غباء × غباء: «هوجة التحرير» تصطدم ب بيان "العسكري"
*ماجد يحيى
"الجدع جدع والجبان جبان .. اصحى يا جدع قاعدين في الميدان" بتلك الهتافات أعلن معتصمو ميدان التحرير تمسكهم بالاعتصام ورفضهم لبيان المجلس العسكري رقم (69) الذي اتهم فيه حركة «6 أبريل» بالعمل على الوقيعة بين الجيش والشعب.
وهنا دار في ذهني تساؤلات وعلامات تعجب لا حصر لها، لعدم قدرتي على التمييز بين الجدع والجبان .. هل يُقصد بالجدع رواد التحرير، ويفهم أن الجبان من نام على فراشه ولم يشارك ثوار الميدان في اعتصامهم؟!!
لا ينكر - إلا جاحد – فضل اعتصامات ميدان التحرير في تحقيق الكثير من المطالب التي يصبو إلى تحقيقها الشعب المصري، فلولا اعتصامهم ما جرى تسريع محاكمة الفاسدين وقتلة الثوار، أو الحصول على وعد بوضع حد أدنى وأقصى للأجور.
إلى جانب حل المجالس المحلية، وتصفية الحكومة من الكثير من أذناب الحزب الوطني المنحل، وهيكلة جهاز الشرطة واستبعاد الكثير من الفاسدين والمتقاعسين منه.
لكن "سقطات التحرير" تلقفتها "بوتيكات الثورة" وعاشت على تضخيمها وتأجيج مشاعر المواطنين الذي يتشدق البعض بتسميتهم "الأغلبية الصامتة" ضد الثوار السلميين.
فمثلاً إذا ظهر بلطجي وسط الثوار، قال فريق "آسفين يا ريس" كل ميدان التحرير بلاطجة، وإذا هتفوا ضد المشير بصفته رئيس المجلس الأعلى القائم على تسيير أمور البلاد، قالوا "ولاد التحرير ينقلبون على الشرعية ويهاجمون الجيش" .
وينسون الفرق بين المجلس الاعلي العسكري الذي يدير البلاد بصفته وكيلا عن الشعب بموجب استفتاء التعديلات الدستورية التي جرت في 19 من مارس وبالتالي يحق انتقاده وتوجيه اللوم إليه اذا تقاعس عن تنفيذ مطالب الثوار وبين الجيش الذي يتولي الدفاع عن مصر والذي يحظي بثقة واحترام كل المصريين .
كما وقع المعتصمون في أخطاء فادحة – زادت الطين بله – أخطرها غلق مجمع التحرير لمدة ثلاثة أيام وتعطيل مصالح المواطنين بدون أدنى داعي، وهو الأمر الذي اعتبره الكثيرون خروجاً عن النهج السلمي للتظاهر.
وعلى الرغم من نفي ائتلافات الثورة مسؤوليتها عن إغلاق المجمع، إلا أن "الأغلبية الصامتة" لم تخفي سخطها وغضبها من ذلك التصرف المشين وأُلصق في ذهنها صورة مبتورة عن شباب ثورة 25 يناير المعتصمين في الميدان.
اللافت أن شاباً من التحرير - لا يتعدى عمره الخامسة والعشرين عاماً - قرأ بياناً فجاً وغير مرتب وممتلئ عن أخره بالأخطاء اللغوية والنحوية أمام إحدى القنوات الفضائية ليعلن العصيان المدني على الملأ ويؤكد استمرار غلق المجمع.
هذا المشهد استفزني إلى أبعد الحدود، كما استفز أغلب من شاهده أو سمع عنه، لعدة أسباب أهمها: كيف لهذا الشاب أن يعلن العصيان المدني منفرداً ويتحدث باسم الشعب وكأنه "نيلسون مانديلا" أيام شبابه؟!!
وهناك مشهد آخر لا يقل عن سابقه استفزازاً، وهو ظهور عشرات الشباب داخل محطة مترو أنفاق السادات "التحرير" وهم يرددون هتافات تنادي بإسقاط النظام.
وهو ما أثار غضب رواد المترو الذين حاول بعضهم التعدي على أولئك الشباب لما رأوه من محاولات لتعطيل مصالحهم وإشاعة الفوضى بين المواطنين.
أقول إن الاعتصام وسيلة مشروعة طالما استهدف تحقيق مطالب مشروعة لأبناء هذا الوطن، ولكن يجب ألا يقترن ب"الغباء السياسي" و يسيطر عليه تهور و"اندفاع الشباب" حتى يضمن الجميع استقرار وهدوء هذا البلد.
