إسرائيل تطلب التعامل مع اليهود وليس مع إسرائيل د. جلال فاخوري تكونت الشخصية اليهودية ضمن واقع تاريخي محدد ومتعيّن مثلتهم عزلتهم عن الإندماج في المجتمعات من حولهم. ولذلك فهم لا ينظرون ان لهم خلاصا في الحياة إلاّ بإقامة دولة المال والتكنولوجيا والفكر اليهودي هو فكر تقليدي يستند إلى مفاهيم توراتية لا علاقة لها بإقامة دولة إسرائيل التي تستمد قوتها من المفاهيم إياها. فالمفاهيم اليهودية دينية لا سياسية وإسرائيل سياسية علمانية يخالطها التديّن أي أن الفكر اليهودي فكر أيديولوجي بينما الفكر الإسرائيلي فكر له سياساته ومرتكزاته والفكر اليهودي يرى في الأرض عودة إلى وعد أرض الميعاد ولذلك فالتمسك بالأرض هو أساس لا بدّ من المحافظة عليه في حين أن إسرائيل وتبعاً للسياسة فهي تطور فكرها حسب واقعها أمّا إسرائيل فهي شخصية اعتيادية مرتبطة بقيام الدولة وبناء مؤسساتها واستقلال دولتها عن العالم. ولذلك لعب الواقع السياسي خلال القرن العشرين دوراً بارزاً ورئيساً في تكوين الهوية الإسرائيلية. فحين كان الإضطهاد النازي مؤثراً على اليهود لم يكن هذا موجهاً لإسرائيل بل إلى اليهود. ولقد عزز الاضطهاد النازي لليهود فكرة اليهود عن أنهم أرقى الشعوب وأنقاها ولما قامت الدولة اليهودية لم يتغير واقع اليهود انهم يهود بل أن قيام الدولة ككيان يهودي عزز وأطلق العنان لإسم الدولة الإسرائيلية كون إسرائيل هو أحد أبناء يعقوب. وكتب الضابط اليهودي توماس فيتويش سنة 1919 كتابا بعنوان (فلسطين اليهود ، الماضي و الحاضر و المستقبل) وحين قامت الدولة اليهودية وأطلقوا عليها إسرائيل كان اليهود يتعاملون مع الغير بإسم دولة إسرائيل كتجسيد لدولة اليهود وكان مناحيم بيغن حين يسأل هل باعتقاده أن اليهود هم أصحاب إسرائيل الكبرى؟ كان يقول نعم لكي لا تمر الحدود من داخل حدود اليهودية، نخلص من هذا أن إسرائيل هي دولة الحدود والسياسة والتعامل و ليس اليهود. إن الطلب الإسرائيلي من العرب التعامل معهم كيهود هو طلب متناقض مع مفهوم اليهودية والإسرائيلية ومتناقض مع العلمانية التي تدّعيها إسرائيل، فالطلب يعود بأساسه إلى أن المفهوم اليهودي يقوم على نقاء العنصر اليهودي أي أن لا يكون فيه شوائب من العرق العربي واليهودية أساساً لا تحتمل عنصرا بين عناصر تكوينها غير العنصر اليهودي و لكون اليهود مفهوما دينيا فهو متناقض مع العلمانية التي تسلكها إسرائيل في قبولها لغير العنصر العربي أي بعبارة بسيطة إن هناك تناقضا بين المفهوم اليهودي والمفهوم الإسرائيلي هذا إذا صرفنا النظر عن موضوع أوصفة العلمانية واليهودية إذا قبلت السلام فإسرائيل لا تقبله لكونه يتناقض مع أساس الدولة وما بين اليهودية كمفهوم ديني وبين الدولة كمفهوم سياسي فرق واضح. واليهود في منشئهم لم يكونوا إسرائيليين بل يهودا فقيام الدولة لا يمنحهم حق الطلب بالتعامل مع اليهود بعد قيام الدولة. ثمة أمر آخر لا يقل أهمية عن سابقه وهو أن التناقض الحاصل بين كونهم أصحاب رسالة دينية وكونهم يعملون بالسياسة يناقض طلبهم في اعتبارهم كيانا قوميا ليس لكونهم غاصبين أو محتلين للأرض بل لأن الكيان القومي يقوم أساساً على عناصر لا علاقة بهما ولا يملكون حتى بعضها، والطلب الإسرائيلي من العرب التعامل معهم كيهود يفقدهم حقا في كونهم كيانا قوميا، فهم لا يعون قيمة الطلب وتناقضه وعليه فالسياسة الإيجابية التي يتعامل بها العرب مع إسرائيل هي سياسة يقررها الواقع على الأرض أنهم دولة سياسية لا دينية كما يقولون. وإذا ما استثنينا ما يتضمنه هذا الطلب من تبعات سياسية فيصبح الطلب العربي من إسرائيل الرحيل عن الأرض المحتلة طلباً مستوجباً بعيداً عن السياسة كونهم كذلك وإذا ما إصرّت إسرائيل على الطلب كونهم يهودا فإن المعادلة تصبح كالآتي: إذا كانوا يهودا فلا مجال لكونهم سياسيين وإذا كانوا سياسيين فلا مجال لطلبهم أنهم يهود فالمعادلة السياسية الدينية متناقضة أساساً. عن صحيفة الرأي الاردنية 12/12/2007