انعدام الشعور بالمسئولية أحمد عودة قضت القاعدة الأزلية الراسخة منذ القدم بأن كل إنسان يتحمل المسئولية في موقعه مهما كان.. سواء كان وزيراً أو عظيماً أو رئيساً أو حتي خفيراً، فالمسئولية مفترضة وموجودة علي عاتق كل إنسان، وقد جاء الحديث الشريف عن الرسول صلي الله عليه وسلم ليقول لنا »كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته«، وضرب الأمثلة بالحاكم والأب والابن والزوج والزوجة.. وغيرهم.. وغيرهم، والقاعدة هنا وردت منذ قرابة خمسة عشر قرناً من الزمان ولا جدال في سلامتها ووجوب احترامها واستخلاص الحكمة منها، ولكن.. عندما جاءت أحاديث الديمقراطية في العصور الحديثة قال الناس بوجوب مراعاة اتجاهات الرأي العام واحترام رأي المعارضة وقبول النقد البناء الذي يستهدف المصلحة العامة وتحقيق النفع والصالح العام. ومع مرور الزمن ابتليت مصر بحكم الفرد والحزب الواحد حتي جاء خليفة الاتحاد الاشتراكي ليطلق علي نفسه الحزب الوطني ويستولي علي الحكم ويجري تزوير التاريخ وتزوير الانتخابات من أجل الاستمرار في الحكم، فالسلطة لها وجاهتها ونعيمها وصولجانها!! وبعد إباحة التعدد وقيام بعض الأحزاب كان المفروض أن يسمع الحاكم صوت المحكومين ويسمع الحزب الحاكم أصوات أحزاب المعارضة حتي إذا ما جرت المناقشة وتبلور الموقف عن الرأي الصحيح الصائب كان علي الجميع من حاكم أو محكوم أو معارضة أن ينزل الجميع علي الرأي الصائب الذي يحقق النفع العام ومصلحة ومطالب جماهير الشعب، ولكن بكل أسف دأب الحزب الحاكم علي الإصرار علي رأيه وعدم الالتفات إلي رأي المعارضة أو حتي الرأي العام لغالبية الشعب، وهذه هي دكتاتورية الحزب الواحد والإصرار علي الخطأ، بل والتمادي فيه إلي أبعد الحدود وتلك آفة النظام، وقد حاولنا إسداء النصح أو إبداء الرأي أو الاعتراض أو النقد.. فكان كل ذلك يذهب أدراج الرياح إزاء الإصرار علي الخطأ وبدأ كل مسئول لا يرد علي أي اعتراض أو صيحة أو صرخة للإصلاح.. وهو ما أسماه بعض الكتاب »سياسة الطناش« وكان ما يقال من نقد أو رأي للمعارضة لا قيمة له والمسئول يمضي في طريقه منفرداً لا يبالي بمن حوله أو من يبدون الرأي السديد حتي وصلت الأمور إلي حد الفشل في كل موقع وعم الفساد الأرجاء وأصبحت تجد أزمة رغيف العيش وأزمة البطالة وأزمة مياه الشرب وأزمة مياه الري وأزمة الضمير، ووصلنا إلي انعدام الشعور بالمسئولية في كل موقع وكانت الجماهير هي الضحية.. وتعالت الصيحات والنداءات عسي أن يستجيب كل مسئول إلي نداء الحق وصوت الضمير ولكن كان الموقف يدعو إلي اليأس من الاستجابة أو الانصياع إلي صوت الحق وأصبح الحاكم ينظر إلي الرأي العام وكأنه لا قيمة له ولا وزن له.. فإلي متي؟! وإلي أين تسير الأمور؟! طبعاً.. لا مجيب، لأنها سياسة الطناش وأن تكون الأذنان إحداهما من طين والأخري من عجين!! ويا للحسرة. ولعلي أشير علي سبيل المثال إلي مثال بسيط.. هو انتقاد الناس واعتراض الرأي العام علي ظهور إعلانات تجارية في الإذاعة الرئيسية، وكذا في إذاعة القرآن الكريم.. ولكن المدير المسئول لا يرد ولا يعلق.. فلا قيمة للنقد، ولا سماع للرأي العام وطبعاً النهاية معروفة.. وهي حبس الصحفيين وتكميم الأفواه، ولا يعلو صوت علي صوت الحزب الحاكم وحكومته أو الحكومة وحزبها.. ولو كره الناس جميعاً، فزالت السيادة من يد الشعب.. وأصبحت في يد الحكومة.. والعوض علي الله الذي نسأله اللطف بمصر. ولا أجد أبلغ من كلمات قرآنية كريمة.. وردت في »سورة الكهف« فأعرضها علي هؤلاء وأولئك.. عسي أن يفيق القوم وأن يعودوا إلي طريق الصواب.. ألا وهي قول الله تعالي (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذي ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) »صدق الله العظيم«. عن صحيفة الوفد المصرية 4/11/2007