نشرت في عدد سابق من هذه المجلة الشتيمة التي وجهها اليّ احد المواطنين الشيوعيين بواسطة البريد، وهي (استحِ يا سعيد... يا عبد النواب البريطانيين الستة).
واستغرب احد القرّاء القدامى عليّ نشر هذه الشتيمة في مجلتي، فكتب اليّ يقول:
(الا تعلم ان الكريم من كتم اهانة نفسه? اذاً فكيف ابحت لنفسك نشر هذه الاهانة في مجلتك)? اسمح لي ان اقول لك انك قصير النظر، ولا تعرف معنى الحرص على الكرامة!
وهكذا شتمني حضرة الأخ الكريم لأني نشرت في مجلتي ما اعتبره هو اهانة، واعتبرته انا تجنياً وظلماً وقلة حياء من الشيوعي المواطن!
وقد خطر لي وأنا اقرأ هذه الشتيمة الجديدة ان اعود بالذاكرة الى ما سبق ان تلقيته من سباب وشتائم في البريد، فاجعل منه موضوعاً طريفاً لجعبة هذا الأسبوع.
كتبت مرة انتقد احد الزعماء السياسيين، وما ان صدر العدد الذي نشر فيه الانتقاد حتى تلقيت رسالة بدون توقيع يعتب عليّ فيها صاحبها ويقول لي بلغة لطيفة مهذبة اني اخطأت وان الزعيم الذي كان هدف انتقادي رجل طيب وابن حلال! ورأيت ان انشر هذه الرسالة نزولاً عند حكم المهنة وحكم احترام رأي الغير... وليتني لم افعل، لأن قارئاً محترما او غير محترم كتب اليّ بعد ذلك يقول:
(لم استغرب تراجعك، فأنت صحفي لا مبدأ لك ولا ضمير، تذم اليوم وتمتدح غداً، وكل ذلك من اجل ان تقبض... ولكن ليس الحق عليك وانما الحق على الذين يقرأون مجلتك ايها المنافق).
ولم يشأ ان يختم رسالته بدون ان يطالبني بنشرها في (الصياد) عملاً بحرية النشر!
ولا ازال اذكر يوم هاجمت عهد المرحوم حسني الزعيم كيف انهالت عليّ الرسائل المغفلة في البريد وكلها شتائم ولعنات تنصب على رأسي انا الذي كنت اقبض من شكري القوتلي.
واقبض من الحكومات التي تعاقبت في عهده، وقد هالني ان ينقطع رزقي في عهد البطل حسني الزعيم، فرحت اهاجمه بالرغم من انه انقذ سورية من الاقطاعية واللصوصية والخيانة!
وحدث بعد ذلك ان ارسل حسني الزعيم من يحاول اغتيالي في وطني وعقر داري، فاستنجدت بالحكومة، ولما لم تنجدني تواريت... واخذت احرر مجلتي واواصل هجومي، وانا قابع تارة في منزلي، وتارة في (بارك اوتيل) ببرمانا... واخيراً انفرجت الأزمة بمجيء سكرتير حسني الزعيم وعديله واعني الصديق نذير قنصه - الى بيروت، وبعد السلام والكلام والذي منه قال: تفضل... ان دولة الزعيم يدعوك لزيارة الجبهة!
ولبيت الدعوة بعدما كتبت الوصية وودعت الاهل والخلان، فاذا بالمرحوم حسني الزعيم يستقبلني بلطف وبرحابة صدر، فحمدت الله وقررت ان (اهادن) الرجل فلا اقول فيه وفي عهده كلمة خير او شر... باعتبار اني اديت قسطي، وان انقاذ سورية من ديكتاتورية حسني الزعيم لا يطلب مني وحدي!
ولكن هذا الموقف لم يرق لبعض القراء المجاهدين... فاخذوا يمطرونني بسيل من رسائلهم وشتائمهم التي هي من نوع: لعنة الله عليك وعلى اصلك... ان سكوتك عن حسني الزعيم دليل على جبنك وخيانتك بل دليل على انك انسان نفعي لا يهمه الا ان يجعل من الصحافة وسيلة للمتاجرة والاستغلال!
أرأيت كم هي تعسة حياة الصحفي في هذه البلاد?!
يُشتم اذا هاجم، ويُشتم اذا هادن، بل يُشتم اذا خطر له ان يشتري حياته وحياة اسرته بالسكوت، ولا شيء غير السكوت! وبالأمس، عندما بدأت اكتب سلسلة مقالاتي عن العهد الماضي، اخذ البريد يحمل اليّ في كل يوم عدداً من الرسائل المغفلة، وقد شتمت في بعضها لأني ادافع عن بشارة الخوري... وُشتمت في البعض الآخر لأني اهاجمه واهاجم افراد اسرته... ولعل اطرف ما جاء في احدى هذه الرسائل قول (طالب حقوق):
(لقد حيرتني يا رجل... انك لا تكاد ترفع بشارة الخوري الى القمة حتى تهوي به الى الحضيض... فاتق الله وقل لنا ما حقيقة الرئيس السابق، هل هو شيطان فنكفر به، ام قديس، فنشاركك في عبادته?).
وخطر لي، عند اطلاعي على هذه الرسالة، ان اجيب صاحبها بقولي: اني لا أملك حق تصنيف الناس، وكل ما املك هو ذكر الحقائق، فاذا اتضح منها ان بشارة الخوري شيطان فهو كذلك... او اتّضح انه قديس فطوبى له! اجل، لقد خطر لي ان اجيبه بهذه العبارة، ولكن خشيت ان اتلقى منه شتيمة جديدة. فرأيت ان اطوي الرسالة، ثم اعود فانشرها اليوم وليكن ما يكون!
هذه (مسطرة) من رسائل بعض القرّاء وشتائمهم، وقد حرصت على نشرها حتى اقيم التوازن بينها وبين ما نشر في الاعداد الأخيرة من رسائل الثناء والاطراء بمناسبة صدور كتابي (جعبة الصياد).
ان الثناء جميل، ولكن اجمل منه ان يكون الانسان ذكياً فلا يزعم ان جميع الناس يباركونه ويطرونه ويرشقونه بالورود! واحمد الله على اني املك الشجاعة الكافية لأن اقول: ان الذين يرشقونني بالحصى والحجارة والاقذار كثيرون، ولكنهم ليسوا اكثر من راشقي الورود... وفي هذا عزاء!! جريدة الانوار اللبنانية