ما ظهر مؤخراً في التحرير، من توجه المعتصمين إلى العباسية يوم الجمعة للتنديد ببطء المحاكمات والمطالبة بتحقيق كافة مطالبهم "المشروعة"، ومعاودة الكرّة يوم السبت للتنديد ببيان المجلس العسكري رقم (69)، يندرج تحت بند "الغباء السياسي".
خاصة وأن قادة الاعتصام لم يراعوا إمكانية اندساس المخربين والبلطجية في صفوفهم ليحاولوا الوقيعة بين القوات المسلحة وشباب المعتصمين.
الآن وقد أصبح السواد الأعظم من الشارع المصري يطالب بإخلاء "ميدان التحرير" وفض الاعتصام بعدما شاهد التراشق بالحجارة والمولوتوف بين أبناء هذا الوطن في الشوارع والميادين، وانضمام قوى سياسية لها ثقلها في الشارع لدعوات "الاستقرار" ورفض الاعتصامات.
إذن فالحكمة تقتضي حالياً فض الاعتصام وعدم السير عكس التيار ، وإعطاء هدنة لكافة الأطراف، على أن يتدارس المعتصمين موقفهم بعد إعادة تقيمهم للوضع الحالي وبعدها يقررون العودة إلى الاعتصام مرة أخرى أو منح الحكومة الحالية بحلتها الجديدة فرصة أخرى لتحقيق مطالبهم.
دعوتي تلك لا يجب أن يفهم منها أنني ضد الاعتصامات السلمية أو إدخالها في سياق الهجوم على الثوار، وإنما يجب أن يستشعر منها الخطر المحدق بشباب مصر وأبنائها خاصة مع اقتراب الجمعة المقبلة، وتهديد الجماعة الإسلامية ب"تطهير" الميدان من المعتصمين تحت دعوى الاستقرار ودرء الخروج عن الشرعية.
فالجماعة الإسلامية لولا تأكدها من شعور غالبية المواطنين بالحنق والغضب من اعتصام التحرير، لما تجرأت على إطلاق تلك التصريحات، التي يُشتم منها رائحة العنف، وهو الأمر الذي لا أقبله على الإطلاق كما يشاركني الرأي المعتدلون فكرياً ودينياً.
فلولا ثورة 25 يناير لما نال أعضاء أغلب الجماعات الإسلامية حريتهم التي وضعت رهن الاعتقال بأمر من ضباط " أمن الدولة ".
لذلك فعليهم التمسك بالمنهج المعتدل والابتعاد نهائياً عن التلويح باستخدام العنف والقوة ضد أية فئة داخل المجتمع، خاصة وأن التهديد والوعيد يعد خروجاً عن الشرعية التي يتشدقون حالياً بالدفاع عنها.
وعلى المجلس العسكري أن يقف على مسافة واحدة من كافة القوى السياسية الفاعلة على الساحة، ولا يكرر "نكسة البيان 69" التي كادت أن تصل بالبلاد إلى حافة الهاوية.
فالمجلس اتهم حركة "6 أبريل" بالعمل على الوقيعة بين الشعب والجيش، دون أن يقدم دليلاً واحداً يثبت به صحة إدعائه، وهو ما لم نعتده من المجلس العسكري المنبثق من قواتنا المسلحة التي عرف عنها الانضباط في القول والعمل.
البيان كان تحريضياً من الدرجة الأولى، وهو ما تسبب في تفجير أحداث يوم السبت - كما كان متوقعاً – فيما عرف باسم "موقعة العباسية"، واعتداء مجهولون بالسنج والمولوتوف على المتظاهرين السلميين أثناء توجههم لمقر وزارة الدفاع.
وحمداً لله أن الأسوأ لم يحدث، وهو إقدام أحد المرتزقة الممولين من جماعة "الفلول" باستهداف أحد قيادات حركة "6 أبريل" وتصفيته جسدياً أو الاعتداء عليه، بعد بيان المجلس العسكري، وهو الأمر الذي كان سيؤول بالأوضاع إلى الانفجار ويصل بالبلاد إلى نقطة اللاعودة.
الحل الوحيد للأزمة الحالية يتمثل في المفاوضات الجادة بين كافة القوى السياسية "دون إقصاء لأحد أو تخوين"، وبين قطبي الدولة الممثلين في الحكومة والمجلس العسكري، في إطار يخلو من التشبث الأعمى بالآراء أو اللهث وراء تحقيق مصالح شخصية دون مصلحة الوطن وأبناء شعبه المطحون.
فليبدأ الحوار الآن تحت أعين الفضائيات ووسائل الإعلام وفقاً لجدول زمني محدد وأطروحات جادة ليستطيع الشعب التمييز بين "الجدع والجبان" .