وزير التربية والتعليم: ربط البحث العلمى بالقطاع الخاص ضرورة ملحة لمواجهة نقص التمويل    وزير البترول: حفر 77 بئرًا استكشافيًا وتوقيع 7 اتفاقيات خلال 2024    الرئيس الروسى يعلن اعتماد «إعلان قازان» الختامى لقمة «بريكس»    كولر: الإدارة لم تناقش موقفي مع الأهلي.. وسنفوز بهذه الطريقة فقط    برج العرب يستضيف مباريات المصري مع الأهلي والزمالك والإسماعيلي    «الداخلية»: القبض على 6 متهمين بغسل 150 مليون جنيه من الاتجار بالدولار    طارق الشناوي عن إلغاء فيلم آخر المعجزات بمهرجان الجونة السينمائي: أنتظر أن تراجع الرقابة موقفها    ثقافة الجيزة ينظم لقاءات تثقيفية متنوعة احتفالا بتعامد الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني    توقيع الكشف الطبي على 239 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الفيوم في قرية الغرق    الحكومة توافق على مشروع قانون بتنظيم المراكز الطبية المتخصصة    ما حكم عدة المرأة التي مات عنها زوجها قبل الدخول؟ .. المفتى نظير عياد يجيب    مجانا ودون اشتراك.. شاهد مباراة برشلونة وبايرن ميونخ اليوم دون تقطيع بث مباشر - دوري أبطال أوروبا 2024    مهرجان القاهرة السينمائي ينظم ورشة للتمثيل مع مروة جبريل    بث مباشر.. مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء عقب الاجتماع الأسبوعي للحكومة    محافظ البحيرة تتفقد عددا من المدارس لمتابعة سير العملية التعليمية| صور    لتغيبه عن العمل.. محافظ البحيرة تقرر إقالة مدير الوحدة الصحية بقرية ديبونو    أحمق يقسم البلد.. ترامب يهاجم أوباما بعد عقد الأخير حملة انتخابية لدعم هاريس    كوريا الشمالية تؤكد على تعزيز قدرات الردع في مواجهة التهديدات النووية    ضمن مبادرة بداية.. مياه الغربية تواصل تقديم الأنشطة الخدمية    التأمين الصحي على الطلاب وإنشاء 8 جامعات.. قرارات وزير التعليم في مجلس الجامعات الأهلية    وزيرة التضامن تشارك في جلسة رفيعة المستوى حول برنامج «نورة»    كوكو حارس سيراميكا: مباراة بيراميدز ليست سهلة وسنلعب للفوز ببرونزية السوبر    وزير الصحة يُدير جلسة حوارية حول العمر الصحي لكبار السن    بعد إعلان المسموح لهم دخول الامتحان.. خريطة المواد الدراسية للثانوية العامة    السجن عام مع إيقاف التنفيذ لسائق بتهمة التعدي على أرض آثار بقنا    تحرير 1372 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    مصرع مسن في حادث سير بطريق مطار الغردقة    مصرع شخص وإصابة 5 في انقلاب تروسيكل بمصرف مياه ببني سويف    وزير الإنتاج الحربي: خطوات جادة لتحديث خطوط الإنتاج والمعدات    «جولدمان ساكس» يتوقع استقرار أسعار النفط عند 76 دولاراً للبرميل في 2025    وزير الصحة: وصول عدد خدمات مبادرة «بداية» منذ انطلاقها ل62.7 مليون خدمة    برغم القانون.. الحلقة 29 تكشف سر والدة ياسر والسبب في اختفائها    صلاح السعدني.. صدفة منحته لقب «عمدة الدراما»    هاني عادل ضيف «واحد من الناس» على قناة «الحياة»    العد التنازلي لإسدال الستار على الدورة ال 32 لمهرجان الموسيقي العربية.. حفلات طربية كاملة العدد وفرص هامة لمطربي الأوبرا.. مي فاروق تختتم الفعاليات غدًا ونفاد تذاكر الحفل.. ظهور مميز لأطفال مركز تنمية المواهب    منها برج العقرب والحوت والسرطان.. الأبراج الأكثر حظًا في شهر نوفمبر 2024    الضرائب: استجابة سريعة لتذليل عقبات مؤسسات المجتمع المدني    «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا».. موضوع خطبة الجمعة القادمة    الشكاوى الحكومية: نتلقى 13 ألف مكالمة يوميًا    رئيس جنوب أفريقيا يطالب بتنفيذ وقف فورى وعاجل لإطلاق النار فى قطاع غزة    في اليوم العالمي للروماتيزم، أهم أعراض المرض وطرق اكتشافه    للتخلص من التخمة قبل النوم.. مشروب الزنجبيل بالليمون الحل    إزالة 148 حالة تعد على أملاك الدولة والأراضي الزراعية بسوهاج    السجن 3 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لتاجر مخدرات في قنا    لماذا العمل والعبادة طالما أن دخول الجنة برحمة الله؟.. هكذا رد أمين الفتوى    منها انشقاق القمر.. على جمعة يرصد 3 شواهد من محبة الكائنات لسيدنا النبي    «الإفتاء» توضح حكم الكلام أثناء الوضوء.. هل يبطله أم لا؟    مسؤول أمريكي: بلينكن سيلتقي وزراء خارجية دول عربية في لندن الجمعة لبحث الوضع في غزة ولبنان    التعليم تعلن تفاصيل امتحان العلوم لشهر أكتوبر.. 11 سؤالًا في 50 دقيقة    السعودية تجهز لقمة عربية إسلامية تستهدف وقف الحرب الإسرائيلية على غزة    إعادة تأهيل 60 منزلا في قريتي الروضة 45 والوفاء والأمل بالإسكندرية    نجاح عملية جراحية لاستئصال خراج بالمخ في مستشفى بلطيم التخصصي    الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان وتدعو لوقف القتال    موعد إعلان حكام مباراة الأهلي والزمالك في السوبر المصري.. إبراهيم نور الدين يكشف    محافظ الغربية يكرم بسملة أبو النني الفائزة بذهبية بطولة العالم في الكاراتيه    «ماذا تفعل لو أخوك خد مكانك؟».. رد مفاجيء من الحضري على سؤال ميدو    الخطوط الجوية التركية تلغى جميع رحلاتها من وإلى إيران    ملخص أهداف مباراة ريال مدريد ضد بروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سورية.. وإنهاء الاستبداد / نبيل شبيب
نشر في محيط يوم 28 - 08 - 2011

