د.إبراهيم قويدر في لقاء خاص مع إحدى الشخصيات الدولية والتي تنتمي إلى جنسية إحدى دولنا العربية الكبرى ... قال لي الرجل: أنا لست معارضًا، أنا إنسان كانت لي تجاربي مع معظم دول العالم من خلال موقعي الدولي.. وعلى دراية ومعرفة بالاختناقات التي يواجهها مجتمعي وبالتالي تحسست طريقة تمكنه للتخلص منها من خلال معرفة الأسباب ووضع الحلول الناجحة لمعالجتها وعندما أدعو إلى ذلك، فأنا لست معارضًا ولكنى أريد الخير لمجتمعي وأهلي، فهل هذا محظور.. سبحان الله؟! وقفت كثيرًا عند هذه الكلمات من هذا الخبير الدولي الذي تتسابق الدول المتقدمة لأخذ رأيه في مشاكل كثيرة وعديدة، ويجد صعوبات متنوعة ومتعددة في الإسهام بعمل مجددا داخل بلاده، وعندما يطرح أفكاره المتطورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه يصنف على أنه معارض. ولعله من المهم أن نتعرف بشكل أو بآخر عن المعارضة والمعارضون لكي نستطيع أن نوضح فكرة مهمة وهي أن المعارضة ووجودها كان ولا يزال حتى قيام الساعة وليس بالضرورة أن توجد المعارضة فقط في حالة وجود انحرافات في النظام الحاكم؛ لأن النظر إلى الانحراف أو الأخطاء نسبى بحسب رؤيا الجانب الآخر، وفي تاريخنا الإسلامي كان يوجد معارضون في كثير من المواقف ضد أهم العصور إنصافًا للحق مثل زمن خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعمر عبد العزيز؛ لأن الحاكم العادل ونظامه عندما يأخذ الحق من مغتصبه ويرجعه لأهله فتظل رؤية المغتصب للحاكم العادل أنه ظالم ورؤية من منح له الحق وتم إسترداده له أنه عادل. إذن، فالاعتراض أو عدم الرضا هو سمة إنسانيه أوجدها المولى عز وجل لخلق التوازن بين الأفراد في الحياة، وإنكارها أو محاربتها ضرب من ضروب المستحيل؛ لآن الرأي الآخر سيظل موجودًا في المجتمعات الإنسانية، فالخير والشر ضدان لا يلتقيان أبدًا، ولكنهما دائما يتعارضان في داخل النفس البشرية، فالنفس السوية التي تريد الخير لناسها ولنفسها دائمًا ما تتعرض في مسيرتها لعقبات تضعها أمامها النفس الشريرة، وهكذا فإن النفس الشريرة هي أيضًا في سعيها لتحقيق مراميها الشريرة تجد أمامها سدودًا وموانع تجبرها بها النفس الخيرة على عدم تنفيذ مآربها الشريرة، هكذا هي الحياة كما أرادها الله لنا.. ومكننا من أن نسير في طريق الخير ونبتعد عن كل أشكال الشر والظلم من خلال ما نزله على أنبيائه ورسله الذين عكفوا على إرشادنا إلى طريق الصواب وتجنب ما يرسمه لنا الشيطان ويوسوس به في عقولنا . ولكن لنقف قليلاً أمام الوضع العربي الحالي وما به من أشكال متعددة للمعارضة المحلية الداخلية والمعارضة الخارجية، ويهمني أن أضع أمام القارئ محاولة جادة مني لوصف الواقع وتقييمه في مجموعة من الوقفات المنظمة، ومع ذلك فهي لا تعني إحاطتي الكاملة في هذا التحليل لهذا الواقع المعيشى، ولكنها محاولة لتسليط الضوء على أبرز عوامله: - ولنبدأ بالمعارضة الخارجية في الأقطار العربية والتي هي نتاج طبيعي لممارسة النظام العربي لظلم على أبنائه نتيجة لمعارضتهم أو وقوفهم بشكل المعترض على سياساته أو توجهاته بصفة عامة أو في موقف وموضوع معين مثل كبت الحريات والممارسات البوليسية التي تمس كرامة الإنسان وآدميته.. وغيرها من الأمور، وبالتالي نجد أن من يقع عليه هذا الظلم ويتجه إلى الهجرة لمجتمعات أخرى ليجد بها مساحات