في انتظار تقرير بترايوس كروكر جيمس زغبي حتى الآن تترقب واشنطن ظهور الجنرال ديفيد بترايوس والسفير ريان كروكر أمام الكونغرس. فهما سيدليان بشهادتيهما في الحادي عشر من سبتمبر القادم حول التقدم (أو عدمه) في العراق منذ نفذ الرئيس جورج بوش خطته الخاصة "بزيادة القوات" الأميركية في العراق لدعم الاستقرار السياسي والأمن العسكري هناك. ومحتوى تقريرهما يمكن أن يُستخلص إلى حد كبير من المؤتمرات والإيجازات الصحفية وتقرير تقييم الاستخبارات الوطنية الأميركية حول العراق والمنشور هذا الأسبوع. إن "زيادة القوات" الأميركية في العراق في الوقت الذي لها فيه تأثير مشكوك فيه في العراق قد هزت بالفعل السياسة هنا في الداخل الأميركي. وبصرف النظر عن كيف أن الإدارة الأميركية تحبك الوضع في عراق ما بعد "زيادة القوات"، يظل الوضع قاتما. فالقتل يستمر حيث تتصاعد الخسائر بين الأميركيين والعراقيين. وفي مرحلة ما. سعت إدارة بوش إلى ميزة ما، مشيرةً إلى إجمالي الخسائر الأميركية الأقل في شهر يوليو كدليل على النجاح. ولكن ذلك يجابهه ويعاكسه مباشرة حقيقة أنه في السنوات العديدة الماضية، كانت أرقام خسائر شهر يوليو في كل السنين الماضية بين القوات الأميركية في العراق أقل دائما وكانت أرقام خسائر شهر يوليو لهذا العام أعلى فعلا من أرقام الماضي. وبينما الوفيات بين العراقيين منخفضة في المناطق التي كان فيها زيادة في وجود القوات الأميركية، كما تنبئ به، فإن العنف انتقل إلى أجزاء أخرى من العراق. وفي الوقت نفسه، ما زال كثيرون جدا من العراقيين بدون كهرباء ولا مياه ولا أمن أساسي. وهناك أكثر من أربعة ملايين عراقي إما لاجئون أو مشردون ونازحون داخليا، وما زالت الديناميكية السياسية الداخلية للبلد مضطربة كعهدها. ومع ذلك، فإن قدوم 30.000 جندي أميركي إضافي في المناطق المستهدفة وكذلك التكتيكات الجديدة المستخدمة في المناطق الأخرى (بالتعاون مع بعض القبائل السنية ضد عناصر"القاعدة") كان له بعض التأثير. ولكن التقدم هنا يأتي مع الخطر المحتمل المتمثل في مزيد من إضعاف الحكومة المركزية العراقية. وعلى أية حال، فإن البيت الأبيض كان قادرا على ربط هذا التقدم المحدود لصالحه. وبينما ما زال ثلثا الشعب الأميركي يعتقدون أن الحرب كانت خطأ وبينما يريد كثيرون انسحاب الولاياتالمتحدة، فإن هناك الآن زيادة في عدد الأميركيين الذين يعتقدون أن "زيادة القوات" تجعل الوضع أفضل في العراق. وتظهر أرقام استطلاعات الرأي لهذا الشهر أن 29% من الأميركيين يشعرون على هذا النحو، فيما عارض ذلك 19% فقط في الشهر الماضي. وتمسك الإدارة الأميركية بورقتين في يديها. فمن جانب، يعاف معظم الأميركيين من انتقاد الجيش الأميركي أو الإشارة إلى أن أولئك الذين قدموا أقصى تضحية قد فعلوا ذلك سدى. ومن جانب آخر، أنه بمثل سوء الوضع في العراق ربما، من الواضح أن انسحابا أميركيا متعجلا إنما سيجعل الأمور أسوأ. وقد فهم الديمقراطيون المسؤولون هذا دائما. فقد حذر باراك أوباما، الذي وقف وحده بين مرشحي حزبه الرئاسيين البارزين معارضا للحرب، حذر باستمرار من أننا "لا يمكنا مغادرة العراق على عجل وبشكل غير مسؤول كما دخلناه". ولكن آخرين في الحزب الديمقراطي قد ذهبوا لأبعد من ذلك داعين إلى انسحاب كامل وفوري من العراق وهو موقف غير مسؤول وغير مؤازر. إنها وجهة النظر هذه مع ما فيها من نقاط مخاطرة التي استهدفتها الإدارة الأميركية، ببعض التأثير. فيبدو أن أعضاء ديمقراطيين قليلين ممن في الكونغرس الذين كانوا قد عارضوا الحرب و"زبادة القوات" الأميركية في العراق، يبدو أنهم قد طرأ عليهم تغير كبير في أعقاب رحلات حديثة إلى العراق. لقد أشار عضو مجلس الشيوخ الأميركي الديمقراطي النائب عن واشنطن بيان بايرد قائلا: "إن الناس ربما يكونون منزعجين. وددت لو لم أكن مضطرا لقول هذا. إنني أعلم أن الأمر سيكلف مئات الأرواح من الأميركيين ومئات المليارات من الدولارات. وأضاف القول "أولا أعتقد أننا نحقق تقدما حقيقيا. وثانيا، أعتقد