معطيات الانتقال بالثورة إلى المرحلة التالية ومخاطر عرقلته
سورية.. وإنهاء الاستبداد


* نبيل شبيب

لم يعد السؤال الجوهري المطروح في قضية سورية: هل تحقق الثورة الشعبية أهدافها أم لا تحقق، بل هو: كيف ومتى؟..

إن التضحيات البطولية الشعبية تجيب بصورة قاطعة حاسمة على ما يمارس النظام من قمع همجي، مستميتا بتأثيرِ وهمِ القدرة على البقاء فوق الأشلاء والدمار"..

إنّما ينبغي التركيز أيضا على السؤال، حول ما تصنعه القوى والأطراف الوطنية المختلفة، في جوابها على محاولات النظام المستميتة، أن يدفع بعضها لسلوك طرق منفصلة عن الآخرين.

ليبقى له مكان السيطرة على الجميع في نهاية المطاف، وإن قدّم بعض المغريات لها على حساب سواها، والأهم: على حساب الإرادة الشعبية الحرة الجماعية، غير القابلة للمساومة والتجزئة.

كثرة المبادرات والمؤتمرات

تعدّدت المؤتمرات والمبادرات والدعوات إلى مزيد من المؤتمرات والمبادرات، وجميعها تحت عناوين متشابهة، ومحورها الذي يؤكّده الجميع من الناحية الرسمية هو: دعم الثورة الشعبية لتحقيق أهدافها المشروعة.

وفي هذا إقرار واضح بأن أصحاب جميع هذه الأنشطة يؤكّدون أنّهم "أطراف تدعم" وأن الشعب هو "القوة الفاعلة الحاسمة".

ولكن كما يتبدل المكان الذي تصدر عنه المؤتمرات أو تنعقد فيه أو يراد أن تنعقد فيه، تتبدل صياغة المبادرات نفسها والمشاركين فيها. في هذا الإطار..

وفي هذه المرحلة على وجه التحديد، يجب أن يعلم جميع الأطراف دون استثناء:

1- أن الشعب الذي صنع ثورة بطولية تاريخية يقدّم فيها من التضحيات ما يفوق الوصف، واستطاع بوعيه وثباته وصموده ووحدته أن يواجه أفجر ممارسات القمع وسط ظروف ومعطيات محلية وعربية وإقليمية ودولية معروفة.

