هل يفيد الاميركان من تجاربهم؟ ابراهيم العجلوني هل افاد الاميركان حقا من تجربة فيتنام؟ ان من يقرأ وقائع التورط الاميركي في المشرق العربي الاسلامي لا بد ان تأخذه الدهشة لقدرة العقل السياسي الاميركي على الوقوع في الاخطاء نفسها التي كان وقع فيها في المواجهة الاميركية الفيتنامية وعلى تكرار الحماقات نفسها التي انتهت بهزيمة الولاياتالمتحدة الاميركية وانسحابها المذل من بلاد اعترف جنرالات الجيش الأميركي بان لشعبها ''قدرة مذهلة على امتصاص التضحيات والتعافي السريع من آثار المعركة''، وبأنهم ؟ وكما قال ''دين راسك'' وزير خارجية اميركا في عهدي كينيدي وجونسون ''لم يقدروا صلابة الفيتناميين حق قدرها''، هذه الصلابة التي ظلت متصاعدة الوتائر، على الرغم من سقوط مليون مقاتل وثلاثة ملايين مواطن مدني فضلاً عن اكثر من مليون جريح ومشوه. كان من المتوقع ان يعتبر الاميركان بما كان. وبأن لا يعيشوا تجربة اخرى تحملهم على ان يرددوا ما كان قاله هنري كيسنجر، في اعقاب الحرب الفيتنامية حين قال: ''سيظل شبح فيتنام يلاحقنا لزمن طويل، فقد زلزلت هذه الحرب ثقة الولاياتالمتحدة بنفسها، واثارت شكوكا في صحة تقديرنا للامور وفي مصداقية قدراتنا العسكرية''؛ وان من ابرز الاخطاء المتكررة للاميركان في المشرق العربي الاسلامي انهم بنوا مواقفهم على ما يشبه الجهل المطبق بالواقع الذي سيواجهونه، على الرغم من دعاوى خبرائهم والمستشارين الذين تزدحم بهم وزارة دفاعهم، ومراكز الدراسات التي تمدهم بالمعلومات. يقول الاستاذ محمود الشريف، رحمه الله، في كتابه الذي اعتمدناه فيما سقناه من نُقُول: ''الارض المتمردة: صورة من فيتنام'': ''ان من يقرأ قصة التورط الاميركي في فيتنام تنتابه الدهشة كيف تضافر في هذه الدولة التي تملك اكثر عدد من مراكز الابحاث والدراسات في العالم، ولديها اقوى جهاز للتجسس وجمع المعلومات، وتعيش في ظل نظام ديمقراطي (مفتوح) يفترض ان تتداول فيه المطبوعات بحرية.. يذهل كيف تضافر الجهل والكذب والتضليل المقصود والخطأ في الحساب والبيروقراطية والغرور وغطرسة القوة؛ ليدفع بأقوى دولة في العالم الى اتون حرب مجنونة ضارية مع شعب زراعي فقير لم يكن عدوا لها ولم يهدد مصالحها بأية صورة من الصور، ويبعد عن شواطئها بألوف الأميال''. واذ نكتفي بهذا الوصف الجامع من الاستاذ الراحل محمود الشريف فاننا نملك ان نعقد المقارنة بين ما كان من عماية الادارة الاميركية قبل حرب فيتنام وما كان من ذلك قبل الحرب على العراق، ولكن بفارق لا بد ان نأخذه بعين الاعتبار هو دور اسرائيل المحوري في هذه الحرب، وكونها المستفيد الأول منها. لقد اعلن الرئيس الاميركي بوش (الصغير) في بدايات حربه الصليبية(!) على العراق انه يخوضها بسبب ما جاءه من تقارير مؤكدة بان العراق على اتصال بتنظيم القاعدة المسؤول ؟ في ظاهر الأمر ؟ عن حوادث الحادي عشر من سبتمبر، وبأن العراق مزروع بأسلحة الدمار الشامل التي تشكل خطرا على البشرية وصاحب هذا الاعلان الذي تبين كذبه جملة وتفصيلا حملة اعلامية شرسة تمهد لاحتلال العراق، وهي حملة ساهم فيها ؟ للاسف ؟ كتاب محسوبون على العرب، مثل شاكر النابلسي الذي كتب مقالة محرضة بعنوان ''كل الصيد في جوف الفرا'' دعا فيها الاميركان الى عدم تصديق العراقيين فيما يقولونه عن خلو بلادهم من تلك الاسلحة؛ ثم كان ما كان بعد من احتلال، ثم من مقاومة، ثم من اوضاع مضطربة وتعقيدات بالغة، وكل ذلك محمول على ما سماه الاستاذ محمود الشريف رحمه الله: ''تضافر الجهل والكذب''؛ الجهل بالواقع الانساني في العراق، وبما يمور فيه من اسباب رفض الاحتلال ومقاومته، والكذب المكشوف على النفس وعلى الاخرين، مع مزيد تضليل للشعب الاميركي الذي كُتب عليه ان يدفع ضريبة سيطرة اللوبي الصهيوني على اداراته المتتابعة عقودا متتابعة من السنين. ويظل سؤالنا قائما: ''هل افاد الاميركان حقا من تجربة فيتنام''؟ ويظل مشروعا على المستويين الواقعي والمنطقي، لما نراه من انه على الرغم من وضوح الاجابة على هذا السؤال، فان دوائر اعلامية اميركية (واوروبية) ومؤسسات اكاديمية ومراكز ابحاث معتمدة، وطائفة من مستشرقي الاستعمار (برنارد لويس الصهيوني مثلا) .. كل اولئك حريصون على ان تظل التعمية فاعلة والغموض سائدا، وان لا يتبين الشعب الاميركي حقيقة ما هنالك، وان من المحتمل، لو استمر الاحتلال، ان يتصاعد عدد القتلى الاميركان، - كما كان الامر في فيتنام ؟ ليصل الى رقم يقارب رقم ''الثمانية وخمسين ألف رجل الذين نقشت اسماؤهم على نصب تذكاري اقيم في واشنطن'' فضلا عن مئات الألوف من الجرحى والمشوهين والمرضى العصبيين، كما جاء في كتاب الاستاذ محمود الشريف، الذي اعتقد انه كتاب رائد، لم ننتبه الى عمق التحليل فيه واتساع الرؤية على الرغم من مرور ثلاثة عشر عاما على نشره. اننا نطالب الادارات الاميركية ان توازن في سياساتها (ولا سيما المشرقية العربية الاسلامية منها) بين مطالب اللوبي الصهيوني وبين مطالب ومصالح الشعب الاميركي، ذلك اننا استيئسنا من ان تتحرر الولاياتالمتحدة الاميركية من قبضة هذا اللوبي المحكمة على رؤسائها ومؤسساتها الاعلامية والاكاديمية والاقتصادية.. ذلك مطلب عسير المنال، ولا اقل في مثل هذه الحال العجيبة من المطالبة بالتوازن حسب بين مصالح الشعب الاميركي ومطالب الصهيونية.. وذلك اضعف الايمان، الى ان تستعيد امة العرب والمسلمين عافيتها، وتعرف كيف تدافع عن نفسها، وكيف تسترد حقوقها وكيف تُلزِم العالم كله باحترام هذه الحقوق. عن صحيفة الرأي الاردنية 16/8/2008