مناقشة في نصاب انتخاب رئيس الجمهورية سعيد الصباح قرأت في جريدة «السفير»، عدد الجمعة في 30/11/2007 صفحة قضايا وآراء بحثا للمحامي أنطوان أ. سعد، عنوانه: «نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في الدستور والقانون المقارن». حول بعض المسائل المطروحة في هذا البحث، أُبدي الملاحظات التالية: أولا: يقول الباحث، أنه في حال الأخذ بالرأي القائل بوجوب توافر الثلثين في جلسة الانتخاب الثانية، بعدما تنتهي الجلسة الأولى الى عدم حصول أي مرشح على غالبية الثلثين، فان بامكان المرشح الخاسر في الجلسة الأولى إذا ما انسحب مؤيدوه تعطيل الجلسة الثانية، وهذا ما لا يجوز لئلا نصبح أمام حالة تتسلط فيها الأقلية او تسيطر على الأكثرية، الخ... يبدو ان الباحث قد التبس عليه نص الفقرة الثانية من المادة 49 من الدستور فجرى الخلط ما بين الدورة والجلسة، إذ ان هذه الفقرة تنص على دورة أولى وثانية وثالثة. ففي الدورة الأولى يشترط حصول المرشح على غالبية ثلثي عدد أعضاء المجلس النيابي وفي الدورات التي تلي على الغالبية المطلقة، وهي (النصف +1) من عدد أعضاء هذا المجلس. فهذه الدورات مهما تعددت تبقى ضمن الجلسة الواحدة التي يتوجب ضمنها اعتماد المعيار ذاته بالنسبة لعدد النواب الذين يتوجب اعتماده في الدورة الأولى. فوحدة الجلسة تقتضي وحدة النصاب. أما الكلام بأن بامكان المرشح الخاسر تعطيل الجلسة (صح: الدورة) الثانية. فأرى أنه لا مأخذ على امرئ اذا ما استعمل حقا أعطاه إياه الدستور او القوانين المرعية. أما الحديث عن تسلط الأقلية على الأكثرية لجهة تعطيل النصاب اذا ما اعتمدنا قاعدة أغلبية الثلثين في الجلسة (صح: الدورة) الثانية وما يليها... فهذا مردود عليه بالقول، ان المشترع أراد حماية أقلية وازنة مقدارها الثلث، وفي الوقت عينه وجوب توافر أكثرية ثلثين تحسم نتيجة الاستحقاق لصالحها، في وطن تعددت فيه الأطياف الدينية والمذهبية والإثنية. أما الخشية من تعطيل «استمرارية المرفق العامة»، فيتوجب والحالة هذه ان تدفع نحو التوافق، لا نحو خيار يدفع البلاد الى الفتنة في ظل استقطاب طائفي ومذهبي لا سابق لهما في لبنان؟!. ثانيا: أورد الباحث ما قررته هيئة مكتب مجلس النواب ولجنة الادارة والعدل في اجتماع مشترك بتاريخ 5/5/1976 بأن النصاب الذي اشترط المشترع توافره في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية هو ثلثا أعضاء المجلس على الأقل وهو العدد ذاته الذي يتوجب ان يناله المرشح في الدورة الأولى. وبعد تزايد عدد النواب المتوفين قرر مجلس النواب في 29/5/,1980 ان الغالبية المطلقة تعني الغالبية محسوبة على أساس عدد النواب الأحياء. وقد تم التأكيد على هذا الرأي في اجتماع مشترك لهيئة مكتب المجلس ولجنتي الادارة والعدل والنظام الداخلي بتاريخ 16/8/1982 إذ تم التأكيد في هذا الاجتماع على وجوب حضور أكثرية الثلثين في الجلسة الأولى التي تعقد لهذه الغاية، على ان يكتفى بالغالبية المطلقة في الاجتماعات والدورات التالية». لي حول هذا الطرح الملاحظات التالية: 1 إن القرار الصادر عن الاجتماع المشترك بتاريخ 5/5/1976 يتطابق مع نص الفقرة الثانية من المادة 49 من الدستور حول انتخاب «رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى» و«بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي». 