الثقافة التعليمية:سوء التخطيط المنهجي و ضعف الفعل التربوي * محمد بوكحيل
يعتبر موضوع التربية والتعليم اليوم من أكثر المواضيع إثارة للاهتمام والجدل في مختلف أوساط المجتمع الجزائري، الذي يتطلع نحو دخول أفاق جديدة والتموقع في حيز مجتمعات المعرفة. رغم أن الخوض في هذا الموضوع ،يحتاج إلى ضبط النفس وتصويب البصيرة والتحكم في المفاهيم والدراية بالواقع، ومن تم البحث في الظاهرة وطبيعتها،ارتأيت مع كل ذك أن أدلو بدلوي في لجي هذا البحر.
من المعلوم أن السعي الدءوب لإعداد الفرد و للقضاء على الأمية ورفع درجات المعرفة بين الشعوب من خلال المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية، يواجه عوائق في كثير من الدول،منها الجزائر التي تراجعت فيها الرغبة في التعلم،وتعرف ارتفاعا في نسبة الأمية ،على الرغم من الجهود المبذولة والإمكانات المسخرة ،والأعتمادات المالية المرصودة للفعل التربوي،لتحقيق الحق في التعليم المكرس دستوريا منذ استقلال الجزائر وشكل عبر السنين الأداة الأساسية و الفعالة التي ساعدت على توفير اليد العاملة وترقية المهارات،وإحداث سلسلة من التطورات،إلى أن تمت الإطاحة بالمدرسة الأساسية في سياق سياسة التغيير من أجل التغيير.
وكان من بين العوائق التخلي عن التعليم الاحترافي وتعليم الكبار، واحدة من أهم القطاعات في الدولة التي تسعى إلى الرفع من كفاءة المواطن، ولهذه العوائق عوامل لا مبررات،لا يتسع المجال لتشريحها في هذه العجالة. إن ما تجدر الإشارة إليه هو أن ترتيب وضع الأشياء أو المفردات والصيغ في منظومة أو سياق وفق أسس معينة يستدعي بالضرورة تحديد الخصائص والمكونات والتمييز بين ذات الأشياء،ومن تم تحديدا لعلاقات والأنماط، والتعرف على أساليب الربط بين هذه المكونات.
لقد اعتبرت الأمم المتقدمة الاهتمام بدراسة أي حقل دراسي في برامج التعليم الاحترافي والتعليم المفتوح مثلا،هو الشرط الوحيد المطلوب للانخراط به، دون تحديد أي شرط آخر فيما يتعلق بالعمر أو الجنس أو التأهيل العلمي السابق ، لأن المبادرة الشخصية العلمية و تحمل المسؤولية الدراسية كفيلان بجعل الطالب ملتزماً و حريصاً على التحصيل العلمي الذي سجل فيه و يشكل الدافع الأول لأرقى مستوى التحصيل العلمي والثراء المعرفي وفق برامج التعليم الاحترافي المعمول بها إلى جانب الاهتمام الرفيع و الرعاية الدائمة التي تقدمها الدولة للطلاب أثناء الدراسة، وتوفرها في المجالات العمرانية الاجتماعية ،المادية منها والمعنوية.
إذا،المبادرة الشخصية والمسئولية الفردية،كفيلان بإنماء الالتزام الجاد والحرص على التحصيل العلمي والمعرفي وتبقى الخطط والأهداف في مستوياتها العليا من اختصاص المؤسسات الكبرى للدولة وفرق الباحثين والمختصين في ميادين التربية والتكوين والثقافة والإعلام،وتضطلع المدارس بتنفيذ الأهداف المحددة على مستوى المناهج.من هذا المنطلق، أجدني أمام أسئلة عديدة حرجة،منها:(هل ورد ت هذه الرؤيا في مضامين الإصلاحات التربوية الجارية في الجزائر منذ أكثر من06 سنوات ؟ ما هي أسباب تدني مستوى التحصيل العلمي والتكنولوجي وانحصار المستوى المعرفي عندنا؟ ،ما مصير الإصلاحات التي شرع فيه منذ عام 2002وعرف العام الدراسي الجديد 2005-2006تطبيق آخر مراحل إصلاح المنظومة التربوية الجزائرية، .
حيث تمت إعادة هيكلة التعليم الثانوي " بدءا من السنة أولى ثانوي والتكنولوجي، حيث تضما جذعين مشتركين،مع إلغاء ستة تخصصات للبكالوريا، منها تخصص الشريعة والعلوم الإسلامية، الذي أثار معارضة في أوساط الإسلاميين، واعتبره المجلس الإسلامي الأعلى وأحزاب إسلامية قرارا ضد ثابت من ثوابت الأمة الجزائرية ( الإسلام والعروبة والأمازيغية ) وسعيا لتجفيف منابع الإسلام من المدارس الخ.. قبل محاولة فحص بعض جوانب الإجابة عن ذلك نود أن نضرب مثلا ليكون أرضية لوجهة نظرنا: مشروع إسرائيلي يهدف إلى إيجاد الأجوبة لمسائل تربوية مختلفة في القرآن الكريم، والربط بين الإسلام والغرب أعلنت عن فحواه وزارة الخارجية الإسرائيلية بتاريخ 12ماي2008، ومما ورد فيه: " بادرت مجموعة من الطلاب البدو الإسرائيليين مع محاضرهم اليهودي إلى مشروع فريد من نوعه، "قرآنت"-شبكة اجتماعية - يجعل الذكر الحكيم وسيلة تربوية يستخدمها كل مربٍّ ورب عائلة.