يتمتع بدرجة عالية من الوعي وحساسية فائقة للتمييز، فهو قادر أيضا على المتابعة الواعية لما يجري وما يُطرح ومَن يطرح، على صعيد ما يعرف بالمعارضة التقليدية أو الناشطين أو الحقوقيين وغير ذلك.

2- أنّ صانعي الثورة من قلب شعب سورية يقرؤون ويفهمون ما تعنيه كل عبارة من العبارات في تلك المبادرات، ويشهدون ويفسّرون كل خطوة من الخطوات تصدر عن طرف من الأطراف.

وهم من خلال ثقة الشعب وإرادته وعطائه البطولي المخوّلون بقبول ما يعبّر عن إرادة الشعب الثائر، وكذلك برفض ما لا يضمن ذلك، سيّان عمّن يصدر وكيف يصدر..

3- أنّ أهم الضمانات في هذه المرحلة بالذات هو أن يتوافر في كل مبادرة أو مؤتمر أو خطوة من الخطوات شرط لا غنى عنه: الأولوية لوحدة الأهداف الأساسية والمطالب الفورية، انطلاقا من التزام الجميع بالإرادة الشعبية والمصلحة المشتركة العليا.


الإقصاء يساوي الاستبداد

هذا شرط جوهري لا يتحقق دون تجنّب أي صورة من صور إقصاء الآخر، الذي يُفترض أنّه لم يعد في حاجة إلى بحث وتفصيل:

1- إنّ العمود الفقري لكل شكل من أشكال الاستبداد، هو إقصاء الآخر فكرا، وسياسة، وممارسة.. هكذا يبدأ دوما، كما بدأ عام 1963م في سورية، ثم تغوّل ممارسة حتى وصل إلى تشغيل آلة القمع المطلق.

حرمانا من إنسانية الإنسان عبر مصادرة الحقوق والحريات، واغتيالا للإنسان والوطن، عبر التقتيل والترويع والتشريد والاعتقال والتعذيب.. إذ وُلد الاستئصال من رحم الإقصاء، ضدّ الآخر: الغالبية العظمى من الشعب..

2- إنّ الثورة الشعبية في سورية انطلقت لإسقاط الاستبداد.. أي إسقاط "إقصاء الآخر" الذي نشأ النظام الاستبدادي الفاسد القمعي بنشأته، ومارس جرائمه معبّرا عنه..

3- إنّ إقصاء الآخر في المرحلة التي وصلت الثورة الشعبية إليها الآن، يضعف جميع أطراف المعارضة التقليدية معا، بمن فيها من يمارس الإقصاء، وإن بقيت الثورة على قوّتها المستمدة من الشعب وليس من معارضين..

4- إنّ ممارسة إقصاء الآخر انطلاقا من موقع من مواقع المعارضة، أحزابا وأفرادا وجماعات، يقطع حبل الانتساب إلى الثورة الشعبية إذ يوهن العلاقة بين مَن يمارس الإقصاء وبين الشعب الثائر..

5- إنّ توظيف إقصاء الآخر من المعارضة التقليدية، وسيلة للتفاهم على حلول وسطية مع النظام الاستبدادي، بدعوى خدمة ثورة الشعب، يعني ممارسة ما يمارس الاستبداد نفسه من إقصاء.

ويصبح مَن يصنع ذلك جزءا من "مضمون" الاستبداد الذي يثور الشعب لإسقاطه، حتى وإن لم يكن جزءا من بنيته الهيكلية..

6- لن يستقرّ أي وضع من الأوضاع في سورية بعد الاستبداد الفاسد الحالي، إذا تسرّبت إليه ألغام الصراع القديم على أرضية أهمِّ عناصره: إقصاء الآخر.

فلن يكون آنذاك سوى استبداد بديل بلباس آخر، ولن يكون للاستبداد استقرار في سورية بعد هذه الثورة الشعبية البطولية التاريخية..

7- كلّ ممارسة لإقصاء الآخر، هي مشاركة مباشرة في إضعاف روح الوحدة الوطنية، وإن رُفعت شعارا وأعلنت هدفا، فإقصاء الآخر هو النقيض اللغوي والنقيض الواقعي التطبيقي للوحدة الوطنية.

التي لا تتحقق بالكلام عنها بل عبر الممارسة على أرض الواقع، في كل وقت وحين، ناهيك عن اللحظة التاريخية الحاسمة في مسار الثورة الشعبية نحو النصر بإذن الله.