أن عواقب الانسحاب المتسرع ستكون كارثية ربما على الشعب العراقي نفسه، الذي لدينا مسؤولية عنه، وفوضوية على المدى الطويل للمنطقة ككل ولأمننا الخاص". ولكن في الوقت الذي قد يكون فيه دعم جهد الجيش الأميركي متزايدا، والاهتمام بعواقب الانسحاب من العراق قد "يشتري" بعض الوقت المحدود للإدارة الأميركية للاستمرار في "زيادة القوات"، تختمر المتاعب على صعيد أخرى. فمع كون الجيش الأميركي محصنا عن النقد، يبدو غضب الكونغرس والبيت الأبيض مركزا ومنصبا الآن على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي . فقد عاد من العراق الأسبوع الماضي رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي القوي كار ليفين داعيا إلى الإطاحة بالمالكي. وقد انضم إليه السيناتور هيلاري كلينتون، التي قالت "إنني أشاطر السيناتور ليفين في الأمل في أن يقوم البرلمان العراقي باستبدال رئيس الوزراء المالكي ليحل محله شخصية أقل تسبيبا للخلاف والشقاق وأكثر وحدةً عندما يعود البرلمان إلى الانعقاد في أسابيع قليلة". وحتى البيت الأبيض أرسل في إشارة وعلامة على الإحباط رسالة متضاربة عن عمد إلى رئيس الوزراء العراقي. ففي الحادي والعشرين من أغسطس، حذر بوش قائلا:"إن السؤال الأساسي هو: هل تستجيب الحكومة العراقية لمطالب الشعب؟ وإذا لم تستجب الحكومة لمطالب الشعب، فإنه سيبدل الحكومة". وفي اليوم التالي وازن تقريبا في تقييمه للمالكي بالقول:"إن رئيس الوزراء العراقي المالكي رجل طيب، لديه مهمة صعبة وأنا أدعمه"، ولكنه أضاف عندها القول إنها ليست وظيفة الساسة الأميركيين تغيير قادة العراق (اقرأوا كلام السيناتور هيلاري كلينتون) إنها وظيفة الشعب العراقي (اقرأوا كلام المالكي). إن جعل رئيس الوزراء العراقي كبش الفداء قد "يشتري" للإدارة الأميركية مزيدا من الوقت بتحويل الانتباه بعيدا عن إخفاقات السياسة الأميركية، ولكن هذا عمل ينطوي على مخاطرة ومغامرة وغير عادل إلى حد ما. فالمالكي بالرغم من أنه شخصية طائفية بوضوح ليس له قاعدة سلطة مستقلة، ولا قوة مسلحة حقيقية تحت قيادته. وهو يجلس لا حيلة له أمام ائتلاف حكومي منقسم من فصائل متنافسة بضراوة، وأصحاب آيديولوجيات وميليشيات مسلحة بقوة وكل منها تسعى إلى مصلحتها الخاصة. وجولاته الأخيرة إلى إيران وسوريا المجاورتين ليست تعبيرا عن تعاطف وتقارب وانجذاب لهاتين الجارتين بقدر ما هي مدفوعة بحاجته إلى تقوية وتدعيم موقفه الداخلي الضعيف. إن إلقاء اللوم في الفشل في تحقيق مصالحة وطنية على المالكي يمكن أن يحرز بعض النقاط السياسية بالداخل الأميركي، ولكنه لا يحقق إلا القليل. فهو ليس في موقف يسمح له بإجبار الجماعات الكردية الأقوى على تسليم قرارها بالتوسع جنوبا وتأمين استقلالها. كما أنه ليس في موقف يسمح له بالسيطرة على الفصائل الشيعية المسلحة التي لن تعطي أرضا للقبائل السنية التي كانت قوية في وقت من الأوقات والمحرومة والمائل حالها الآن. وفي الواقع، فإن الإخفاقات التي سيشير إليها بترايوس وكروكر لا ترجع إلى المالكي ولكن بالتأكيد ترجع إلى البيت الأبيض وقاطنيه. إنه فشل إدارة بوش في تبني توصيات "مجموعة دراسة العراق" في السعي نحو مبادرة دبلوماسية شاملة، وهو الفشل الذي ساهم في أوجه خلل واضطراب في العمل في العراق اليوم. لا يمكن أن يوحد 30.000 جندي أميركي إضافي العراق أو ينهوا حربه الأهلية. ولا يمكن أن تجلب الاجتماعات الأميركية شخص أمام شخص مع إيران وسوريا أو التعاون الأميركي المحدود مع السعودية، لا يمكن أن تجلب أو تحدث مصالحة وطنية في العراق. إن إيجاد إطار أمن إقليمي يستلزم كل جيران العراق ويترك السيطرة السياسية والعسكرية للأمم المتحدة هو سبيل للمضي قدما بحوار وطني وسبيل للخروج من المستنقع الحالي. وهذا لن يُناقش في الحادي عشر من سبتمبر القادم. ولكن بدلا من ذلك، سيكون هناك تلاعب وخطوات تعاكس خطوات أخرى، وشراء للوقت من أجل سياسة فاشلة في حرب إنما ستستمر. عن صحيفة الوطن العمانية 27/8/2007