يبحث المستخدم في " فهرست قرآنت "عن المسألة التربوية التي تعنيه، وعندها يحصل على الآية الكريمة التي تتعلق بمسألته. بعد ذلك تُعرض عليه قصة قصيرة من وحي الحياة اليومية، حيث يكون في نهايتها دليل حسي أمام المربي - المعلم أو رب العائلة - ليستخدم الآية القرآنية الواردة في موضوع مسألته، ويعي رسالتها في خطابه للطفل. وفي الختام يحصل المستخدم على توضيح أو تعليل سيكولوجي– تربوي موجز يبين صيرورة ما جرى.(العرض والاستقراء والتعميم) وتم تطوير المضامين التي يستخدمها "قرآنِت"باللغة العبرية من قبل مجموعة من الطلاب البدو ممن يواصلون تحصيلهم العلمي للحصول على شهادة الماجستير، وذلك بإرشاد محاضر المادة :د.عوفرغروزبر.
وقد صدر الكتاب مؤخرًا في جامعة بئر السبع وحظي بثلاث مقدمات كتبها ثلاثة من الشيوخ الأجلاء المعروفين.وستتم لا حقًا ترجمة المواد من العبرية إلى العربية وإلى لغات أخرى تشيع في البلاد الإسلامية مثل :"التركية، الفارسية، الإنجليزية، والفرنسية"وهناك أمل في أن تتسنى في مرحلة لاحقة إقامة شبكة حاسوبية يكون لها روادها والمنتفعون بها ". "ويشار إلى أن مشروع –قرآنت-اختير ليشارك في معرض "آفاق الغد" الذي يتم فيه عرض 60 اختراعًا وتجديدًا إسرائيليًا قد يؤدي إلى تغيير المستقبل في مجالات الطبّ والزراعة والتكنولوجيا والبيئة والتقنية العالية وعلوم الحواسيب والمجتمع " فرآنت- يجعل من الذكر الحكيم وسيلة تربوية يستخدمها كل مربٍ وكل رب عائلة .
وبذلك يظهر عظمة القرآن المجدية لتكون في خدمة كل البشر قرآنِت يدمج القرآن مع توجهات ومقاربات تربوية حديثة.ليبني جسرًا ذا اتجاهين يمتد بين العالم الإسلامي وبين أبناء الحضارة الغربية. فالمستخدم المسلم يتعرف إلى النواحي التربوية المستجدة التي تتجلى في كتاب الله وآياته، بينما تُعرض على المستخدم الغربي دلالات تربوية تشير إليها الآيات الجليلة". وبغض النظر عن وجهة نظرنا وتصورنا للأهداف الخفية لهذا المشروع، وما قد يحدثه من شرخ في مقاصد الآيات القرآنية،نقول إن المشروع يعتبر إنجاز هام لموضوع تعليمي ضخم حددت المستويات العليا لأهدافه من قبل باحثين واعتبرته الدولة الإسرائيلية وتبنته كأهم اختراع جديد،"جسرًا ذا اتجاهين يمتد بين العالم الإسلامي وبين أبناء الحضارة الغربية".
الإعلان يدعونا لطرح سؤال غير عفوي هو: هل تم وضع إنجاز بهذا الحجم لمد الجسور بين دول ألأمة الإسلامية،أو حتى بين أسر في دولة واحدة؟ أعتقد جازما أن جوابك أخي القارئ سيكون-لا- ودليلك هو ما يجري من خلافات وتناحر الإخوة لا في الجزائر فحسب بل في أطراف وطننا العربي ويحتل جانباً مهماً من سياسات أنظمتها. ففي بداية القرن الماضي والى عقدا الثمانينات ،كانت الفكرة السائدة لتطوير المجتمع وعصر نته، هي تكوين الفرد، واليوم نرى المشرفين على قطاع التربية و التكوين،عندنا قد تقوقعوا على أنفسهم مستعينين بمجموعة من العجائز تجاوزتهم الأحداث، وانحصرت رؤاهم في أن التعليم هو كم(مقدار) من القواعد والمعارف العلمية المنتقاة حسب الأهواء، تحشى بها أدمغة الناشئة في مؤسسات التعليم الإلزامي(النظامي)،وانحصرت ألأهداف عندهم في حصول الفرد على ورقة كتب عليها- نجح (ت) في..- ولم يعد للعلم قيمة ولا للقيم فعالية، مناهج معزولة وغير مستمرة وتطبيق محتواه سلبي .
وزارة مشاريعها سطحية وتنفيذها عبثي،تضع برامج ومقررات ثم تتراجع عنها ،إقرارا بكثافة المضامين أو عدم جدواها ، أو ظهور رأي آخر،وليس أدل على ذلك مما وقع من فضائح على مستوى إعداد المناهج وأنماط التدريس (التدريس بالأهداف،التدريس بالكفاءات) ،وما عرفته امتحانات البكالوريا،من غش وتنازلات الوزارة، على سبيل المثال" اللجوء تحت ضغط احتجاجات الطلبة إلى تخفيف وحدات المنهاج،وتحديد الوحدات التي سيمتحن فيها الطلبة النظاميين واستثناء طلبة التعليم المفتوح(الأحرار) من هذا التحديد،علما أن الشهادة ستكون واحدة واستعمالها لنفس الأغراض،وهو ما يؤكد ارتجالية الإعداد،وعدم إدراك المخاطر،هذه الأمور وغيرها ساهمت بقسط كبير في ارتفاع نسبة الأمية بين المواطنين ، وظهور آفات اجتماعية رهيبة وانخفاض مستوى الثقة بين المواطن وإدارته من جهة وبين المواطنين من جهة ثانية،وضاعت الثقافة التعليمية بين سوء التخطيط المنهجي ورداءة الأداء التربوي وغياب الثقة ** الجزائر