كتب عبد الستار علي مصطفى تساؤلات عديدة تتردد الآن على كثير من الألسنة و العقول. ماذا يجري ، و كيف وصلنا إلى ما نحن عليه ، و ماذا نحن فاعلون ، و هل حقا هناك ما يمكن أن نفعله كمواطنين أو مثقفين أو نخبة من أجل التغيير؟ و هل الحزب الوطني و قياداته وحكوماته المتعاقبة هم المسئولون فقط عما جري ويجري في حياتنا؟ دعونا نحسن الظن و نقول أن ممارسات قيادات وحكومات "الوطني" المتعاقبة أغلبها أخطاء ، و المعلوم أنه من يجتهد و يصيب فله أجران و من يخطئ فله أجر.. بشرط أن يكف عن الخطأ و يصلحه أو يفسح المجال لاجتهاد الآخرين وإصلاحهم ( وهذه من عندي). و يدفعنا حسن الظن أيضا الى الاقرار بأن تلك الأخطاء لم تحدث بين ليلة وضحاها ، إنما تراكمت عاما بعد عام دونما معارضة فعالة إما عن تقاعس أو ضعف أو غفلة من جانب نواب أو موظفي أحزاب المعارضة الديكورية أو "طناش" من جانب دعاة الإصلاح الأمريكان والغربيين الذين تنبهوا مؤخرا إلى أن هناك حاجة ماسة إلى الإصلاح الاقتصادي و السياسي في مصر أو لهذه الأسباب مجتمعة، ومن ثم أصبح العلاج مؤلما و قد يصل إلى حد الكي و ربما البتر. ولكن عندما تكثر الأخطاء و تمتد لما يقرب من ربع قرن و يتعذب بسببها و يمتهن أو يموت البشر فإنها لا تظل أخطاء إنما تصبح جرائم يجب وضع حد لها وتعقب مرتكبيها ومحاسبتهم.. وعندما يصل حجم الأخطاء إلى حد اهتزاز مكانة مصر الدولية والاقليمية، و إلى الحد الذي يخشى فيه على سلامة استقلالنا الوطني او إلى الحد الذي يتدهور فيه الاقتصاد و تتدنى فيه الدخول و تكون سبل الرزق و السكينة لأبناء الوطن خارجه هي الخلاص .. فإن الأمر شديد الخطورة و يستلزم استنهاض كل مقدرات الأمة لمحو هذه الأخطاء من الواقع والذاكرة و مباشرة عملية تصحيح شاملة و فورية.. وأول ما يجب عمله في هذا الإتجاه هو إتاحة الفرصة للقوى السياسية الأخرى للمشاركة -على الأقل- في مناقشة الوضع الراهن وتبادل الرأي حوله. لقد آن الأوان لكي يسلم "الوطنيون" بأن حق ممارسة العمل الوطني ليس حكرا عليهم وأن كل الفرقاء في الساحة لهم هذا الحق و لهم أن يتطلعوا إلى السلطة وأن يتخذوا من الوسائل المشروعة ما يبلغهم هذا الهدف. إن استمرار تجاهل الشعور المتزايد برفض قطاعات عريضة من الشعب لسياسات وممارسات رجال و حكومات "الوطني" و تعمد تخدير الناس بتصريحات وبيانات لا واقع لها لن يثمر إلا تفاقما لهذا الشعور قد يؤدي الى ما لا تحمد عقباه. غير أن المطلوب ليس استبدال "الوطني" بغيره من الأحزاب لمجرد تغيير الوجوه ، إنما المطلوب هو تغيير شامل في السياسات والممارسات بما يصحح الأخطاء و يحاسب المخطئ بعد أن يزيحه عن الطريق ليحل محله من هو أجدر بالنهوض بالمسئولية. على هذا الأساس فإنه يجب الانتقال الى مرحلة الفعل الجاد المتبصر.. والفعل الحقيقي المتوقع يبدأ ممن بيده السلطة أولا ، لمظنة امتلاكه الفاعلية والقدرة على ترجمة الأهداف إلى منجزات. والحد الأدنى المقبول من "الوطني" هو أن يكون وطنيا ديمقراطيا بحق و أن يتفاعل مع آمال وآلام الجماهير و أن يتسع صدره للنقد البناء. أما معارضي "الوطني" فإن دورهم أشد خطورة خاصة أنهم – على نحو ما – بدأوا يكتسبون تعاطف رجل الشارع ، وتكمن الخطورة في احتمال أن يتسلق الانتهازيون المنابر من فوق أكتافهم بهدف تحقيق أمجاد شخصية لأنفسهم أو لتصفية حساباتهم مع "الوطني" أو غيره. كما يجب أن تلتزم المعارضة بتعزيز ثقافة الحوار والاختلاف و النقد البناء في داخلها أولا و بينها وبين الجماهير ثانيا ثم بينها و بين منافسيها ثالثا، وأن تختلف لغتها عما ألف الناس من مسكنات و وعود ضبابية لا تفضي إلى شئ ، وأن تطرح خططا و برامج واضحة بما يعكس المصداقية والشفافية و الجدارة في التصدي للمشكلات الراهنة. أما ما يجب أن نفعله كمواطنين فهو المشاركة الإيجابية في العمل الوطني بدءا من الحرص على حيازة بطاقة الانتخاب والإدلاء بأصواتنا بمسئولية ثم التحلي بروح المبادرة ، و أقلها في رأيي أن نؤدي ما علينا بأمانة وألا نفرط في حق من حقوقنا. أما المثقفين و النخبة فعليهم فوق ذلك إعطاء القدوة الصالحة و المثل الأعلى. وأخيرا فإن على "الوطني" أن يعترف بأخطائه و يقتنص هذه الفرصة التاريخية لقيادة عملية التغيير الشاملة وتصحيح هذه الأخطاء ويبادر إلى إثبات ذلك بالفعل لا بالقول ، و إن لم يفعل فهو ببساطة يتخلى عن مسئوليته الوطنية متعمدا و يسمح لمعارضيه بأخذ زمام المبادرة سواء كان ذلك عن طريق صناديق الإقتراع أو عن طريق زجاجات المولوتوف ، وعندها سيكون "الوطني" وحيدا في قفص الإتهام.. أو تحت الأقدام. ما سبق يفترض حسن الظن في كل شي و في كل أحد و يحمل قدرا كبيرا من التفاؤل و الأمل ، أما غير ذلك فلا طاقة ولا رغبة لأحد في تصوره. [email protected]