" التاريخ " اليهودي البديل حسن مدن كُتب وقِيل الكثير عن الصراع الحضاري مع “إسرائيل" ومخاطر التطبيع الثقافي معها، لكن لم يسبق أن جرى الحديث عن “إسرائيل" بوصفها خصماً ثقافياً كما فعل الدكتور نبيل علي في كتابه “الثقافة العربية وعصر المعلومات" الذي صدر منذ سنوات ضمن سلسلة “عالم المعرفة" في الكويت، والذي وقف في أحد فصوله عند تزييف التاريخ وتأسيس تاريخ بديل، باستخدام وسائل المكر المختلفة، بما فيها التقنية. مركز الثقل في المسعى “الثقافي" الصهيوني هو تصوير “إسرائيل" نفسها كدولةٍ صغيرة المساحة، قليلة السكان، ولكنها ذات شأن حضاري وثقافي يمتد طويلاً وعميقاً عبر التاريخ، مُجيرةً التاريخ اليهودي برمتهِ كما لو كان تاريخاً لها، رغم أنها كيان حديث النشأة لا يزيد عمره بكثير على نصف القرن. وفي رأي الباحث، فإن “إسرائيل" تخلت عن فكرة المصهر الحضاري الذي كانت تتباهى به في السابق، حين كان الحديث يدور عن تحويلها إلى بوتقةٍ لصهر ودمج “الثقافات" اليهودية القادمة من بلدان مختلفة في نسيج يهودي واحد. وبديل ذلك راحت الأوساط الأكاديمية داخل المجتمع “الإسرائيلي" تقدم الكيان كموزاييك من التنوع الثقافي، ولا تتورع في إطار تجميل الصورة عن إضافة ثقافة عرب 1948 الذين ظلوا في فلسطين بعد تأسيس الدولة العبرية، لتزعم أنهم رافد من روافد الثقافة “الإسرائيلية" المعاصرة. مع ذلك، يبرز تعدد اللغات داخل المجتمع “الإسرائيلي" اليوم، خاصة بعدما أضحت اللغة الروسية واحدةً من أكثرها انتشارا نظراً لاتساع نطاق الهجرة اليهودية من روسيا ومن جمهوريات الكومنولث الروسي. مَكنّ ذلك “إسرائيل" من إقامة صلات تفاعل واسعة مع الأوساط الأكاديمية والعلمية لا في روسيا وحدها، وإنما في الجمهوريات الآسيوية الإسلامية التي ما زال سكانها يتحدثون الروسية، رغم انه من المفترض أن يكونوا أقرب إلينا في الوجدان والتكوين الحضاري والنفسي، فضلاً عن العامل الأساسي الجامع: الإسلام. وإضافة إلى ذلك، يُلفت الدكتور نبيل علي أنظارنا إلى التغلغل “الإسرائيلي" في المؤسسات الأكاديمية والمعاهد ومراكز البحوث والجامعات في الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية، وإلى مسعى الفكر الصهيوني لتوظيف الانحدارات اليهودية للعديد من الأسماء البارزة في دنيا الفكر والثقافة في الغرب، في مجرى الصراع الثقافي ضد العرب، رغم أن العديد من هؤلاء يتناقض، جذرياً، مع الصهيونية كفكرةٍ وممارسة سياسية. عن صحيفة الخليج الاماراتية 21/10/2008