نهاية مرحلة برويز مشرف عمر كوش القرار الذي اتخذه الرئيس الباكستاني بالاستقالة من منصبه كان قراراً متوقعاً، نظراً للضغوط الكبيرة التي تعرّض لها، سواء من داخل باكستان أم من خارجها، وبذلك تنهي باكستان مرحلة مشرّف التي استمرت تسع سنوات، واتسمت بالعديد من الأزمات والمخاضات الخطرة. إنها نهاية الجنرال الذي تولى الرئاسة الباكستانية، بعد انقلاب عسكري على حكومة نواز شريف المنتخبة في 12 أكتوبر/تشرين الأول من عام ،1999 وأعلن نفسه رئيسا للبلاد في 20 يونيو/حزيران من عام ،2001 معيداً بذلك الجيش الباكستاني إلى حكم البلاد بعد أكثر من عشرة أعوام على رحيل آخر الجنرالات العسكر الذين حكموا باكستان، وهو الجنرال ضياء الحق في عام .1988 ويبدو أن جنرالات الجيش الباكستاني ليسوا بعيدين عن خطوة الاستقالة التي اتخذها برويز مشرف، وهناك أوساط تتحدث عن صفقة يتنحى فيها عن الرئاسة مقابل تأمين خروجه من باكستان وعدم ملاحقته قضائياً، خصوصاً أن استقالته جاءت قبيل أن تقوم الحكومة الائتلافية بأول إجراء لعزله من الرئاسة، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ باكستان. وتبدو معبرة مشاهد الفرح والاحتفالات التي شهدها عدد من المدن الباكستانية في أعقاب إعلان الاستقالة، حيث رقص الناس في الشوارع، وفرحوا كثيراً لخلاصهم من مرحلة مشرف، ولتجنيب باكستان من مفاعيل وتداعيات معركة قانونية لعزله، لكن نهاية مرحلة مشرف ستطرح أسئلة كبيرة وتحديات على مستقبل باكستان السياسي، وخاصة موقفها من »الحرب على الإرهاب« التي تخاض في جزء منها على الأراضي الباكستانية، وبالتالي فإن التحدي المطروح هو مدى قدرة التحالف الحاكم، الذي سعى لعزل مشرف منذ فوزه في الانتخابات العامة في فبراير/شباط الماضي، على البقاء متماسكاً لمواجهة المرحلة الجديدة، واختيار رئيس جديد للبلاد، وما هي الخطوات التي سيتخذها هذا التحالف لطمأنة حلفاء باكستان، وخصوصاً الولاياتالمتحدة الأميركية وبريطانيا، حيال محاربة الإرهاب. وتميز المشهد السياسي في باكستان، باستمرار، باعتماده على توازنات حساسة من التحالفات وتركيبة متشابكة من المصالح، قادها في أغلب الأحيان الحزبان الرئيسيان، حزب الشعب الباكستاني والرابطة الإسلامية. ولا شك في أن باكستان ستشهد مرحلة جديدة، وعليها أن تقطع مع إرث برويز مشرف، الذي أدخل باكستان في حلف غير متكافئ مع الولاياتالمتحدة الأميركية في إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر ،2001 حيث سمح مشرف للقوات الأميركية باستخدام الأراضي الباكستانية لضرب حركة طالبان وملاحقة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وقد مرّت باكستان بأزمات وتقلبات سياسية عديدة خلال فترة حكم مشرف، حيث أعلن حالة الطوارئ في باكستان في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني من عام ،2007 أي بعد الانتخابات الرئاسية الباكستانية، المشكوك بنزاهتها، وقبل يومين فقط من صدور قرار المحكمة الدستورية العليا في البلاد حول شرعيتها، وعلى خلفية تدهور الأوضاع الأمنية بسبب معارك الجيش مع التنظيمات الإسلاميين المسلحة في شرقي باكستان، والتي تعرف بمناطق القبائل المتاخمة للحدود مع أفغانستان. وبعد ضغوط داخلية وخارجية، تخلى مشرف عن قيادة الجيش في الثامن والعشرين من نوفمبر عام ،2007 وسلمها إلى الجنرال أشفق برويز كياني، أي قبل يوم من أدائه اليمين الدستورية كرئيس مدني لولاية ثالثة. كما شهد عهد مشرف عودة نواز شريف من منفاه في السعودية إلى باكستان في الخامس والعشرين من تشرين الأول/نوفمبر من عام ،2007 أي بعد عشر سنوات قضاها في المنفى. ولعل أبرز الأحداث الكبرى في باكستان خلال عهد مشرف هو عودة زعيمة المعارضة السابقة في الثامن عشر من أكتوبر/تشرين الأول من عام ،2007 ثم اغتيالها خلال حملة انتخابية في السابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول. ومع نهاية مرحلة مشرف، فإن أسئلة عديدة تطرح على التحالف الحاكم حول قدرته على إيجاد حلول للأزمات السياسية المتواصلة، حيث إن موقع باكستان الجغرافي في شبه القارة الهندية، ومشكلاتها التاريخية مع جاراتها الهند، يطرح تحديات سياسية، سواء في ما يتعلق بالنزاع حول إقليم كشمير والتنافس على النفوذ الإقليمي، إلى جانب الوضع في أفغانستان، وإرهاصات الحرب الأميركية على الإرهاب، فضلاً عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية. عن صحيفة السفير اللبنانية 23/8/2008