الشعب سيد نفسه وسيد التعددية

المفروض بجميع من يتحرّك بمبادرات ومؤتمرات وسوى ذلك من سبل التحرك، أنهم يدركون وفق ما سبق أنّ مصداقية ارتباط أيّ تحرّك بالثورة الشعبية في سورية رهن بتوافر عدد من الشروط الأساسية هي في منزلة واجباتٍ وطنية مطلقة، وعلى رأسها:

الالتزام بمبادئ وقواعد مشتركة في العمل على أرضية مشتركة تحقق النقلة التاريخية المشتركة -التي فرضتها الثورة الشعبية الجامعة .

وليس جهود أطياف المعارضة التقليدية- من واقع الاستبداد إلى واقع وطني مشترك يسع الجميع، من خلال التوافق على قواسم مشتركة مستمّدة من الإرادة الشعبية والمصلحة العليا.

هذا ما تعبر عنه الإرادة الشعبية الثائرة في سورية.. والشعب سيد نفسه، يسع الجميع بوحدته، ولا يسعه فريق بمفرده يقصي سواه، وإن تحدّث باسم الشعب.

لقد صنع الشعب ثورته.. فصنع الحدث التاريخي، فهل تصنع قوى المعارضة التقليدية، أحزابا وأفرادا وجماعات، داخل الحدود وخارجها، ثورتها على واقعها، لتصبح جزءا من الحدث التاريخي، ولا تكون عقبة على طريق الشعب في صناعته؟..

هذا ما يجيب عليه التعامل الآن مع عدد من الحقائق الأساسية، وفي مقدمتها:

1- لا يوجد في التعددية بحد ذاتها عيب، فهي مرآة طبيعية ومنطقية لواقع شعبي وتاريخي، إنّما يمكن أن يتحوّل بعض مَن يمثلون التعدّدية إلى ألغام على طريق الثورة، ما لم يتمكّنوا.. الآن.. في اللحظة التاريخية التي وضعهم الشعب فيها أمام مسؤولية جليلة جسيمة.

من معالجة جانبٍ خطير -كالورم الخبيث- لا يتجسّد في مجرّد "التعدّد" المقبول، بل يتعدّاه إلى صور موروثة عديدة من صور الإقصاء والعداء والصراع، على محاورِ تعدّدِ المسمّيات والجهات والاتجاهات، فيغيّب الحدّ الضروري من التنسيق الواجب، ناهيك عن التنظيم والتخطيط المشترك..

2- ليس مجهولا أنّ جزءا كبيرا من المسؤولية عن هذا الواقع السلبي يقع على الاستبداد وأفاعيله خلال العقود الماضية، بتغييب فعاليّة المعارضة داخليا عبر تقييدها في "المعتقلات" وفي "القنوات السياسية المسموحة" وتشريدها خارج الحدود، مع العمل المباشر لزرع الفتن والخلافات والعصبيات على كل صعيد وبكل وسيلة..

3- وليس مجهولا أيضا أن قسطا آخر من هذا الواقع السلبي ناجم مباشرة عن سياسات بعض أطراف المعارضة التقليدية ورؤاهم وممارساتهم، هم أنفسهم.

وهذا القسط هو ما تحمّلهم الثورة الشعبية البطولية الآن المسؤولية عن العمل من أجل ألاّ يجعلوه كالعصي في عجلة مجرى التاريخ..

ومن المؤكد أن العصي سوف تتكسر ويرحل معها من يضعها، وتستمرّ عجلة التاريخ بالدوران حتى تحقق الثورة الشعبية أهدافها الجليلة المشروعة.

4- لا تحمل المعارضة التقليدية هذه المسؤولية للثورة على نفسها، دون الإدراك الحقيقي لا الكلامي، أنّها -أحزابا وجماعات وأفرادا- لم تصنع الثورة، مهما قيل بحق إنّها صنعت الكثير من صيغ مواجهة الاستبداد من قبل.

ولكن الثورة الشعبية الجامعة هي التي ستصنع بشكل طبيعي "الحكم والمعارضة" القويمين في مخاض أحداثها وحصيلة نتائجها.

لقد انطلقت الثورة جوابا تاريخيا محتما على هوّة خطيرة صنعها الاستبداد بينه وبين الشعب في سورية، في جانب منها: البغي والفساد والتسلّط والاستعباد، وفي جانب آخر: المعاناة بجميع تجلّياتها.

ولئن أرادت قوى المعارضة التقليدية أن تكون جزءا من المستقبل وليس من الماضي، وعاملا حاسما في عملية الانتقال من مرحلة الثورة المتواصلة لإسقاط النظام، إلى مرحلة الإعداد لِما بعد سقوطه.. أو إسقاطه.