من الحرية وصونًا لكرامته كإنسان ويتجمع المعارضون؛ لتعدد الأسباب واستمرار نظام البلاد في التنكيل بالناس، ومن خلال هذه التجمعات تبرز تنظيمات تبدأ في شكل لقاءات تحاول وتسعى إلى فضح ممارسات النظام، ولكن البعض منها يقع في المحظور، وذلك من خلال إتصاله بأجهزة لدول معادية للعرب ولبلاده التي تقدم لهم الدعم المادي وتستفيد من معلوماتهم، وفي بعض الأحيان تضعهم على الرف إذا تحسنت علاقاتها بالنظام الرسمي للبلد العربي.. كما أنه من الملاحظ أيضاً أن البعض منهم يقدم معلومات وبيانات خاطئة ينتج عنها عدوان على ناسهم وحجتهم في ذلك أنهم يقومون بأي شيء من أجل التخلص من النظام في بلادهم، ومن هنا تحدث الكوارث، كما هو حاصل في العراق والصومال .. وغيرهما من الدول. • كما أن جزءًا من التنظيمات المعارضة الخارجية تتعامل سرًّا مع نفس النظام، وتنقل له البيانات عن رموز وقياديي المعارضة في الخارج.. الذين كان عدداً كبيراً منهم يعملون في النظام وانشقوا عنه لسبب أو أخر بل إن البعض منهم استولى على أموال اؤتمن عليها؛ ولكنه استخدمها في تمويل تنظيمه المضاد للحكم في بلاده. وفي جميع الأحوال فإن المعارضة الموجودة على الساحة في أوروبا وأمريكا جميعها تستهدف الوصول إلى السلطة وإنهاء النظام الحالي، وأن تحل هي محله إلا القليل الذي يؤمن بمنح الحرية للشعب في اختيار نظامه وتوجهاته، سواء بفعل التغيير أو بفعل النظام الحاكم نفسه، والقليل الذي يرضى بذلك لأنه للأسف الشديد عندما يبدأ أي نظام فاشي في الترنح، فإنه يزداد شغف معارضيه في الحصول على النصيب الأكبر من كعكة السلطة، ولنا في العراق والصومال خير مثال كما أشرت. • أما المعارضة الداخلية فهي غير موجودة من الناحية التنظيمية، وحتى دولنا التي أسست أحزابًا للمعارضة، ففي مجملها أحزاب كرتونية هزيلة، والبعض منها يؤدى دورًا مرسومًا له من قبل مخابرات النظام الحاكم، وبالتالي فإن ما يجري هو مسرحية يكتب سيناريوهاتها النظام وينفذها الجميع من الأحزاب سواء المعارضة أو الحزب الحاكم. أما المعارضة الحقيقية التي تنبع من الجماهير، فغالبًا ما تمارس من خلال قيام الناس بعدم المبالاة فيما يقدمه النظام من خلال السلبية العامة مثل عدم التصويت في الانتخابات أو عدم حضور الاجتماعات المتعلقة بأمور يعرضها النظام.. وتنتج عن هذه السلبية واللامبالاة- في الحقيقة- انعكاسات سيئة على المجتمع وبرامجه ونموه الاقتصادي والاجتماعي، وهذا شيء طبيعي لفقدان المواطن الثقة بإدارته وفقدان الإدارة الثقة بالمواطن وأخذ الحيطة منه والتعامل معه من خلال الشك في كل ما يقدمه. • تبرز من خلال ذلك في بعض مجتمعاتنا العربية ما أطلق عليه بالحركات الإصلاحية التي تأخذ من التوجه الديني شعارًا لها في التوجه نحو تحقيق العدل والمساواة ومحاربة الفساد أو تنادي بالحريات وبعث الحياة الديمقراطية وصون حقوق وكرامة الإنسان داخل المجتمع دون أن يكون لهذه الحركات أي توجهات سلطوية أو أي طموحات في الوصول إلى السلطة، ولكن البعض منها انزلق في التواصل مع بعض الجهات الخارجية وتعامل معها، واستلم تمويلاً ماديًّا منها، والبعض الآخر تم استقطابه من قبل النظام ذاته من خلال طرح بعض البرامج البراقة التي تتفق مع توجهات هذه الحركات، ولكن النظام في توجه نحو ذلك لا يستهدف القيام بذلك، ولكنه يستهدف تحييد هذه