التسويات ومنطق إقصاء الآخر رضى السماك تتعامل “إسرائيل" والولاياتالمتحدة مع الجهود والمحاولات المبذولة لحل أزمات المنطقة المزمنة المتصلة بالصراع العربي “الإسرائيلي" والتي لكل منهما دور أساسي في خلقها وفي تعقيدها، بمنطق دفن الرؤوس في الرمال، وذلك كما يتمثل في إنكار دور أطراف أساسية ومهمة في حل الأزمات القائمة، ولعل في مقدمة هذه الأطراف في ما يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية حركة حماس، وفي ما يتعلق بتسوية الأزمة السياسية الداخلية اللبنانية هناك حزب الله اللبناني، إذ اعتادت “إسرائيل" والولاياتالمتحدة أن تنددا في خطابهما السياسي اليومي بهذين الطرفين الفلسطيني واللبناني وتوصماهما بالإرهاب، لكن هل وقف كل منهما وقفة تأمل موضوعية صادقة مع النفس ليتساءل عما إذا يمكن فعلاً حل أي من القضيتين الفلسطينية واللبنانية بإقصاء هذين الطرفين وتغييب أي دور لكل منهما في القضية التي تخصه؟
بطبيعة الحال، الجواب معروف بالنفي، والسبب يتمثل ببساطة في أن كلتا الدولتين لا ترغبان حقاً في إنجاز تسوية حقيقية لكلتا المشكلتين دونما أن تفرض كل منهما ما يلائم مصالحهما الأنانية وسياساتهما وفرضها على الأطراف الضعيفة بعيداً عن أي دور لهاتين الحركتين الفلسطينية واللبنانية، “حماس" و"حزب الله"، لكن هل تساءلت “إسرائيل" والولاياتالمتحدة عن أسباب فشل كل مشاريع التسوية التي تجرى بإقصاء حركة “حماس"؟ وهل تساءلت الولاياتالمتحدة عن عجز أي حوار أو مشروع لحل الأزمة الداخلية اللبنانية باستبعاد حزب الله؟
في أتون المجابهات المحتدمة التي خاضها طرفا الصراع الداخلي اللبناني، الموالاة والمعارضة، عجز كل منهما عن حل القضية بإقصاء الآخر ووجد أنه محكوم، طال الزمن أم قصر، بالتوافق وأن لا حل باستبعاد أحدهما عن الآخر. وهكذا جاء حوار الدوحة الذي انتهى باتفاق الدوحة بغض النظر عن العراقيل التي واجهت تشكيل الحكومة بعد انتخاب رئيس الجمهورية ميشال سليمان.
وفي أتون المجابهات المحتدمة التي خاضها طرفا الصراع الداخلي الفلسطيني، السلطة الفلسطينية و"حماس"، عجز كل منهما عن تمثيل شعبه بالكامل والسيطرة على أوضاع الضفة وغزة سيطرة كاملة بمفرده عبر إقصاء الآخر، ووجد كل منهما أنه محكوم، طال الزمن أم قصر، بالتوافق، وأن لا حل لقضية شعبهما أو قيادة نضاله باستبعاد أحدهما للآخر. وهكذا بعد المجابهات تجددت الدعوات الأخيرة للحوار الوطني الفلسطيني وإعادة تشكيل حكومة وحدة فلسطينية، وإن كانت محاولات انعقاد هذا الحوار المأمول تتعثر تحت تأثير تداعيات طول المجابهات المحتدمة وتراكمها.
وإذا كانت صحوة طرفي الصراع على الساحتين الفلسطينية واللبنانية بضرورة الحوار والاعتراف بالآخر قد جاءت متأخرة فإن الدرس الذي ينبغي أخذه من هذا الصراع هو ضرورة الإدراك الذاتي بعبثية وعقم منطق الإقصاء أو الاجتثاث للطرف الآخر على الساحة السياسية، ما دام هذا الطرف ذا وزن وتأثير محسوس على هذه الساحة. وهو ما ينبغي أن تتعظه تماماً كل من “إسرائيل" والولاياتالمتحدة، فلو أن الطرفين الفلسطيني واللبناني اللذين يتمتعان برضا واشنطن، السلطة الفلسطينية والحكومة والموالاة اللبنانية، سار كل منهما بمعاملة “حماس" و"حزب الله" كمنظمتين “إرهابيتين" لما تحقق أي حل لتسوية الصراع الداخلي على كلتا الساحتين، لا بل لكان من واجب واشنطن أن تحاكم السلطة الفلسطينية والحكومة اللبنانية لأنهما تتحاوران وتتعاملان معهما.
لقد باركت واشنطن وأيدت اتفاق الدوحة، لكنها لم تتساءل عما إذا كان هذا الاتفاق يمكن إنجازه باستبعاد أحد أطرافه الأساسية ألا هو “حزب الله".
وقصارى القول إن منطق “النعامة" بالتعامي عن الواقع ودفن الرؤوس في الرمال هو الذي يحكم في الواقع مواقف وسياسات الولاياتالمتحدة و"إسرائيل" بتجاهل وجود أطراف أساسية لها أدوارها الفاعلة في تسوية المشكلات القائمة، وهو المنطق نفسه الذي يحكم للأسف طرفي الصراع الداخلي على الساحتين الفلسطينية واللبنانية عبر محاولات كل طرف إقصاء الآخر أو التقليل من شأنه أو محاولة اجتثاثه. عن صحيفة الخليج الاماراتية 12/8/2008