مفهوم الإرهاب ليس مفهوماً إرهابياً وسام سعادة ليسَ صحيحاً أن ظاهرة «الارهاب»، وتحديداً ظاهرة «الارهاب الدولي«، تفتقد سندا تشخيصيا ومكافحا لها في القانون الدولي، الا ان كان الرأي أن هذا القانون الدولي يفتقد بدوره دعامات راسخة في البنيان الحقوقي. لطالما شغلت «ثقافة الممانعة» نفسها بادعاء أنها في انتظار وضع تعريف دولي وحيد الصياغة للارهاب كي تعرف من ثم ان كان بعض ما يقترف هنا وهناك يسمّى ارهاباً، أو هو حق مشروع تكفله الشرائع السماوية والوضعية على حد سواء. وقد يتحصّن هذا الادعاء وراء ما يعتور مفهوم الارهاب من خلل عند صياغة تعريف له، حاله في ذلك حال كل مفهوم يحتاج الى تعريف. لكن أن يصار الى نسف المفهوم من أساسه، فهذا ما لا يجوّزه القانون الدولي، الذي له تراث يجمل النظرة الى الارهاب بما هو وسيلة تتمثّل في القيام بأعمال عنيفة (اعتداءات. اغتيالات. أعمال خطف. أعمال تخريب لمنشآت) ضد حكومة أو ضد سكّان يمدّون هذه الحكومة بأسباب الشرعية، وبحيث إن الأثر النفسي لهذه الأعمال العنيفة يتقصد مجاوزة الدائرة المباشرة للضحايا لأجل بلوغ الجماعة المفترض بهؤلاء الضحايا تمثيلها. وفي التعريف الذي اعتمدته الأمانة العامة للأمم المتحدة عام 2004 قدّم الارهاب على أنه كل عمل يتقصد التسبّب بموت أو بجروح بالغة لمدنيين عزّل أو حتى لعسكريين ليسوا يقاتلون، وذلك عندما يكون الهدف من هذا العمل ترهيب السكان أو اجبار حكومة أو منظمة دولية على اتخاذ قرار ما كانت بصدد اتخاذه أو على الاحجام عن اتخاذ قرار. وفي كل الحالات، ثمة اجماع تصوري يجتاز كامل التاريخ الحقوقي للارهاب في الغرب، ويتفق على أن الجرائم الارهابية هي الجرائم التي لا تميّز بين مدنيين وعسكريين، والتي لا تتورع عن استهداف المدنيين من حيث هم مدنيون، رامية في ذلك الى التأثير على آلية القرار السياسي من خلال بث الرعب في السكان. ثمة في الفعل الارهابي ما يمثل بحد ذاته الاحتجاج الأمضى والأكثر ضراوة على تقسيم السكان بين مدنيين وعسكريين، وهو تقسيم من جملة سمات قامت عليها الحداثة السياسية الغربية. صحيح أنه ليس ثمة تعريف وحيد وكلي للارهاب، لكن ثمة تراثا تعريفيا دائما يعتمد في القانون الدولي وفي المؤسسات الدولية، وأكثر من اثنتي عشرة معاهدة دولية تتناوله من خلال تناولها لخطف الطائرات ولتمويل المنظمات الارهابية وما الى ذلك. وفي كل الحالات، فان المتفق عليه، أن تعريف الارهاب يكون بطبيعة الفعل لا بطبيعة القضية التي يتلطى بها هذا الفعل. بكلمة أخرى، اذا كان مفهوم الارهاب بحاجة الى المزيد من الاحاطة والتحديد في القانون الغربي، فلن يكون ذلك من بوابة «التمييز بين مقاومة وارهاب»، اذ يمكن مثلاً أن تقوم حركة مقاومة في بلد ما وتعتمد وسائل ارهابية، ولا تناقض أبداً من حيث المبدأ بين المقاومة والارهاب. فالمقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي استخدمت وسائل ارهابية في أحيان كثيرة، طاولت مدنيين كثرا كانوا يؤيدون السلطات المتعاونة مع الاحتلال، ولم تتحرج هذه المقاومة من أنها استخدمت هذه الوسائل، بل لم تتحرّج من أن تسمّيها باسمها كوسائل ارهابية. الأمر نفسه ينسحب على حالات كثيرة، اذ إن الفارق بين كفاح «النارودنيين» و«الاشتراكيين الديموقراطيين» في روسيا القيصرية مثلاً، هو أن الأوائل كانوا يعتمدون الارهاب الفردي كأداة أساسية للنضال، في حين لم يكن الآخرون لينكروا مثل هذه الوسيلة، لكنهم كانوا يجملونها في عداد الوسيلة الثانوية. من هنا يمكن أن يعمل التفريق بين حركات تلتجئ من جملة ما تلتجىء الى الأعمال الارهابية، وبين حركات كل قوامها ارهاب في ارهاب. طبعاً، المثال الأبرز على ذلك في عالمنا يبقى تنظيم القاعدة. واذا كان الارهاب يفتقد تعريفا واحدا جامعا من دون أن يفتقد دلالته الأساسية في القانون الدولي المعاصر، فلأن العلاقة بين أنواع الارهاب ليست علاقة «ترادف» وليست فقط علاقة «اشتراك» في الاسم، وانما هي علاقة «تواطؤ» وظيفي من حيث الأساليب والدلالات، اذ إن «الارهاب الفردي» يختلف كمفهوم عن «ارهاب الجماعات» الذي يختلف عن «ارهاب (أجهزة) الدولة» الذي يختلف عن «ارهاب الجماعات المحرّكة أو الممولة من قبل دولة» الذي يختلف عن «ايواء دولة لمنظمات ارهابية» الذي يختلف عن مفهومي «الارهاب الدولي» و«الارهاب الفائق». ولعلّ المفهوم الأكثر التباساً ليس «الارهاب» بحد ذاته، وانما «الارهاب الدولي». طبعاً يحاول التخفيف من وقع هذا الالتباس باستحضار صورة التمدّد السرطاني في أكثر من بقعة، بحيث ينظر الى المنظمة التي تتعاطى في الارهاب الدولي بأنها غير محددة في اقليم جغرافي بعينه، ولها امتدادات وأذرع حيثما كان، ومن هنا، فان «الحرب العالمية على الارهاب» المكرّسة دولياً بقرار مجلس الأمن الرقم 1377 الصادر بتاريخ 12 تشرين الثاني ,2001 انما هي حرب ضد «الارهاب الدولي» فحسب، وليس ضد الأشكال الأخرى من الارهاب، وهي تخص «أعمال الارهاب الدولي التي تشكل احد التهديدات الأكثر جسامة للسلم والأمن الدوليين في القرن الحادي والعشرين، وتحدياً لكل دولة وللانسانية جمعاء». الالتباس ينحصر اذاً في تعريف ماهية «الارهاب الدولي» وليس تعريف ماهية «الفعل الارهابي» بحد ذاته، الذي هو حصراً، استهداف المدنيين كمدنيين واستهداف فكرة التمييز نفسها بين مدنيين وعسكريين. أما الانقضاض رأساً على مفهوم الارهاب بقصد ابطاله، باحتساب غياب النص المتفق عليه بالاجماع الكلي للبشرية، فهو انقضاض كل ما يريد قوله ان مفهوم الارهاب بحد ذاته هو مفهوم ارهابي، وان القانون الدولي هو أيديولوجيا الامبريالية العالمية. وهذا حظّ «ثقافة الممانعة» عند التطرق الى كل موضوعة حقوقية. ان كل نقد للممانعة هو نقد لثقافة الحق عند الممانعة. عن صحيفة السفير اللبنانية 15/9/2007