فلا بد أن تتجاوز هي الهوّة الفاصلة الخطيرة الثانية، بين الواقع الشعبي الذي يصنع ثورته ويقودها، وواقع المعارضة التقليدية التي لا تزال تتحرّك بخطوات ثقيلة.

بين ماضٍ لم يعد يجدي التشبّث به، ومستقبل ترجوه، ويفرض عليها الوصولُ إليه أن تنفّذ في الوقت المناسب، أثناء الثورة، عددا من الأمور:

1- تثبيت ما يجري تأكيده باستمرار وهو أن الثورة انطلقت شعبيا، ولها تنسيقياتها الشعبية الداخلية الفاعلة

2- تثبيت عدد من المبادئ والقواعد العملية للتلاقي على أرضية مشتركة للتحرك الفعال

3- تثبيت أن هذه أرضية الجميع لتسع الجميع ممّن يوصفون بالمعارضة في الداخل والخارج

4- تحديد آليات التحرك الفعال المطلوب وطرق تفعيلها

5- الالتزام إلى أقصى درجة ممكنة (فالكمال المطلق مستحيل وليس شرطا للنجاح على كل حال) بالمبادئ والقواعد وآليات التحرك.. وكذلك بالنتائج المتحققة، مرحلة بعد أخرى.


تساؤلات ملحّة

يبقى التساؤل: من يصنع ذلك أو من يبادر إلى جمع الشمل عليه؟..

هل يمكن أن يصدر عن مؤتمر ما في اسطنبول، أو أنطالية، أو بروكسل، أو في دمشق؟..

هل يمكن صنع ذلك رغم الاستحالة الموضوعية لجمع جميع من يمثل سائر الأطراف والقوى، في الداخل والخارج، دفعة واحدة، مع ضمان التحرّك معا على طريق دعم الثورة ومن يصنعها في الداخل، وليس على طريق وصاية أو ترشيد أو توجيه أو ما شابه ذلك من المسمّيات؟..

لا بدّ من التمهيد "السريع" لأي خطوة جادّة وفاعلة على هذا الطريق.

لقد كان من الملاحظ في مواكبة الثورة ومسارها البطولي، صدور مواقف أو خطوات، النسبة الأعظم منها -ولا نقول جميعها- تتحرّك بين حدّين: "الممكن حسب وضع صاحبها..

والمطلوب وفق أهداف الثورة الجليلة".. إنّما كان من الملاحَظ أيضا أن مواكبة هذه المواقف والخطوات اقترنت بمراعاة مقولات وتصنيفات عديدة متباينة ولكنها تلتقي على قاسم مشترك وهو أنّها من إنتاج حقبة الاستبداد الطويلة.. وليس من روح الثورة الشعبية والمستقبل الذي بدأت تصنعه، وعلى سبيل المثال:

1- تُصنّف المواقف الصادرة عن شخصية معتبرة مثل عارف دليلة، على أنّها ذات قوة ودلالة كبيرتين.. لأنّه ينتمي إلى الطائفة العلوية من السوريين!..

في هذا الموقف -بغض النظر عن النوايا- ما يدعم بصورة غير مباشرة ما سبق أن صنعه النظام الاستبدادي من تصنيفات تفرّق بين شعب سورية الواحد..

كلا: إن مواقف عارف دليلة ذات قوة وتأثير لأنها تعبر عن مواقف وطنية سورية جامعة، بمنظور الشعب، وليس بسبب أي انتماء.

والمهم: على افتراض أنّ مواقفه وممارساته انحرفت بمنظور الشعب عن هذا المحور: الوطني السوري الجامع، فسيفقد مصداقيته شعبيا، بغض النظر عن موقف أطراف أخرى من المعارضة التقليدية إزاءه.

2- تصدر عن الناشطة السورية المتميزة سهير الأتاسي مواقف وطنية متقدّمة على ما سواها، فتصنّف ردود أفعال بعض أصحاب التوجّه الإسلامي مواقفها على أنّها نقطة التقاء مشتركة مع العلمانيين..

كلا: إن مواقف سهير الأتاسي نقطة التقاء مشتركة لأنها تعبر عن مواقف وطنية سورية جامعة، وليس بسبب ما تتبنّاه من رؤى علمانية..

