لا تزال شوكري عبد الله محمد مسكونة بالمشاهد المرعبة للجنود وهم يغيرون على قريتها في منطقة أوجادين النائية بشرق إثيوبيا صبيحة أحد أيام يونيو الكئيبة. "لن أنسى ذلك".. هكذا بدأت الأم لسبعة أطفال روايتها عن المعاناة التي مرت بها، وهي تتحدث من داخل معسكر رث للاجئين في مدينة بوساسو الصومالية الساحلية. الناس في قرية كامودا، التي تسكنها 200 أسرة في أوجادين، تجمدوا من الرعب في صبيحة ذلك اليوم من يونيو عندما داهم 180 جنديا القرية، واختطفوا سبعة فتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و18 عامًا، حسبما تروي شوكري. ولاحقا، عثر أهالي القرية الذين ملأهم الرعب على ثلاثة من الفتيات غارقات في دمائهن وعليهن آثار الضرب ومعلقات في شجرة، فيما لم يتم التعرف على مصير الأربع الأخريات. ويطرق الجنود الأبواب كل ليلة بحثًا عن امرأة ليغتصبوها، بحسب رواية شوكري لصحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية. "لا أريد أن أنتظر حتى يحدث ذلك لعائلتي".. حسبما تضيف شوكري التي فرت من القرية بعد أيام من قيام الجنود باختطاف طفل في الثانية عشرة من عمره تناوبوا اغتصابه. "الرجال والنساء والأطفال - قتلناهم جميعا".. حسبما يسترجع جندي إثيوبي سابق انشق على الجيش، كيف كان يتلقى الأوامر لإحراق القرى، وقتل جميع ساكنيها. ويضيف، متحدثا ل"ذي إندبندنت"، قوله: "أبلغونا أننا نقاتل رجال عصابات.. لكننا كنا نقتل المزارعين.. لم يكونوا رجال عصابات". دارفور المخفية وقصة كامودا ليست سوى مثالٍ واحدٍ فقط لأشكال الفظائع التي ترتكبها القوات الإثيوبية ضد شعب أوجادين، حسبما أفادت "ذي إندبندنت" ويتبع الجيش سياسة الأرض المحروقة في أوجادين بحجة محاربة جبهة التحرير الوطنية، وهي مجموعة تقاتل منذ عام 1987 للحصول على قدر أكبر من الحكم الذاتي للمنطقة المسلمة التي تفتقر إلى التنمية. وفي أوجادين يفر نحو 100 إثيوبي من منازلهم كل يوم ويلتمسون المأوى بأكواخ اللاجئين المصنوعة من الخشب والورق المقوى على مشارف مدينة بوساسو الصومالية. وبحسب تقديرات مراقبين، فإن عدد الأشخاص النازحين جراء حملة الجيش بلغ 200 ألف. ويحكي اللاجئون عن الكيفية التي يحرق بها الجنود منازلهم ويغتصبون نساءهم ويقتلون المدنيين في حملة منظمة. ويتهم هؤلاء اللاجئون الحكومة بتجويع شعب أوجادين عبر منع قوافل الغذاء من الوصول إلى القرى إضافة إلى تدمير المحاصيل والماشية. وتقول "ذي إندبندنت": إنه فيما تتمكن وكالات الإغاثة من إقامة معسكرات في إقليم دارفور السوداني المضطرب فقد منعوا من إقامتها في أوجادين. وفي هذا الإطار تم طرد الناشطين من اللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من المنظمات الطبية والإنسانية من أوجادين، كما منع الصحفيون من دخولها. ولا يزال السيناريو الأسوأ لم يأت بعد، ففيما وصفت الولاياتالمتحدة الوضع في دارفور بأنه "إبادة جماعية" ووصفته الأممالمتحدة بأنه "جرائم ضد الإنسانية" لم يسمع أحد بأن المجتمع الدولي أدان العمليات الوحشية التي يقوم بها الجيش الإثيوبي في أودجادين. وعلى الرغم من السماح لفريق من الأممالمتحدة بالدخول إلى أوجادين الشهر الماضي للتحقيق في انتهاكات القوات الإثيوبية فإن محتوى تقرير ذلك الفريق لم يعلن عنه. واشنطن العمياء وإضافة إلى التغاضي الأممي عن مشكلة أوجادين، فإن واشنطن، التي تدعم على الدوام أديس أبابا حليفها الإستراتيجي الإفريقي في الحرب على "الإرهاب" تغض الطرف بدورها عن تلك المشكلة. وزارت جينداي فريزر مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشئون الإفريقية أوجادين الشهر الماضي، وخرجت لتقول: إن التقارير عن انتهاكات الجيش لحقوق الإنسان "مجرد مزاعم". وأضافت قائلة: "نحث جميع الحكومات على احترام حقوق الإنسان ومحاولة تجنب إيقاع ضحايا مدنيين، لكن هذا صعب في التعامل مع أي تمرد". وتعد إثيوبيا حليفا قويا للولايات المتحدة في منطقة القرن الإفريقي الإستراتيجية. وتتدفق الأسلحة والخبراء الأمريكيون وملايين الدولارات في شكل مساعدات عسكرية إلى إثيوبيا. كما قام الجيش الأمريكي بتدريب القوات الإثيوبية في قواعد بالمنطقة الشرقية من البلاد. وقدمت الولاياتالمتحدة دعما كاملا للتدخل الإثيوبي في الصومال نهاية 2006 للإطاحة باتحاد المحاكم الإسلامية. ودافعت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش عن التدخل بوصفه "قسما هجوميا" في إطار الحرب على "الإرهاب".