العدوان الصهيوني العسكري الأخير على أسطول الحرية كشف عن عدة أمور غاية في الأهمية من بينها توافق الأفعال مع الأقوال في الحالة التركية والتي تستحق كل الإجلال والتقدير من كل مسلم يحمل هم الأقصى والقدس وفلسطين. وقد كانت الحالة التركية بخلاف الحالة الإيرانية التي لم تتجاوز أقوالها حناجر المسئولين الإيرانيين، وتوافق غياب أفعال إيران مع عقيدتها في عدم وجود مسجد أقصى في فلسطين وأنه موجود بالسماء الرابعة، ومن ثم فلا مبرر عند إيران للتحرك العملي مثلما فعلت تركيا السنية عملياً نحو أشقائها في فلسطين. إضافة إلى ما سبق فإنني أعتبر أن أهم مكسب في العدوان الصهيوني العسكري على أسطول الحرية تمثل في كسر احتكار وسيطرة اليهود على الرسالة الإعلامية في غالبية دول العالم، ومن ثم انكشفت الحقائق أمام المجتمع الدولي عملياً وافتضح الكذب الصهيوني علانية، ورجحت كفة التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية لصالح الفلسطينيين بصورة تمثل ضغطاً دولياً على الكيان الصهيوني. وهذا المكسب الإعلامي ينبغي استثماره جيداً من قبل المسلمين في كسب مزيد من الرأي العام العالمي ضد الكيان الصهيوني، ففي ذلك مكاسب سياسية وعسكرية تصب جميعها في صالح القضية الفلسطينية والمدافعة العسكرية لهذا الاحتلال الصهيوني. والجدير بالذكر هنا أن آليات هذا الاستثمار قدمته في دراسة أعددتها قبل عدة أشهر ونشرت في التقرير الاستراتيجي السنوي لمجلة البيان هذا العام 2010 تحت عنوان ( آليات استثمار التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية بعد حرب غزة) وفيها تم ملامسة الدور الإعلامي وآليات تشكيله للرأي العام خارج المنطقة العربية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والآليات الإعلامية التي استخدمها الكيان الصهيوني بالتوازي مع العدوان على غزة، والتي يأتي على رأسها السيطرة اليهودية على غالبية وكالات الأنباء العالمية، وتبني الإعلام الغربي لوجهة النظر الصهيونية، إضافة إلى إنشاء الحكومة الصهيونية قبل العدوان على غزة بستة أشهر مديرية المعلومات الوطنية التابعة لوزارة الخارجية الصهيونية، والتي مهمتها صياغة وترويج الرسالة الإعلامية الصهيونية، تلك الرسالة التي اعتمدت عليها كافة وسائل الإعلام الغربية الرسمية. كما وقفت الدراسة على ملامح التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية أثناء وبعد العدوان الصهيوني على غزة، رسمياً كما في مواقف تركيا وفنزويلا وبوليفيا. وشعبياً من خلال المسيرات والمظاهرات التي تمت في بريطانيا، أمريكا، روسيا، فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، بلجيكا، السويد، استراليا، فنزويلا، سراييفو، بولندا، اليونان، وتركيا. والتعاطف الإغاثي من خلال القوافل والسفن الاغاثية، وكذلك التعاطف القانوني المتمثل في تبني شخصيات قانونية دولية رفع قضية دولية ضد الكيان الصهيوني، إضافة إلى مواقف بعض الشخصيات الغربية في الصحافة الغربية. واستعرضت الدراسة أهم أسباب هذا التعاطف ومنها: دور الجاليات الإسلامية والمسلمين الأعاجم في نقل تداعيات العدوان على غزة، دور الفضائيات العربية الناطقة باللغة الانجليزية في نقل أحداث العدوان على غزة، دور المنظمات الخيرية الإسلامية في نقل القضية، دور الانترنت في تفعيل القضية الفلسطينية وفضح الممارسات الصهيونية، دور رسائل الجوالات في فضح الممارسات الصهيونية، والأدوار الرسمية لحكومات الدول المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، لتعدد الدراسة بعد ذلك بعض مكاسب المسلمين من هذا التعاطف العالمي، وضوابط التعاطي مع هذا التعاطف، وآليات الاستفادة من التعاطف العالمي وتفعيله وكسب المزيد من المتعاطفين، وقد حاولت الدراسة وضع مؤشرات خطة إعلامية لصياغة الرسالة الإعلامية الفلسطينية الموجهة للخارج، وآليات ترويجها عالمياً من أجل التأثير في الرأي العام العالمي، وكسب مزيد من المتعاطفين، وإحداث نوع من التوازن الاستراتيجي على المستوى الإعلامي بين المسلمين واليهود في ميدان التنافس على تشكيل وتوجيه الرأي العام العالمي. وأحسب أن الثلاثي المتمثل في ( حرب غزة الأخيرة- حصار غزة- العدوان على أسطول الحرية) لو تم تضمينه في كتلة واحدة والطرق عليه إعلامياً بقوة واحدة وبصورة متكررة، ستختل عجلة القيادة الإعلامية اليهودية عالمياً بصورة ملفتة، وهذا مكسب استراتيجي يعلم العسكريون جيداً حجمه وأهميته في ميدان المعركة.