في إطار الاهتمام الدولي والإقليمي بمنطقة القرن الأفريقي باعتبارها منطقة ربط للتجارة الدولية وتشرف على مناطق إنتاج ونقل البترول, يأتي الاهتمام الأمريكي بهذه المنطقة لاسيما الصومال, فلقد اهتمت الولاياتالمتحدة بتحقيق نوع من النفوذ في منطقة القرن الأفريقي لأهميتها يعادل النفوذ الفرنسي والبريطاني، ولم تقتصر أهمية منطقة القرن الأفريقي للولايات المتحدة على جانبها الاقتصادي، بل والعسكري، فتهدف الولاياتالمتحدة لإقامة قواعد عسكرية في المنطقة تحاصر بها مصر والسودان والدول العربية المطلة على البحر الأحمر عموماً، وهذا ما تهدف إليه إسرائيل أيضاً، ولذلك فهي على علاقة وثيقة بإثيوبيا.
ومنذ تسعينات هذا القرن ركزت الولاياتالمتحدة جل اهتمامها بالصومال، فهي التي تملك أكبر ساحل على المحيط الهندي. ونجحت بالفعل في الدخول بقواتها ضمن إطار قوات الأممالمتحدة في ذلك الوقت، بل واستصدرت قراراً من مجلس الأمن بالسماح لتلك القوات بالحرب بدعوى القضاء على أمراء الحرب في الصومال بعد سقوط نظام سياد بري, ولكن بعد تمكن قوات الجنرال عيديد بإسقاط طائرتين عموديتين أمريكتين وقتل 11جندي أمريكي وسحب جثة أحد الجنود المقتولين الأمريكان في شوارع مقديشيو وانتشار تلك الصورة على نطاق واسع إعلامياً، فأحرج هذا بيل كليتون وزاد سخط الرأي العام الأمريكي ضده وضد المشاركة فى هذه الحرب، فأعلن كليتون على أعقاب هذه الفضيحة الإعلامية انسحاب القوات الأمريكية من الصومال في 31\1\ 1994، وهو ما يستدعي الآن الإخفاق الأمريكي في العراق ومشاهد إعادة جثث الجنود الأمريكان لأهلهم، مما أثار سخط الرأي العام الأمريكي ضد بوش وضد الحرب على العراق.
ومنذ تاريخ انسحاب القوات الأمريكية من الصومال فإن التكنيكات الأمريكية لمنطقة القرن الأفريقي ولاسيما الصومال تغيرت، لكن الاستراتيجية والأهداف ثابتة, ولهذا لجأت الولاياتالمتحدة لدولة إقليمية تعمل لحساب مصالحها الاستراتيجية على أن تكون هذه الدولة تشاركها نفس المخاوف والرغبة في صومال ضعيف ومفكك فكانت إثيوبيا.
فمنذ أن قام الاحتلال البريطاني بتسليم إقليم أوجادين الصومالي إلى إثيوبيا عام 1954 وأصبح البلدين في حالة صراع وحروب دائمة, فدخل البلدين حرب عامي 1977- 1978، ونجحت القوات الصومالية في تحرير جزء من إقليم أوجادين، إلا أنها انسحبت بسب التواطؤ الدولي، وبالتالي إثيوبيا تريد صومال مفكك لأن قوة الصومال ستكون دعماً لحركات المعارضة العرقية والدينية فى إثيوبيا ولهذا تتدخل إثيوبيا والولاياتالمتحدة في تعين القادة وتشكيل الحكومة بل تحولا التغير في مناهج التعليم ومنع مراكز حفظ القرآن الكريم حتى لا تظهر الصومال كقوة إسلامية تهدد مصالحهم الاستراتيجية.
ولذلك فعندما صعد نفوذ المحاكم الإسلامية في الصومال كنتيجة لأنها تمكنت من القضاء على الفوضى والفتن وأمراء الحروب, كما استطاعت توحيد العاصمة خلال فترة وجيزة وفتحت المطار الدولي وميناء مقديشيو، أثار ذلك هاجس الولاياتالمتحدة بإقامة دولة إسلامية يمكن أن تصبح نموذجاً منافساً للنموذج الأمريكي، لذلك تقوم إثيوبيا بحرب بالوكالة عن الولاياتالمتحدة التي قدمت لها كل إمكانيات الحرب من أموال ومعلومات وأسلحة وطائرات وتأيد سياسي تحت دعوى القضاء على التهديد الإرهابي ونشر الاستقرار في الصومال، وقامت إثيوبيا بحرب بالوكالة دمرت فيها ثلثي بيوت العاصمة مقديشيو وشردت كل سكانها، وامتلأت المستشفيات بالجرحى والشوارع بجثث القتلى مما زاد الأوبئة والأمراض، فأين الدور العربي والإسلامي؟ ** مصر