة متهورة من ابسط حقوقه كإنسان.. فقد قطعت عنه الكهرباء, والسولار والمازوت فتوقفت بالتالي الافران وحرم من لقمة العيش ومن انابيب الغاز ليطهو طعامه, ومن حليب الاطفال, ومن الدواء, ومواد البناء.. اي انه قد حرم في لحظة سوداء من حقه في الحياة, ولأسباب قد نتفق اونختلف حولها الا انها تتمحورفي جوهرها, حول صيغة واحدة: وهي ان الشعب الفلسطينيبغزة يعاقب بجريرة حكام, احتدم بينهم الصراع علي السلطة في دولة فلسطينالمحتلة, والفاقدة فعليا وعمليا لسلطتها الحقيقية!! ولايمكن لي, اولغيري الا ان يدين اسرائيل كدولة احتلال, لفرضها اسلوب العقاب الجماعي, المرفوض دوليا وانسانيا, وعلي شعب غزة تحديدا, والذي قال عنه اسحق رابين, انه يتمني ان يستيقظ يوما ويجده غارقا في البحر. في ذات الوقت, فإن مايعنيني في الاساس, كمواطن مصري, رفضي المطلق لتلاعب اي طرف بمستقبل وامن مصر الوطني, ليس من الفلسطينيين كشعب مقهور, ولكن من المخططات الاسرائيلية والارهابية التي تسعي لاستخدام هذا العامل الانساني, للنيل من الامن القومي المصري . واسمح لنفسي, بداية, ان اشيد بالموقف الكبير والمتعقل, الذي عالج به السيد الرئيس حسني مبارك هذه الازمة عند تفجرها, بترجيحه الجانب الانساني, ليسحب البساط من تحت اقدام من كانوا يسعون بل ويهدفون الي تأزيم الموقف, وادخال مصر في مشكلة, قد تسيء لوضعها العربي والاقليمي والانساني. والآن, وبعد ان انتهت الازمة مرحليا فإن الضمير الوطني المصري يوجب علينا ان نطالب بفتح الملف وتدارس الموقف بإعتباره يشكل معضلة سياسية حقيقية, والتعامل معها بجدية وحرفية, وبعيدا عن التهور او الانفعال الشوفيني, لتحديد المخطط المصري بشقيه الاستراتيجي والتكتيكي لاحتواء الازمة قبل وقوعها. ويحدوني لتبني هذا الطرح المتشائم, العديد من الامور التي يلزم ان ننبه إليها بكل الوضوح والصراحة, واوجزها فيما يلي: اننا نري ان مايحدث في فلسطين الان هو نوع من الهزل بل ربما الهزال السياسي, فليس من المقبول ان يتمحور العمل الوطني الفلسطيني في هذه المرحلة علي التصارع علي السلطة, في وقت مازالت فيه فلسطين, دولة محتلة بل ومنكوبة. - ان قيمة منظمة التحريرالفلسطينية هي في وضعها كآلية لمقاومة المحتل الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية: فرضت نفسها دوليا وعربيا, وحازت علي الاعتراف بها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني في شتاته وداخل الاراضي المحتلة, ومن ثم فإنه يعد تفريطا في حقوق الشعب الفلسطيني المكافح, ان يستبدل هذا الكيان السياسي القوي واقعيا بكيان ضعيف وفاقد المعالم, ويطلق عليه السلطة الفلسطينية. - إننا لانتصور انه يمكن لمنظمة مقاومة أن تتحدث عن الكفاح المسلح, او مقاومة الاحتلال, وهي تشكل جزءا ضعيفا من نظام حكم ممزق وهزيل. اننا نري ونؤكد علي ان الميزان السياسي والاستراتيجي الفلسطيني الراهن لايسمح لها في هذه المرحلة بالتوصل الي اتفاق مرض.. وان الوسيلة الوحيدة لموازنة الموقف التفاوضي الفلسطيني, وهو اعادة طرح شكل جديد لقيادات وهيكل منظمة التحرير لطرح نموذج يتواءم مع معطيات الحاضر. ان اسرائيل, والمنظمات الصهيونية, و الولاياتالمتحدة, يبيعون الهواء للحكام الفلسطينيين, بزعم انهم سيعملون علي اقامة دولة فلسطينية قبل نهاية هذا العام وتساءل:هل ماحدث في غزة هو البروفة السياسية التي سيكون عليها وضع هذه الدولة, لتصبح مجرد واجهة سياسية, تديرها اسرائيل بمعرفتها وادواتها ؟ واسمح لنفسي بأن اتعدي الموقف علي الساحة الفلسطينية الاسرائيلية, لاطرح بعض الحقائق الدامغة التي اراها تشكل خطرا محدقا علي الامن الوطني المصري وهي:1 ان اسرائيل قد اعلنت مرارا عن مخططها, بأن تصبح وطنا لليهود, لتنقيته من شوائب تواجد العرب الفلسطينيين في نطاقه. كما ان اسرائيل ترفض مبدأ المشاركة في ادارة شئون غزة, بإعتبارها خطرا اساسيا علي الامن القومي الاسرائيلي, وان مخططها الحالي والمستقبلي, هو تطويقها بسور امني, ومعابر مانعة داخل اراضيها وخارجها. والسؤال الذي يفرض نفسه هو من الذي سيتحمل تبعات هذا المخطط في المستقبل المنظور ولا اجد امامي سوي مصر والامن القومي المصري. فعرب1948 سوف يهجرون الي النقب, بمقايضة الاراضي الفلسطينية بأخري اسرائيلية في التسوية النهائية, اما غزة التي تتفجر بسكانها, وتعاني من حالة فقر مدقع, ونضوب في الموارد, فستمعن اسرائيل في سياسة عزلها بصورة او بأخري خاصة في ظل التمزق الحالي بين حماس في غزة, والسلطة وفتح في رام الله وسيكون الحل الاكبراحتمالا, هو ماصرح الراباي الاكبر للاشكيناز في تصريحه الاخير لجريدة JewishNews اللندنية والذي ينسجم مع مايلوح به العديد من الاستراتيجيين الاسرائيليين بان يتم تهجير فقراء غزة الي شبه جزيرة سيناء, ليقام لهم تجمع سكاني جديد علي شاكلة اريزونا الامريكية. ولانجد امامنا من وسيلة, سوي ان نقرع طبول الخطر, وننبه الي ان احداث غزة لاخيرة, يجب ان تعامل بكل الجدية, والالتزام الوطني المصري.. باعتبارها مسألة:سياسة, ودبلوماسية, وامنية, ثم انسانية وكذلك بإعتباره عملا عسكريا يمكن ان نلقي به علي المائدة كاخر ورقة. عن صحيفة الاهرام المصرية 4/2/2008