العنف يضرب عاشوراء حازم مبيضين يؤشر تجدد أعمال العنف الطائفية في العراق في ذكرى عاشوراء إلى أن الظروف التي مرت بها بلاد مابين النهرين قد أنضجت حركات دينية منحرفة يمكن النظر إليها باعتبارها امتداداً لحركات قديمة عرفت بإسم الحركات المهدوية تستند على الدوام إلى دعم خارجي يتمثل في منحرفين عن أصول التشيع أشبعتهم آراء لا علاقة لها بالدين وهي مدعومة في هذه المرحلة من تاريخ العراق ببقايا حزب البعث المنحل الذين يفتشون عن أية منافذ لإفشال العملية السياسية القائمة حاليا تمهيدا لعودتهم - المستحيلة - لحكم العراق. وإذا كانت تحركات من يطلقون على أنفسهم '' جند السماء '' تتزامن للمرة الثانية على التوالي مع إحياء أبناء الطائفة الشيعية لذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، فإنها تحاول من خلال ذلك التوسل بالذكرى العظيمة لتضحية سبط الرسول العظيم بروحه في سبيل العودة بالإسلام إلى أصوله التي أرساها النبي الكريم بوحي إلهي، في محاولة تشهد نجاحاً محدوداً في استقطاب بعض الجهلة والسذج والمؤمنين بالغيبيات والمتأثرين بالأحداث الجسيمة التي عصفت بالعراق خلال عدة عقود من الظلم ، تلتها سنوات من الفوضى، نجم عنها تنامي الحس الطائفي البغيض المنفلت من كل نظرة عقلانية واعية لطبيعة المرحلة التي يمر بها العراق ومنطقة الشرق الأوسط. وتتمثل سذاجة أتباع أحمد الحسن - اليماني - في قناعتهم أن رسول مهديهم المنتظر ينقل لهم رسائل الإمام المهدي الذي يعتقد الشيعة أنه لم يمت وأنه غائب بإرادة ربانية وسيظهر في آخر الزمان ليملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، وهم بهذه السذاجة المتغذية بالعنف وادعاء امتلاك الحقيقة ينهضون إلى الشوارع بشاراتهم الصفراء ليهاجموا مقرات الشرطة في الناصرية وموقعاً نفطياً في البصرة، مخلفين عشرات القتلى من أبناء طائفتهم بعد مواجهات عنيفة ، اضطرت السلطات لاتخاذ كل الإجراءات الرادعة لواد الفتنة في مهدها، بعد أن فشلت طوال العام الماضي في استئصال هذا الفكر الدخيل، سواء كان ذلك عن قلة حيلة أو عدم اهتمام حقيقي بالموضوع، أو ظناً منها أن أحداث النجف العام الماضي كانت نهاية العمل الحقيقي لهذا التنظيم. ولعل أخطر الدلالات على ما جرى في ذكرى عاشوراء هي أن العنف الطائفي الذي استشرى في العراق نتيجة الفكر المنحرف لتنظيم القاعدة الذي دأب على تكفير المسلمين من غير أبناء الطائفة السنية، انتقل إلى حرب بشعة بين أبناء الطائفة الواحدة بعد أن استسهل البعض عملية التكفير، وبعد انكفاء المد الذي شهدته القاعدة التي حملت زوراً لواء مقاتلة الاحتلال والدفاع عن أبناء السنة الذين فقد بعضهم شيئاً من مكاسبه، ليس لانتمائهم للطائفة السنية بل لولائهم للنظام السابق الذي وزع الظلم بالتساوي على كل طوائف العراق. ولعل سيادة الفكر الطائفي - في العراق أو غيره - تتعتبر مقدمة لأحداث عنف بشعة بين أبناء الطوائف الإسلامية وبما يتنافى من حيث المبدأ مع تعاليم الدين الحنيف، مثلما تعتبر مقدمة لحرب أكثر بشاعة بين أبناء الطائفة الواحدة، حيث أنه معروف أن العنف يولد العنف الباحث عن منافذ للتنفيس إن لم يجدها في أبناء الطوائف الأخرى فتش عنها بين أبناء طائفته نفسها، وصولاً إلى العنف حتى بين أبناء البيت الواحد، حين يسود الجهل والتخلف والتعصب الأعمى. لا نقول أن أحداث البصرة والناصرية، وقبلهما أحداث النجف، هي وحدها ما يدق نواقيس الخطر الداهم والمهدد للعراق الدولة والإنسان والحضارة والتعايش، لكننا نؤكد أنها النواقيس الأعلى صوتا والأشد تنبيها للمخاطر المحدقة ببلاد الرافدين، ولعلها تجد آذاناً تصغي وعقولاً تعي وقلوباً تحس بالخطر وتسعى لإنقاذ ما تبقى من العراق الذي نحب ونتمنى له الخير، ونصلي من أجل مستقبل أفضل لشعبه الذي يكفيه ما اكتوى به من النيران، ولم يبق في جعبة مبغضيه غير نيران الإعلام الصفراء والشارات الأكثر صفرة على جباه المتمسحين بالمهدي المنتظر. عن صحيفة الرأي الاردنية 21/1/2008