2 أما القرار الصادر عن مجلس النواب بتاريخ 29/5/1980 القاضي باعتبار الغالبية المطلقة تعني الغالبية محسوبة على أساس عدد النواب الأحياء، وما تم البناء عليه في «الاجتماع المشترك» بتاريخ 16/8/1982 من اعتبار غالبية الثلثين في الدورة الأولى محسوبة على أساس عدد النواب الأحياء، يعتبران مخالفين لنص الفقرة الثانية من المادة 49 من الدستور التي اعتبرت «غالبية الثلثين» و«الغالبية المطلقة» محسوبتين على أساس عدد أعضاء مجلس النواب، ويومها كان 99 نائبا. قد يقول قائل، ان هناك ظرفا استثنائيا استوجب صدور هذين القرارين، وهو نقصان عدد أعضاء مجلس النواب بالوفاة، واستحالة اجراء انتخابات لملء المقاعد الشاغرة، في ظل حوادث دامية ضربت الوطن حيث تم التمديد لمجلس النواب. نعم، هناك «ظروف استثنائية» مرت بالوطن، استحال معها اجراء انتخابات عامة وفرعية، وكان بالامكان والحالة هذه إصدار قانون دستوري يلحظ هذا الوضع الاستثنائي، فالدستور لا يعدل او يفسر إلا بقانون دستوري. 3 إن عدم توافر نصاب الثلثين في جلسة الانتخاب الرئاسية ليس فقط خروجا على نص الدستور، بل هو أيضا تجاوز لأول معطيات المنطق. إذ ان عدم توافر ثلثي أعضاء المجلس يحول أصلا دون انعقاد الجلسة، وبالتالي دون انتخاب رئيس للجمهورية. كما صرح الرئيس كامل الأسعد للصحف الصادرة في 18/1/.2007 وكما هو معلوم للجميع فإن الرئيس كامل الأسعد هو الذي ترأس جلسات انتخاب الرؤساء شارل حلو وبشير وأمين الجميل والياس سركيس، وهو الذي تمسك في أصعب الظروف بنصاب الثلثين كشرط ضروري لانعقاد الدورة الأولى. وأهل مكة أدرى بشعابها. ثالثا: يعتبر الباحث أنه من الضروري اعتماد التفسير القائل بأن النصاب يتوافر لانتخاب الرئيس فيما لو حضر ثلثا أعضاء المجلس في الدورة الأولى هو نفسه الذي يقتضى اعتماده حين تجري الدورة الثانية، وبالتالي، ونظرا لعدم تحديد النصاب صراحة في المادة ,49 كما في المواد 60 و70 و77 و79 من الدستور، يطبق نص المادة 34 منه، والمتعلقة بالنصاب العادي الضروري لجلسات التشريع واتخاذ القرارات. وأن بشاره منسّى رأى بناء على استشارة د. إدمون رباط بتاريخ 16/9/1978 أن اجتماع مجلس النواب الحكمي له مدلولات متعددة أهمها تفادي الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية دون أي اعتبار لتحديد نصاب جلسة الانتخاب خلافا لما هو الأمر في الظروف العادية، وهذا الحرص يترجم مبدأ دستوريا يعلو ولا يعلى عليه، وهو استمرارية مؤسسات الدولة وعلى رأسها رئاسة الجمهورية!!!. بعدها يقوم الباحث بجولة يتطرق فيها الى دساتير العديد من الدول حول النصاب المتوجب توافره لانتخاب رئيس البلاد. في السجال مع هذا الطرح أود القول: 1 متى سلمنا بأن الفقرة الثالثة من المادة 49 تفترض حضور ثلثي عدد الأحياء من النواب، فانه لا يمكن الانتقال الى الدورة الثانية من عملية الانتخاب، ويكفي هذا الطرح لتلافي الخوض في مسألة النصاب في الدورة الثانية، فعدم توافر النصاب في الأولى يحجب امكانية حصول أي دورة لاحقة. 