أولويات أوباما للشرق الأوسط عبدالعظيم حماد أقل من48 ساعة, وتثبت الرؤية, باختيار أول ساكن أسود للبيت الأبيض, ما لم يحدث انقلاب في اتجاهات الناخبين لسبب يستحيل التنبؤ به. وعلي الرغم من أن فوز باراك أوباما المرشح الديمقراطي لن يكون مفاجأة, فإن ذلك لن يقلل من وقع وقيمة الثورة التي أصبح هو عنوانا عليها, ولابد أن آثار هذه الثورة ستمتد الي كل ركن في العالم, مثلما أنها ستمتد الي كل ركن في الحياة السياسية الأمريكية, لكننا شعوب الشرق الأوسط يجب أن ننشغل, ومن الطبيعي أن ننشغل بما يمكن أن تكون عليه السياسة الأمريكية تحت قيادة أوباما نحو منطقتنا, ونحو قضايانا. كنا قد كتبنا هنا منذ عدة أسابيع, وتحت عنوان الشرق الأوسط إذا اكتملت ثورة أوباما أن أول الآثار الملموسة لهذه الثورة علي المنطقة, أنه سيسكن البيت الأبيض لأول مرة رئيس لم تصنعه, ولم تموله جماعات الضغط التقليدية, وفي مقدمتها اللوبي الصهيوني, وأن هذه السابقة سوف تنتقل من انتخابات الرئاسة الي انتخابات الكونجرس, ولذا فإن المتوقع أن يكون الرئيس الجديد أكثر حساسية لمصالح بلاده المجردة في العالم, وفي أقاليمه المختلفة, ولن يتحتم عليه أن يضحي بهذه المصالح أحيانا لأسباب انتخابية. وحسب تأكيد للبروفيسور زبيجنيو بريزنيسكي أحد أهم مستشار الشئون الدولية للمرشح باراك أوباما, ومستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأسبق جيمي كارتر, فإن أوباما هو الذي سيقود سياسة بلاده الخارجية بنفسه, اذا انتخب رئيسا. إذن سيكون لدينا ولدي العالم رئيس أمريكي ذو رؤية مختلفة الي حد كبير لدور بلاده في العالم, وهو الذي سيقود بنفسه عملية أو عمليات تطبيق هذه الرؤية, وفي الوقت نفسه فهو ليس مدينا لأية جماعة أو جماعات ضغط, بل مدين لعموم الشعب الأمريكي, خاصة جيل الشباب وقوي التغيير, لكنه مع ذلك لم تكن رؤيته وحيا من السماء, أو في عالم الأحلام, وانما هذه رؤية مستمدة من تراث الليبرالية الأمريكية, الممتد منذ عهد الرئيس ودرو ويلسون صاحب مبدأ حق تقرير المصير في أثناء وعقب الحرب العالمية الأولي, مرورا بمبادئ ميثاق الأطلنطي في عهد الرئيس فرانكلين روزفلت, ثم الآفاق الجديدة لجون كيندي, فالدفاع عن حقوق الإنسان في سياسة جيمي كارتر الخارجية, وأخيرا العولمة السلمية كطموح للرئيس الأسبق بيل كلينتون. ومن المعروف أن مركز توثيق هذا التراث, وتطويره الي رؤي عصرية, وسياسات مقترحة, هو معهد بروكينجز الذي ينتمي إليه أغلب أعضاء فريق السياسة الخارجية في حملة أوباما الانتخابية, وعددهم نحو300 خبير. في الشرق الأوسط, تري أوراق العمل المقدمة من المختصين في هذا الفريق أن الولاياتالمتحدة تعرضت في عهد إدارة الرئيس الحالي جورج بوش لكثير من عدم الاحترام الذي وصل الي حد الاهانة, وأن السياسة الأمريكية في المنطقة تعاني من انعدام كامل للمصداقية, بسبب الفشل في العراق والأكاذيب التي بررت بها هذه الإدارة خطتها لغزوه, وبسبب تخليها عمدا عن متابعة انجازات إدارة كلينتون لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي, فضلا عن دخولها حربا باردة ضد إيران, في الوقت الذي صبت فيه كل سياسات هذه الإدارة لمصلحة إيران نفسها, لذا سيتحتم علي الرئيس الأمريكي الجديد الديمقراطي أن يعيد بناء دور أمريكي محترم وفعال في الشرق الأوسط, ويوصي خبراء حملة أوباما بأن تستعيد