هناك طائفة كبيرة من أهل "المتكلمة" في المسألة الإرهابية؛ وكلما وقع حادث إرهابي مثل ذلك الذي جري في دهب أو ذلك الذي جري في رفح والعريش فإن المتحدثين الكثر في الفضائيات العربية الكثيرة لا بد وأن يعرجوا إلي ضرورة تنفيذ اقتراح الرئيس مبارك في عام 1986 بعقد المؤتمر الدولي للإرهاب. ومن الحديث سوف تشعر أن مصر كانت لديها هذه المبادرة الفعالة لمقاومة هذا المرض الإنساني، ولكن قوي أخري عاتية وغامضة في آن واحد، تمنع هذا المؤتمر من الانعقاد. ولكن بعد أن ينتهي المتحدث من الغمز واللمز فإن اقتراح المتحدث عن عقد المؤتمر الدولي للإرهاب سوف يتوقف، ولا تعلم بعدها ما هي وجهة النظر في موضوع هذا المؤتمر وقائمة أعماله ومن يدعي له ومن يشارك. وفي أغلب الأحوال فإن المتحدث عن المؤتمر الدولي للإرهاب لن يعلم أبدا أن مثل هذا المؤتمر قد عقد بالفعل أكثر من مرة، واحدة منها جرت في المملكة العربية السعودية التي عقدت في الرياض مؤتمرا دوليا للإرهاب وشاركت فيه مصر بوفد من وزارة الخارجية المصرية، وأصدر الكثير من التوصيات الخاصة بمقاومة الإرهاب. وفي الذكري الأولي مارس 2005 لحادث مدريد الإرهابي عقدت أسبانيا مؤتمرا دوليا كبيرا حضره عشرات من رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية وحضره السيد عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية وشارك فيه عدد من المصريين بصفتهم خبراء وباحثين ولكن الدولة المصرية لأسباب غير مفهومة لم تشارك في هذا المؤتمر. ولمن لا يعلم أيضا فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة تخصص جزءا من أنشطتها السنوية لمكافحة الإرهاب علي المستوي العالمي، ومن أجل ذلك شكلت لجنة خاصة أحد أعضائها السيد عمرو موسي أيضا وضعت تعريفا للإرهاب يعتبره كل عنف موجه للمدنيين لتحقيق أهداف سياسية. مثل هذا التعريف هو أكثر ما يخلق حالة من الازدواجية في الموقف المصري من مقاومة الإرهاب علي المستوي الدولي، فمن ناحية فإن مصر كانت من أوائل الدول التي طالبت بعقد مؤتمر دولي لمقاومة الإرهاب علي أساس أن التعاون الدولي واحدة من أهم وسائل المقاومة لأن الإرهاب ظاهرة عالمية ليواجهها إلا تعاوني دولي لتعقب التمويل ووسائل الانتقال والتدريب وحتي الدعاية والإعلام. ولكن مصر، أو من يمثلها، لا تجد في كل محفل دولي خاص بالإرهاب إلا قضية تعريف الإرهاب وضرورة تمييزه عن المقاومة التي تعد حقا مشروعا للشعوب والأمم. ولما كان هذا التعريف والتمييز ليس بالسهولة المتوقعة فإن القضية المصرية تنتهي عند هذه الحالة لأنه لا يصبح مفهوما عما إذا كانت مصر جادة في الموضوع وأنها بالفعل من الدول التي تكتوي بنار الإرهاب وبالتالي تسعي بكل الطرق لمقاومته بما فيها أكبر تعاون دولي ممكن، أو أنها من الدول المهتمة بالحصافة والدقة القانونية وبالتالي فإنها علي استعداد لتأجيل التعاون إلي أي مدي زمني حتي يتم التعريف الدقيق. وحتي عندما توصلت اللجنة الدولية المنبثقة عن الأممالمتحدة إلي تعريف لم يبد علي مصر دلائل الاقتناع وظل كل من يمثلها يرفع موضوع التعريف من جديد. وفي أحيان كثيرة بدا الموقف المصري مهتما بتبرير عمليات المقاومة الفلسطينية بأكثر منها اهتماما بمواجهة الإرهاب الذي يهددها كما يهدد باقي دول العالم. ولم يكن التعريف وحده هو القضية بل كان أيضا توسيع الموضوع الإرهابي لكي يشمل ما يسمي بإرهاب الدولة، وهي قضية هامة ولكن المشكلة فيها أنها تفتح أبواب جهنم علي التعاون الدولي؛ فيكاد من المستحيل أن يطلب أن تعترف الهند بأن استخدامها للعنف ضد الجماعات الباكستانية المسلحة هو نوع من إرهاب الدولة، أو أن تعترف روسيا بأن ما تقوم به في الشيشان هو نوع من إرهاب الدولة، وكذلك بالنسبة لإسرائيل والفلسطينيين، والأمريكيين والعراقيين. ولو أن كل دولة لديها نوع أو آخر من إرهاب الدولة فإن فكرة المؤتمر "الدولي" لا يصبح لها أساس لأن الدول لا تعقد مؤتمرات تكون مهمتها الأولي إدانتها ورفض سياسات تراها خاصة بالأمن القومي. ويصبح ما تطالب به مصر من تعاون ضد الإرهاب يكون فيما يخصها فقط أما ما يخص الآخرين فهو يبحث في إطار حق تقرير المصير أو حق الشعوب المشروع في المقاومة. وليس معني ذلك أن فكرة المؤتمر الدولي لمقاومة الإرهاب ليست فكرة سديدة، أو أنها ليست من الوسائل التي تساعد مصر علي مقاومة الإرهاب الذي يضرب أراضيها، فمن المؤكد أننا نحتاج إلي أكبر تعاون دولي في هذا المجال. وبصراحة فإن الدول الكبري والعظمي بما فيها الولاياتالمتحدة والدول الأوربية وروسيا والهند والصين هي التي لديها الوسائل المادية والتقنية والمعلوماتية الخاصة بهذه المواجهة، وحتي يمكن الاستفادة منها فلا بد من تكوين حالة من المصالح المشتركة وليس خلق حالة من المواجهة مع من نريد التعاون معهم. وإذا كانت مصر تريد تحالفا دوليا يعينها ضد الإرهاب فإن اعتبارات التحالف لا بد وأن تعلواعلي أية اعتبارات أخري، ويكون ذلك أساسيا فيما يخص الأمن القومي بأكثر من كل المجالات الأخري. وإذا كان ذلك هو الطريق فربما يكون مفيدا أن نعد لمؤتمر وندعو العالم للمشاركة فيه بحيث يكون مؤتمرا للتعاون وليس للمواجهة، وساعتها سوف يأتي الجميع!.