والمهم: على افتراض أنّ مواقفها وممارساتها انحرفت بمنظور الشعب عن هذا المحور: الوطني السوري الجامع، فستفقد مصداقيتها شعبيا، بغضّ النظر عن موقف أطراف أخرى من المعارضة التقليدية إزاءها.

3- تصدر عن بعض أصحاب التوجه الإسلامي كالإخوان المسلمين في الخارج مواقف وطنية تتحدّث عن الديمقراطية والدولة المدنية وتداول السلطة وما شابه ذلك.

فيدور الحديث التصنيفي عن ذلك عبر السؤال التشكيكي ما إذا كان ثوار الداخل يتقبلونها رغم التعرّض لشبهة الانتماء المحظور إلى الإخوان المسلمين..

كلا: معيار الحكم على مواقف الإخوان المسلمين هو معيار كونهم جماعة من الجماعات واتجاه من الاتجاهات على أرضية الوطن السوري الجامع وليس معيار تصنيف الحكم الاستبدادي المرفوض بصددهم..

والمهم: على افتراض أنّ مواقفهم وممارساتهم انحرفت بمنظور الشعب عن هذا المحور: الوطني السوري الجامع، فسيفقدون مصداقيتهم شعبيا، بغضّ النظر عن موقف أطراف أخرى من المعارضة التقليدية إزاءهم.

4- تصدر في الداخل السوري مواقف ما كالدعوة إلى مؤتمر إنقاذ، تليها دعوة إلى مؤتمر وطني، وتتخلّلها دعوات انتقائية من جانب النظام القائم إلى حوار، أو تصريحات ما تصدر عن أحزاب تشكلت سابقا في نطاق "قناة ضيّقة للتظاهر بالديمقراطية" سابقا..

كما يصدر في الخارج بيان عن مؤتمر من المؤتمرات كمؤتمر بروكسل أو أنطالية من قبل، مع الإقرار بأن المرجعية هي الثورة في الداخل، فيتعرض جميع ذلك لتصنيف ما، بصيغة ما، ترحّب أو تشكّك، ويصبح موضع أخذ وردّ، تأييدا أو نقدا أو إهمالا أو رفضا..

كلا: العامل الحاسم هو أن جميع ذلك موضع الرصد من جانب الشعب الثائر، وهو سيّد نفسه.. وقادر على التمييز بين الغث والسمين، والصادر عن إرادة الشعب والصادر عن رؤى ذاتية لا تراعي إرادة الشعب.

والمهم: من حق أي مجموعة أفراد أو جماعات أو تنظيمات أن تعقد مؤتمرا وتطرح رؤى، ولكن باعتبارها رافدا وليس باعتبارها وصية على الرؤية الوطنية السورية الجامعة.

فلا تُقبل أو ترفض من منطلق شكليات اللقاء بل يؤخذ بما تطرحه بمقدار ما يكون جزءا طبيعيا من الرؤية الوطنية السورية الجامعة.

والأهمّ من ذلك كلّه ألا تنفرد مجموعة أو فرد أو مؤتمر بادّعاء تمثيل الثورة الشعبية وتُقدم على خطوات وإن وصفتْها بجسّ النبض مثلا، في اتجاه تمكين النظام من البقاء ببعض الترقيعات والرتوش، فالشعب يريد إسقاط النظام، والشعب سيد نفسه..

ولا سيادة لأي طرف من الأطراف عليه. وهنا لا يكفي القول مثلا، إنّ من يتحرّك في الداخل (ناهيك عمّن يتحرّك في الخارج) يتحرّك رغم القيود، فلا يُطالَب إلاّ بما يقدر على عطائه.

فالجواب هو مطالبته ألاّ يتحرّك باسم الثورة الشعبية إلا عندما يكون قادرا على التحرّك، بمعيار أنّها كسرت تلك القيود بالذات، ولم يعد يوجد مجال للقبول بموقف أو مبادرة أو حل وسطي أو سوى ذلك ما دام "متناقضا" مع معايير الثورة، أي المطالب الوطنية المشتركة الجامعة.


رموز شعبية كبرى

كيف يمكن وسط هذه المعطيات جميعا، استشراف ما يمكن صنعه الآن.. للمضيّ بمتغيّرات الواقع في الاتجاه الصحيح.

وراء جميع ما يجري تعداده أو تصنيفه من قوى الثورة في الداخل ومن قوى المعارضة في الداخل والخارج، مع شمولها -بسبب الحالة المتميزة للقمع الاستبدادي الطويل في سورية- للأفراد من ناشطين ومعارضين وحقوقيين، وليس للتنظيمات فقط.