الحركات واستقطابها وإغراء مفكريها ورموزها بوظائف قيادية ومغريات مادية حتى تنطفئ هذه الشموع التي تحاول أن تضيء قليلا شارعنا العربي الواقع في ظلمه قاتمة مخيفة. من خلال هذا العرض السابق نجد أن الوضع غير مرضٍ بالشكل الكبير، ولا يستطيع أحد أن يفترض حدوث إنفراج قريب في الأمة العربية نحو ممارسات حقيقية لديمقراطية تستمد جذورها من شريعتنا الإسلامية وتحقق سموًّا أخلاقيًّا في التعامل بين الناس وبينهم وبين حكامهم، هذا الشكل السامي من التعامل الذي يحترم فيه الحاكم آدمية مواطنيه ويصون حقوقهم وكرامتهم، ويسعى لتوفير احتياجاتهم ومنحهم حرياتهم من خلال حياة كريمة بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى، وهذا التعامل هو الذي يجعل من المواطن يشعر بالانتماء لوطنه ونظامه ويسخر حياته فداء لهما. على أية حال، فإن الوضع كما أشرت لا يبشر بإنفراج حقيقي قريب، ولكنى أؤكد هنا أن أي محاولة لإيضاح الأمور والممارسات الخاطئة أمام الناس سواء كانوا مسئولين أو مثقفين أو عامة تعد في تصوري أضعف الإيمان الذي أوصانا به نبينا سيدنا ومعلمنا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وبالتالي فإن التوجه نحو الكتابة بأسلوب أخلاقي يحترم الجميع حكامًا ومحكومين، معارضين وموالاة، هو الهدف الذي أسعى إليه من أجل خلق أساس للحوار الهادئ البنّاء الذي يفضح الممارسات الخاطئة، ليس بغرض التشهير والانتقام، ولكن بغرض التوجيه والنقد والإصلاح، والهداية، التي قد تكون في بعض الأحيان من خلال قراءة مسئول لمقال أخلاقي ينتقد بأسلوب حضاري ممارساته الخاطئة، ويقدم له الحلول الناجحة، فيهديه الله سبحانه ويعود عن ممارسة أي شكل من أشكال الممارسات التى تضر ناسه، وتهدد مكونات مجتمعه الاقتصادية والاجتماعية. فالدعوة هنا لحوار ونقد مبنيٍّ على حقائق، وليس تضخيمًا لأمور هي في الأصل غير حقيقية ولا تستند على أدلة ثابتة، بل تستمد وجودها من خلال مبدأ "اللي نربح بيه نلعب بيه"، وهنا أقول لهؤلاء الذين يمارسون ذلك- سواء بالتهجم على الناس أو من يطبل ويزور الحقائق ويبهرج لحاكمه: إن الاثنين واقعان في نفس الخطأ، وحسابكم عند المولى سيكون عسيرًا، وليعلم الجميع في أي نظام كان وفي أي معارضة كانت، أن هناك الإنسان المخلص النظيف الشريف، وأيضًا هناك السيئ الذي لا يهمه شيء إلا منفعته الشخصية، وهنا علينا أن نتقى الله في ناسنا ومجتمعاتنا لكي يهدينا الله إلى ما فيه خير البلاد والعباد. وفى الختام مهم جدا .... أن نتروى في قراءة كل كلمة في هذا المقال لأنه لا يمثل موقفا شخصيا من العنوان الى المحتوى بل يمثل في الحقيقة تحليلا نقدياً وصفياً لواقع المعارضة والموالاة في بلادنا العربية والرجاء أن لا نذهب بعيدا في أفكارنا وإستنتاجاتنا وتأويلاتنا لأني دائما أسلوبي مباشر وواضح ولا يحتاج الى تأويلات وإستنتاجات بالتالي فان ما أكتبه أقصده ولا أقصد غيره فالذي تم تناوله في هذه الأسطر هو نقل حقيقي للواقع العربي لا أعنى به دولة بعينها ولا أعنى به الشمول فليس الكل بل البعض واقصد هنا المعارضة والموالاة.أما الحادثة التي بدأت بها المقال ولكى لا يدور في خلدان أحد أي تفسير آخر فالشخصية الدولية العربية هي الأستاذ الدكتور محمد البرادعى مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية وحديثه كان في القاهرة .