الممارسات الصهيونية المنتهكة للحقوق الإنسانية الأساس في الغرب، الذي يتشدق بالحريات والديمقراطية وبحرية الخيال الأدبي والعلمي، ولا سيما حق حرية التفكير والتعبير، هو حصار صهيوني على الغربيين، الذين بدأ العديد من البرلمانيين والمثقفين منهم يعبرون عن رفضهم له، ويحاولون كسره.
وقد بدأ هذا الحصار في السنوات الأخيرة يتحول إلى نيرات تحاصر الكيان الصهيوني، خاصة في أعقاب الحربين الصهيونيتين على لبنان وغزة، ومع استمرار حصار غزة، وبعد ارتكاب مجزرة أسطول الحرية.
إذا ما انتُقد الكيان الصهيوني وذُكر عدوانه وإجرامه، كُممت الأفواه وأخرست الألسن، ولوحق الناقدون، وقطعت أرزاقهم، وأوصدت الأبواب أمامهم، ومنعوا من السفر، وشوهت سمعتهم، وتعرضوا للتضييق، وحوصروا، وهددوا بالقتل أحياناً.
بذريعة أن انتقاد الكيان الصهيوني هو عداء للسامية، وأنه ينم عن كراهية دينية وعنصرية ضد اليهود، وإنكار للمظلومية الزائفة التي يتاجرون بها، ويتخذونها ذريعة للاعتداء على الشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين.
وهناك في الدول الغربية مؤسسات ومنظمات يهودية وصهيونية عديدة، تلاحق الألسنة الناقدة للكيان الصهيوني، وتقطعها، إضافة إلى قوانين محلية في الدول الغربية، تكمم الأفواه، وتحاسب كل من يتعرض للكيان الصهيوني وقادته بالنقد.
حتى عندما يرتكب هؤلاء القادة مذابح رهيبة ضد المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين، مثل "أرئيل شارون"، وغيره من قادة الكيان لصهيوني الذين ارتكبوا جرائم حرب ضد غزة.
من هذه المنظمات "كامبس ووتش"، التي تنشط في الجامعات الأمريكية، ومنظمة "إيباك"، واللوبي الصهيوني عامة، الذي يحاصر الغربيين فكرياً في الولاياتالمتحدة ودول غرب أوروبا.
لقد انتقمت تلك المؤسسات والمنظمات من العديد من المفكرين الغربيين، مثل المفكر الفرنسي المسلم "روجيه جارودي"، الذي شكك في المحرقة المزعومة وفي أعداد اليهود الذين قتلهم النازيون.
والمؤرخ اليهودي "نورمان فينكلشتاين"، الذي فصلته جامعة شيكاغو من عمله فيها بسبب كتابه "صناعة المحرقة"، الذي تعرض فيه إلى متاجرة اليهود بالمحرقة المزعومة، رغم أنه يشكك فقط في أعداد القتلى اليهود، وليس في المحرقة ذاتها.
وقبل أيام قليلة، اضطرت الصحفية البارزة "هيلين توماس" للاستقالة من عملها كمراسلة لإحدى الصحف في البيت الأبيض الأمريكي، بسبب تصريحات أدلت بها حول حقيقة العصابات الصهيونية التي اغتصبت فلسطين، مطالبة بخروج الصهاينة من فلسطين.
وقبل عدة سنوات، عاقبت سلطات ولاية "ويستمنستر" البريطانية الدبلوماسي البارز بوزارة الخارجية البريطانية، "روان لاكستون"، على كلمات تفوه بها ضد الجنود الصهاينة المجرمين، وأجبرته على دفع غرامة مالية، وتم التشهير به. واليوم، تكرر مثل هذه الحوادث، التي تنم عن تململ في أوساط المثقفين الغربيين من دعم دولهم للكيان الصهيوني. من هؤلاء البرلماني الألماني "هولغر أفل"، من ولاية سكسونيا الألمانية، الذي طالب بوقف ما سماه "صناعة المحرقة"، وبوقف التعاون الغربي مع "دولة المحتالين الصهاينة".
وانتقد بشدة المجزرة الصهيونية البشعة ضد المتضامنين الإنسانيين على متن السفينة "مرمرة" ، ووصفها بأنها نوع جديد من الإرهاب الدولي الذي تمارسه (إسرائيل)، وطالب ألمانيا بقطع علاقاتها بها، بحسب ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية.
هذه الحوادث هي بمثابة الدخان الذي يسبق انفجار البركان، وإرهاصات تغيير جوهري في الرأي العام الغربي، ليس لصاح الكيان الصهيوني، بل لصالح الشعب الفلسطيني.
الذي يذبح بأيدي اليهود بسلاح الغربيين ومالهم ودعمهم لتلك العصابات الصهيونية، التي تعمل على جر منطقتنا لحروب مدمرة وتوريط الغربيين في حروب تستنزفهم بشرياً واقتصادياً.
فالأحرار في العالم الغربي لم يعودا قادرين على مواصلة الصمت تجاه جرائم الكيان الصهيوني، وتجاه ابتزاز اليهود والصهاينة للمواطن الغربي ونهب أمواله وتقديمها هدية للعصابات الصهيونية الدموية، وتجاه سياسة تكميم الأفواه والحجر على العقول وانتهاك الحريات الإنسانية.
وفي المقابل، ما زال بعض الغربيين مسكونين بهاجس الخوف من العرب والمسلمين، والإسلاموفوبيا، ومنهم رئيس الوزراء الإسباني السابق "خوسيه ماريا أزنار"، الذي أعرب عن مخاوفه من انهيار الكيان الصهيوني، معتبراً أن ذلك سيقود إلى انهيار الغرب!
وطالب الغربيين بدعم الكيان الصهيوني، لأنه "إذا انهار انهار الغرب"، كما نقلت عنه صحيفة التايمز البريطانية قبل يومين (17/6).
والأغرب من ذلك، أن "أزنار" اعتبر أن الكيان الصهيوني هو خط الدفاع الأمامي للغرب في مواجهة العرب والمسلمين، على حد تعبيره!
ومن الإرهاصات الكبيرة أيضاً لانقلاب الرأي العام الغربي على الكيان الصهيوني، وتفاقم أزمة العلاقات الدولية التي تحاصره، مشاركة البرلمانيين والإعلاميين والمثقفين الغربيين في التضامن الإنساني مع الشعب الفلسطيني ومع غزة، ومساهمتهم الفاعلة في حملات شريان الحياة وأسطول الحرية، بهدف كسر حصار غزة.
وبذلك يكون الكيان الصهيوني قد وقع في شر أعماله، مصداقاً لقول الله عز وجل: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا... } (الإسراء 7).