نجد في الواقع السوري، داخل الحدود وخارجها، رموزا قيادية شعبية، لم تصنعها مواقعها في المعارضة بالضرورة، بل صنعها ثباتها على الأرضية الوطنية المشتركة وما تمليه من مواقف علنية قويمة، وحصولها تبعا لذلك على قدر كبير معروف لجميع الأطراف من الثقة الشعبية بوطنيتها وكفاءتها ونزاهتها، وكذلك بعدم تطلّعها للسلطة قديما.. ولا الآن.

هذه الرموز مرشحة في المرحلة الراهنة ما بين اقتراب الثورة الشعبية البطولية من تحقيق هدفها الأول، وبين مرحلة الإعداد لِما بعد تحقيقه..

أن تكون محاور يلتقي الجميع عليها، من داخل الحدود وخارجها.. ولا يراد هنا ذكر أسماء بعينها، فيما يتعدّى حدود مثال معروف من الداخل: هيثم المالح، ومثال معروف من الخارج: عصام العطار.

لا يعني الالتقاء على هذه المحاور أو القواسم المشتركة أن ينعقد مؤتمر أو ينشأ تنظيم، يشمل الجميع.. وتقوده الرموز، فليس هذا ما يمثل -على أرضية الحدث ومجراه- خطوة عملية ضرورية.

بل قد لا يصحّ التحرك في هذا الاتجاه أصلا، كما لو كان ردّا على مقولات تصدر عن النظام القائم، من باب "التعجيز والإنكار" وليس من باب "طلب الحوار" في صيغة سؤال: أين هي المعارضة وأين مطالبها؟.. أو في صيغة دعائية دون مضمون أو هدف كريم: فليحضروا إلى الحوار تحت سقف الوطن!..

المقصود بالالتقاء على هذه المحاور والقواسم مع الرموز الشعبية هو:

إعلان جميع الأطراف في الداخل والخارج التزامها بما يصدر عنها من مطالب وطنية مشتركة، وتفويضها هي بالتعبير عما يتم بلورته وصياغته وكذلك تصنيف ما يعتبر منه شروطا لأي حوار، أو سبلا بديلة عن الحوار لتحقيق هدف الثورة الشعبية.

وعلى رأس الشروط الموضوعية من وراء ذلك:

الأصل الجامع للقواسم المشتركة الآن، هو التعددية المتحررة المتعايشة تحت سقف الوطن الحر في إطار سيادة الشعب على نفسه، دون إقصاء طرف من الأطراف.

إن اغتيال هذا الأصل كان في مقدمة أسباب الثورة الشعبية البطولية على حكم الفرد الاستبدادي وحكم الحزب الاستبدادي.

ولهذا.. أصبح عو المعيار لمصداقية الانتساب إلى الثورة الآن، مع إدراك أنّ هذه التعددية كانت قائمة قبل الاستبداد، وهي أهم شروط المصداقية في الفترة الانتقالية التمهيدية لما بعد الاستبداد، وكما أنها في مقدمة ما ينبغي استرداده ليتحقق استرداد الوطن.. من خلال نهاية الاستبداد.


خطورة اللحظة الراهنة

ليس التحرك المطلوب الآن مع رموز شعبية معروفة متأخرا ولا مبكرا، بل يأتي في موعده، أو ينبغي أن يكون الآن كيلا يصبح متأخرا.

أصبح في حكم المتوافق عليه:

أنّ انطلاق الثورة كما انطلقت، هو الذي أعطاها صفة الثورة الشعبية الجامعة..

وأنّ مسارها خلال أكثر من ثلاثة شهور مضت، هو الذي أعطاها صفة السلمية البطولية..

وأنّ السلوك القمعي المتصاعد من جانب النظام الاستبدادي القائم هو الذي أوصله إلى عزلة داخلية وخارجية وبالتالي إلى حتمية التغيير الجذري وليس الإصلاح الترقيعي أو المتدرّج..

ولكن نرصد من وراء ذلك: أنّ اللحظة الراهنة بالمعطيات الحالية في مسار الثورة الشعبية والتعامل معها تنطوي على:

1- خطورة استمرار التصعيد القمعي الهمجي بما يفتح ثغرة بالغة الخطورة لتدخل خارجي بصورة من الصور، بالقوة العسكرية أو الملاحقة الجنائية الدولية، أو المقاطعة والحصار، وجميع ذلك يصيب بمخاطره سورية وطنا وشعبا وحكما، ووضعا داخليا ودورا إقليميا ومكانة دولية.. ولهذا:

كل من يرفض هذا التدخل المحتمل، لا بد أن يعمل على الحيلولة دون أن يستمر النظام في التصعيد القمعي الذي يمارسه حتى الآن، ودون تأخير مسار الثورة عبر حلول وسطية لا يمكن أن تستقر.

