تاريخ العلاقات السورية اللبنانية إبراهيم غرايبة برغم أن عنوان كتاب غسان عيسى "العلاقات السورية اللبنانية" والذي صدر مؤخرا يشد القارئ إلى العلاقات السورية اللبنانية في حالتها الراهنة اليوم فإنه يقتصر على عرض تاريخي للعلاقات اللبنانية السورية في المرحلة التي أعقبت الاستعمار الفرنسي لكل من سورية ولبنان حتى عام 1946، ولكن الكتاب يقدم فكرة شاملة عن طبيعة هذه العلاقة وتداخلاتها التاريخية والجغرافية. فقد كانت مملكة سورية التي أسسها الملك فيصل تضم سورية ولبنان والأردن وفلسطين، وظلت بعد ذلك الأحزاب والأفكار السياسية تتشكل على أساس الوحدة العربية أو الوحدة السورية كما نظر لها أنطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي. وفي عام 1933 نشأت "عصبة العمل القومي" في جبل لبنان ويمكن اعتبارها المحاولة الأولى لإضفاء الطابع العقائدي الوحدوي على الحركة القومية العربية، وكان مؤسسوها من اللبنانيين والسوريين، وقد تميز هذا التنظيم بخططه السياسية ونزعته القومية. لقد ظلت التطلعات الوحدوية والإيمان بالعروبة و"الأمة ذات الرسالة الخالدة" تشكل حافزا نضاليا لذلك الجيل من الشباب الذي نشأ في حالة من التمزق والتبعية في الوطن العربي، وفي عام 1947 أنشأ زكي الأرسوزي، وميشيل عفلق، وصلاح البيطار حزب البعث العربي، وركز حزب البعث نشاطه في لبنان على علمانية الدولة، وبشر بأيديولوجية الوحدة. وأما العلاقات الاقتصادية اللبنانية السورية فقد كانت في عهد الانتداب أقرب إلى الوحدة، فقد أنشئ مصرف سوريا، ومُنح حق إصدار النقود والإشراف على ميزانيتي البلدين، وامتياز إصدار عملة جديدة هي الليرة السورية، ثم حول إلى بنك "سورية ولبنان" وكان من أهم المرافق الاقتصادية الحاضنة للرأسمال الفرنسي. وكانت سورية تعتمد على الموانئ اللبنانية لتصدير منتجاتها الزراعية مثل القطن والقمح والحيوانات، وتستورد من خلالها مدخلات الصناعة والسلع الاستهلاكية المصنفة، عدا عن كون لبنان مقرا للمصالح المشتركة، والشركات ذات الامتياز. واستمر البلدان - مع تحقيق الاستقلال- في الاحتفاظ بهيكل الوحدة بينهما، في إطار الاتحاد الجمركي الذي دفع إلى السماح بتداول النقد بحرية من دون التقيد بالسعر الرسمي، وقد شكلت سورية ولبنان سابقة في علاقتهما الاقتصادية منذ خضوعهما للانتداب، وكان الاتحاد الجمركي اللبناني - السوري المحاولة الوحيدة التي قامت بها الدول العربية لتحقيق التكامل أو الاندماج الاقتصادي. وقد مرت العلاقات اللبنانية-السورية بمرحلة من التأزم وفقدان الثقة، خاصة في مسألة اللاجئين السياسيين السوريين في لبنان، ولكن في حزيران في عام 1961 قررت السلطات اللبنانية-السورية التعاون للحد من نشاط الشيوعيين، وترحيل عدد من السوريين المشتبه بهم، وقد طلبت الجمهورية العربية المتحدة من لبنان تشديد المراقبة على عدد من الأحزاب اللبنانية. وتحول لبنان في مرحلة ما بعد انهيار الوحدة المصرية السورية إلى ساحة صراع سوري مصري وشهد لبنان نفسه انقساما وارتباكا في التعامل مع الانفصال وإن كان الرئيس فؤاد شهاب مؤيدا لعبد الناصر ومشروع الوحدة. وخلال العام 1961 تحركت الدبلوماسية السورية باتجاه لبنان، فأبدت الأوساط السورية الرسمية رغبتها بحل القضايا السياسية قبل الدخول في مفاوضات اقتصادية، كما أغرت لبنان بعقد اتفاق اقتصادي شامل مع سورية والعراق، بشرط التعاون سياسيا، ولكن العلاقات تأزمت عام 1962 بسبب حملات الصحف اللبنانية على الحكومة السورية. كان لبنان يحرص على قيام علاقات واقعية بين البلدين، وتحولت العلاقات الاقتصادية التاريخية بعد ثورة آذار مارس عام 1963 إلى حالة غير واضحة المعالم، كما في سابق عهدها، واستمرت المعالجات والحلول بين البلدين تطغى عليها سمات الفعل وردة الفعل، وارتبطت أكثر بما يجري من تغيرات سياسية ومعالجات اقتصادية في الداخل السوري، وبالتالي كانت هذه الحالة تنعكس ارتباكا سياسيا واقتصاديا في لبنان، وجعل ذلك الدولة اللبنانية تبادر دائما إلى إبعاد لبنان عن الصراعات الداخلية السورية. عن صحيفة الغد الاردنية 2/2/2008