تساءل الكثيرون عن صلاحيات حكومة د. عصام شرف أو غيرها من الحكومات خلال الفترة الانتقالية، والحقيقة أنني اندهشت من هذه التساؤلات.
وذلك لأن المادة رقم (57) من الإعلان الدستوري الصادر يوم 30 مارس 2011 قد أوضحت تلك الاختصاصات في ثمان نقاط لعل أهمها في هذا المقام هو اشتراكها مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في وضع السياسة العامة للدولة والإشراف على تنفيذها وفقا للقوانين والقرارات الجمهورية.
ومن ثم فإن عمل الحكومة وفق تعريف مفهوم السياسة العامة هو تحديد مشكلات المجتمع من خلال الوقوف على أولويات المواطنين وبالتالي صياغة السياسات اللازمة لحل تلك المشكلات من اقتراح القوانين واللوائح والإجراءات.
ومن ثم رفعها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة لإقرارها واعتمادها وفق المادة (56) من الإعلان الدستوري لتقوم الحكومة بتنفيذها ثم تقييم هذه السياسات مرة ثانية من قبل المواطنين.
وبالتالي تبدأ عملية صنع السياسة العامة وتنتهي من المواطنين، وأعتقد أن ثورة 25 يناير قننت الشعب أو المواطنين كفاعل أساسي في تحديد المشكلات ومن ثم تقييمها.
ولكي تقوم الحكومة بهذا الدور المثقل لابد من التنويه إلى عدد من الملاحظات:
1- أن الإعلان الدستوري لم يحدد فترة بقاء الحكومة الحالية والتي كلفت في 3 مارس 2011، إلا أن الإعلان حدد اختصاصاتها في المشاركة والتوجيه والتنسيق والمتابعة.
2- يجب التعامل مع الحكومة الحالية أو غيرها على أنها مستمرة حتى اختيار الرئيس القادم لمصر والذي قد يكون بعد سنتين أو أكثر.
وبناء على ما تقدم من ملاحظات فإن التسليم ببقائها هذه الفترة أو تولي غيرها يحتم على الحكومة عموما وضع خريطة تنموية أو مشروع قومي أو رؤية مستقبلية لمصر خلال هاتين السنتين.
وذلك لأن وضع الرؤية المستقبلية للدول التي سبقتنا في هذا المقام استمر ما بين السنة والنصف والسنتين فبريطانيا وضعت رؤيتها المستقبلية 2010 في سنتين واندونيسيا والهند 2020 في السنة والنصف.
وحتى يكون لدينا هذه الرؤية الإستراتيجية لابد من توفر ثلاثة شروط وهي توافق المواطنين والنخبة عليها ثم وضوح أهدافها، وحتى نحصل على توافق المواطنين على الحكومة أن تضع يدها على أولوياتهم .
من خلال عدد من الآليات منها استطلاع آراء المواطنين على اختلاف مستوياتهم التعليمية والاجتماعية وتوزيعهم الجغرافي من خلال مراكز المعلومات المنتشرة في المدن المختلفة.
والتي يجب عليها أن تتعاون مع المجالس المحلية – بعد تطهيرها- والمحافظات - بعد تغيير المحافظين الحاليين- وذلك للخروج باحتياجات المواطنين في الكفور والقرى والمراكز والمدن والمحافظات ليصب في الخريطة التنموية للمحافظات المختلفة.
ليأتي دور الخبراء في كافة المجالات لتحديد أي هذه الاحتياجات أولى بالتنفيذ وفق الموارد المالية والبشرية وتحديد آليات التنفيذ والفترة الزمنية اللازمة للتنفيذ وتقسيمها إلى خطط خمسية تلتزم بها الوزارات القادمة أمام الشعب.
أما فيما يتعلق بالمشروعات الكبرى مثل مشروع تنمية سيناء أو ممر التنمية أو تنمية الساحل الشمالي ومشروع توشكي فإن هذه المشروعات يجب طرحها للنقاش العام والوقوف على الرؤى المختلفة للمواطنين.
ومن ثم رفعها للخبراء لتحديد هل يتم الاختيار فيما بينها وأيها أولى بالتنفيذ أولا أم المزج فيما بينها جميعا وتقسيم تنفيذها على مراحل على أن يتم الانتهاء من كل مشروع في فترة بعنيها لتصب في صالح وضع مصر في مصاف الدول الصاعدة.
وهذه الرؤية لمصر 2040 أو 2050 يجب أن يتم التمهيد لتنفيذها من خلال إطلاع الحكومة الحالية بعدد من المهام لعل أهمها إعادة هيكلة وتطهير الجهاز الإداري للدولة بداية من المحليات ,نهاية بتوحيد المؤسسات والمراكز البحثية التي تتشابه في تخصصها أو تكرر كل منها عمل الأخرى لتوفير الجهد والموارد المالية والبشرية.
واقتراح القوانين واللوائح والإجراءات على المجلس الأعلى للقوات المسلحة لبدء تنفيذها، وهذا ما يمكن انجازه خلال فترة السنتين. وفضلا على ذلك، ولأن أي رؤية مستقبلية تقوم على تنمية العنصر البشري فإن إصلاح المنظومة التعليمية من خلال تبني الحكومة الحالية بات طلبا ملحا لا يمكن التأخير فيه .
وذلك بالاستعانة بخبرائنا في الداخل والخارج وعلى رأسهم الدكتور فاروق الباز ود. أحمد زويل والخبراء المصريين الذين أصلحوا التعليم في كندا وغيرها من دول العالم.
ولعل ماليزيا ودعوتها للماليزيين الموجودين بالخارج - والراغبين في تقديم الخدمات لبلدهم متى تشاء- بتسجيل اسمائهم لدى سفاراتهم وتحديد تخصصاتهم سيسهل على الحكومة الحالية الكثير ويمكن انجازه خلال فترة السنتين القادمتين.
وبالتالي تبدأ مصر من رئيس جديد وحكومة ومجلس تشريعي محددة صلاحياتهم سابقا ومعروف ما المطلوب تنفيذه من خلال الخطط الخمسية التي تم وضعها وفق الرؤية المستقبلية لمصر 2050.
وبدء تنفيذ إصلاح المنظومة التعليمية وهيكل إداري حكومي قوي مليء بالكفاءات على أن يقوم مجلس الشعب بمراقبة تنفيذ الخطة التنموية للدولة والرؤية المستقبلية لمصر 2050.