الدبلوماسية الأمريكية دورها القيادي في عملية سلام فلسطينية إسرائيلية ناجحة, بحيث تبادر بطرح الأفكار, وتحريك التفاعل بين الأطراف علي أن يقود الرئيس بنفسه هذه العملية, ولا يتركها لوزير خارجيته أو لمستشاره للأمن القومي, لأن السوابق كلها تؤكد أن تدخل الرئيس الأمريكي شخصيا هو الذي يحقق الانجازات في الشرق الأوسط, فقد كان تدخل كارتر هو الذي صنع كامب ديفيد, وكان تدخل بوش الأب هو الذي أنجز مؤتمر مدريد, وما ترتب عليه من اتفاق بين الأردن وبين إسرائيل, وما أفضي إليه في عملية أوسلو بين الفلسطينيين وبين إسرائيل, ثم كان تدخل كلينتون بنفسه هو الذي طور عملية أوسلو من غزة وأريحا أولا الي عملية متصلة, كادت تفضي الي اتفاق شامل في طابا قبل أن يتراجع ايهود باراك رئيس وزراء إسرائيل داعيا الي انتخابات مبكرة, وقبل أن يغادر كلينتون البيت الأبيض. ليست القضية الفلسطينية هي ميدان الاختبار الوحيد للسياسة الأمريكيةالجديدة في الشرق الأوسط, إذا ثبتت الرؤية بانتخاب باراك أوباما رئيسا جديدا, ولكن هناك أيضا جبهة الاصلاح الديمقراطي الذي يمثل مطلبا ملحا حسب رؤية خبراء معهد بروكينجز الذين يشكلون كما قلنا فريق السياسة الخارجية في حملة أوباما الانتخابية, لكن هؤلاء الخبراء يرفضون كلية فكرة الفوضي البناءة التي بشرت بها إدارة بوش, لأنها انتجت فوضي دون أي بناء, كما يرفضون تماما ونهائيا التدخل المسلح لتغيير النظم بعد أن ثبت فشله في تجربة العراق ذاتها, وبعد أن سقطت نبوءة المحافظين الجدد بأن غزوهم للعراق سيؤدي تلقائيا الي تغير النظم في الدول الرئيسية في الشرق الأوسط, ويعود هؤلاء الخبراء الي تراث الادارات الديمقراطية السابقة في الولاياتالمتحدة لاستلهام مدخل جديد للسياسة الأمريكية لتشجيع الاصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط, ليجدوا ضالتهم في قضية حقوق الإنسان, وفي عملية هلسنكي للأمن والتعاون الأوروبيين, ذلك أن التغيير الحقيقي في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية بدأ بفضل عملية هلسنكي, وتركيزها علي احترام حقوق الإنسان كمعيار لاطراد التعاون, وتحسين العلاقات بما في ذلك صادرات القمح الأمريكية للاتحاد السوفيتي, وكذلك منح السوفييت وضع الدولة الأولي بالرعاية في التجارة مع الولاياتالمتحدة, وهو ما أفضي في نهاية المطاف الي انهيار الاتحاد السوفيتي, وعودة الديمقراطية الي جميع دول أوروبا الشرقية, باعتبار أن إلغاء, أو تقييد قدرة النظم الشيوعية علي القمع التزاما بشروط هلسنكي أطلق التفاعلات المجتمعية من عقالها, لتكتسح هذه النظم في فترة تقل عن عقدين من الزمان. ما الذي نعتقد أن إدارة أوباما سوف تبدأ به في منطقتنا التسوية الفلسطينية الإسرائيلية, أم عملية هلسنكي الشرق أوسطية؟! المنطق, والقياس علي عملية هلسنكي الأصلية يقولان, إن البداية لابد أن تكون تسوية سلمية للقضية الفلسطينية, تمتد الي تسوية عربية إسرائيلية شاملة, حتي يمكن جمع كل دول الشرق الأوسط في إطار منتدي أو منظمة للتعاون والأمن, يلتزم أعضاؤها بمعايير احترام حقوق الإنسان, فما كان يمكن لعملية هلسنكي الأصلية أن تحقق إلا بعد أن اعترفت ألمانياالغربيةبألمانياالشرقية, وبعد سلسلة من اتفاقيات الحد من التسلح بين الشرق والغرب.. وكذلك بعد خروج القوات الأمريكية من فيتنام. عن صحيفة الاهرام المصرية 3/11/2008