فالنظام نفسه يدرك -على سبيل الافتراض- أن إخماد الثورة الشعبية الشاملة البطولية بات مستحيلا، وهو ما يحذر منه العقلاء بغض النظر عن مواقعهم، عندما يتحدثون عن وصول الثورة إلى مرحلة اللاعودة.

2- خطورة تصعيد نوعي للقمع الهمجي، تعذيبا وتقتيلا وتدميرا واستخداما للأسلحة الثقيلة، وترويعا منظما وتشريدا للمدنيين الآمنين.

أن يؤدي ذلك في لحظة من اللحظات، إلى تحوّل بعض الجهات الشعبية في مسار الثورة السلمية البطولية إلى الأخذ بمبدأ الدفاع عن النفس، فتستغلّ الأجهزة القمعية ذلك وتدفع مسار الثورة في اتجاه لا تحمد عقباه، ليس على الشعب الأعزل فقط، بل على الحكم وأجهزته وعناصره أيضا.. ولهذا:

كل من يرفض هذا الانحراف المحتمل، لا بد أن يعمل على الحيلولة دون أن يستمر النظام في التصعيد القمعي الذي يمارسه حتى الآن، ودون تأخير مسار الثورة عبر حلول وسطية لا يمكن أن تستقر.

3- لقد ظهرت في نسيج النظام الاستبدادي القائم شروخ تتسع يوما بعد يوم، وقد ترى جهات معارضة في ذلك معالم "ترحّب بها" بشأن تساقط النظام من داخله.

كما هو الحال على صعيد الجيش الوطني خارج نطاق الكتائب (أو الميليشيات) المشكّلة والمعدّة ابتداءً للقمع الداخلي وإن تحركت تحت راية الجيش العسكرية، بل حتى في نطاق بعض الأجهزة "الأمنية".

بالإضافة إلى صفوف الحزب الحاكم نفسه، وحتى في الأجهزة الإعلامية.. إنّما يمكن أن تتطوّر هذه الشروخ وتتسارع فتؤدّي إلى صدامات داخل نطاق التركيبة البنيوية للحكم القائم، ولئن عجّل هذا في سقوطه.

فهو في الوقت نفسه مصدر خطر كبير على "كيان الدولة" وليس على "جهاز الحكم فقط" وعلى الوطن السوري عموما وليس على مكوّنات الاستبداد الفاسد فحسب، ولم تنشأ هذه الشروخ عن أي سبب آخر سوى "همجية القمع وتصعيده" ولهذا يجب التأكيد هنا أيضا:

كل من يخشى من مغبّة هذا التطوّر على نفسه داخل نطاق الحكم الاستبدادي أو على الوطن السوري ومستقبله، لا بد أن يعمل على الحيلولة دون أن يستمر النظام في التصعيد القمعي الذي يمارسه حتى الآن، ودون تأخير مسار الثورة عبر حلول وسطية لا يمكن أن تستقر.

ويمكن تعداد مزيد من الجوانب لبيان المخاطر الحالية المحيقة بمسار الثورة الشعبية في سورية، بما يشمل جميع الأطراف دون استثناء.

إنّما المهمّ هو ما تفرضه رؤية المخاطر، من التركيز على ضرورة التحرك "السريع والمدروس الواعي" الآن، في اتجاه الوصول بالثورة إلى غاياتها المشروعة، الشاملة للوطن وجميع مكوّناته، للمضيّ بمتغيّرات الواقع في الاتجاه الصحيح، مع تجنّب المضاعفات المحتملة إلى أقصى درجة ممكنة..

ولهذا لا يمكن التخلّي بحال من الأحوال عن الشرط المعلن لأي خطوة تالية، والذي يحمل النظام وحده المسؤولية عن تنفيذه الفوري:

وقف مسلسل القمع نهائيا، وتفكيك قيادات أجهزته، وتحرّر شامل لضحاياه من معتقلين ومشرّدين ومنفيين، والكفّ المطلق عن مصادرة حق الشعب وحريته في التعبير السلمي عمّا يريد حيث يريد ومتى يريد.

* كاتب عربي
صحيفة العرب نيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.