2 التذرع ب «الظروف الاستثنائية» خلافا لما هو الأمر في «الظروف العادية» من أجل عقد جلسة انتخاب الرئيس «دون أي اعتبار للنصاب» هو كلام بمنتهى الغرابة والخطورة، وهو يشكل دعوة صريحة لخرق الدستور وتعطيل العمل بأحكامه، ودعوة الى ضرب القواعد الأساسية للانتظام العام!!. وهذا الطرح يبيح لأي طرف متسلط على بعض المرافق العامة دعوة عدد من النواب الموالين له لانتخاب رئيس من مشربه!!. وأود الاشارة هنا الى أن الخبير الدستوري والقانوني الوزير والنائب الأسبق الدكتور حسن الرفاعي، وباسم «الظروف الراهنة» أوجب على النواب حضور جلسة الانتخاب، وإلا كان امتناعهم محاولة للتعطيل، وإذ ذاك تطبق «نظرية الظروف الراهنة» التي تسمح بانتخاب الرئيس بنصاب (النصف +1)!!. فهل باسم «الظروف» التي يسمونها تارة «استثنائية» وطورا «راهنة» تباح مخالفة الدستور؟ وهل أن التذرع باسم «الضرورات» و«الظروف الطارئة» و«الظروف الاستثنائية» يبرر البعض خرق الدستور، ليس من أجل السلامة العامة، بل من أجل إيقاع الشقاق بين اللبنانيين. ويبدو ان الذين نادوا بهذه الفكرة هم أنفسهم غير مقتنعين فيها، تماما كقصة صاحبنا المرحوم جحا، يوم قال للناس أن عرسا قد قام في القرية، فركض القوم بقصد الحصول على الهدايا، وعندما شاهدهم يتدافقون، راح يجاريهم بما هم فاعلون، وخاطب نفسه بالقول: «لو لم يكن هناك من عرس لما هرول الناس إليه!!». على كل حال، فان الغالبية الكبرى لأطياف الموالاة قد وضعت جانبا فكرة انتخاب رئيس الجمهورية ب (النصف +1). والظاهر، أن القوى السياسية اللبنانية منصرفة الى حوار وفاقي من أجل الرئاسة الأولى، يبدو ان المواطن اللبناني أصبح ينظر الى حكايته، كقصة «إبريق الزيت»!! رابعا: القول بأن النائب ملزم بحضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وإلا اتهم بتعطيل مؤسسات الدولة، فمردود عليه بالقول، ان للنائب الحق بالحضور، وكذلك يملك كامل الحق بالغياب، فأصول اللعبة الديموقراطية تسمح له بذلك، كما أعطي الحق بالاقتراع لمن يراه مناسبا من المرشحين، او أن يمتنع عن التصويت عند الحضور الى مجلس النواب، ما دام لا يوجد نص دستوري او قانوني يفرض عليه واجب الحضور، كما أن للناخب ملء الحق بأن يشارك في العملية الانتخابية او ان يقاطعها. ونصيحة أخيرة، ألا وهي ضرورة قراءة الدراسة القيمة التي خطها يراع الفقيه الدستوري والقانوني النائب الدكتور بهيج طبارة وعنوانها: «نصاب الثلثين». قراءة هادئة لنص المادة 49 (تراجع جريدة «السفير» عدد الخميس 7/6/2007 العدد 10717). ففيها تحليل عميق وعرض لآراء الحقوقين الكبار أمثال د. انطوان بارود والأستاذ أنور الخطيب ود. ادمون رباط والرئيس عبدو عويدات. عن صحيفة السفير اللبنانية 31/12/2007