إيران.. وتوتر العلاقة الأمريكية الإسرائيلية د. سمير غطاس لم يستطع أحد في اسرائيل إخفاء مشاعر الضيق والتبرم من التحول, او بالأحري من الميل الجديد الذي طرأ مؤخرا علي السياسة الامريكية تجاه ايران, كانت امريكا, خلافا لمواقفها السابقة المعلنة, قد ابدت قدرا ملحوظا من المرونة التكتيكية تجاه طهران, ووضعت جانبا شروطها المعروفة بعدم اجراء اي مفاوضات مباشرة مع ايران قبل ان توقف برنامجها النووي, فأوفدت الرجل الثالث في الخارجية الامريكية وليام بيرنز لحضور الاجتماع الذي انعقد في جنيف يوم7/19. وكان طرفه الاساسي المفاوض الايراني الاول عن البرنامج النووي سعيد جاليلي في مقابل سولانا وممثلي الاتحاد الاوروبي. ولم يقتصر الامر علي هذه السابقة وانما تعداها الي الاعلان عن عزم امريكا علي فتح مكتب تمثيل في طهران لرعاية مصالحها بعد قطيعة دبلوماسية لنحو ثلاثين عاما, ومن جهتها رحبت ايران بهذا الاعلان وبعزم امريكا علي اعادة تشغيل الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين. ورغم الايضاحات التي حرصت واشنطن علي بثها لطمأنة اسرائيل, والتي اكدت فيها ان مشاركة الدبلوماسي الامريكي كانت لمرة واحدة لن تتكرر, وانها جاءت لتظهر لايران وحدة الموقفين الامريكي والاوروبي, وانها تهدف الي اعطاء الجهود الدبلوماسية فرصة اخيرة قبل تغليظ العقوبات, او اللجوء الي خيارات اخري, الا ان كل ذلك لم يكن بمقدوره ابدا ان يخفف من وطأة مشاعر القلق التي انتابت اسرائيل وشدت بقوة اوتار العلاقات الامريكية الاسرائيلية. والحقيقة ان هذا التوتر في العلاقة بين الحليفين الامريكي والاسرائيلي, ليس حدثا طارئا ولا هو ابن هذه التطورات الاخيرة فقط. اذ يمكن القول بأنه يعود الي وقت سابق, وتحديدا الي يوم2007/12/4, ففي هذا اليوم كان الادميرال مايك مككونيل رئيس الاستخبارات الوطنية الامريكيةNSA قد اصدر تقريرا جامعا للتقديرات الاستخباراتية ل16 وكالة استخبارات امريكية, جاء فيه بالنص: ان ايران جمدت برنامجها النووي العسكري في2003, وانها اذا استأنفته فهي لن تنتج اول قنبلة قبل2013 وكان اعلان هذا التقرير بمثابة صفعة لاطمة لإسرائيل. كانت اسرائيل تعتقد انها نجحت في تسويق تقريرها هذا لدي العديد من دول العالم, لكن التقرير الامريكي احاط تقريرها هذا بكثير من الشكوك وازاح جانبا الالحاح علي الخيار العسكري, والاهم من ذلك انه نال من صدقية الموساد والاستخبارات الاسرائيلية. وعلي اثر الصدمة التي احدثها هذا التقرير. بدأ التركيز في اسرائيل علي فرضية استراتيجية بديلة عن العمل العسكري الامريكي المستبعد ضد ايران, وركزت اسرائيل علي فرضية تحملها منفردة المسئولية عن العمل العسكري المباشر لمنع ايران من تخطي عتبة السقف الذري. وكانت اسرائيل قد سربت للصحافة الاجنبية معلومات عن المناورة الجوية التي اجرتها الشهر الماضي بالقرب من الاجواء اليونانية باعتبار انها تقع علي نفس المسافة بين تل ابيب وطهران, فضلا عن التصريحات التي بدت وكأنها تدق طبول الحرب الوشيكة, لكن امريكا عادت مرة اخري لكبح جماح هذا التصعيد, وكان الادميرال مايكل مالين رئيس هيئة اركان الجيوش الامريكية قد اوضح عند عودته لامريكا بأن اي عملية عسكرية ستشكل خطوة خطيرة تهدد الاستقرار في الشرق الاوسط, وفي مواجهة هذا الموقف الامريكي تبرز الأن في اسرائيل عدة مواقف من ابرزها: الموقف الذي يعتقد انه لايجب ولايمكن لاسرائيل ان تتحدي الموقف الامريكي وان تبادر منفردة الي عمل عسكري ضد ايران, فيما يري الموقف الثاني انه في المسائل الامنية وخاصة تلك المتعلقة بالتهديدات الوجودية فأن اسرائيل ملزمة بالمبادرة الي العمل حتي منفردة ضد اهداف حيوية في ايران مثل موقع رتشين او مفاعل نتناز, ويعتقد انصار هذا الموقف ان رد الفعل الايراني مثل اغلاق مضيق هرمز او قصف اسرائيل ومنشآت نفطية في الخليج سوف يستدعي بالضرورة ردا امريكيا ودوليا حاسما من شأنه الحاق اضرار جسيمة بايران بما يخرجها من دائرة الصراع لفترة غير قليلة, ورغم ان اسرائيل لم تسقط هذا الاحتمال فأنها تميل, علي الاقل الآن, لاعطاء الفرصة للجهود الامريكية الدبلوماسية لحمل ايران علي تجميد برنامجها النووي ربما علي امل نسخ تجربة ليبيا وكوريا الشمالية التي افلحت فيها الجزرة قبل اللجوء للعصا. لكن اعتماد امريكا لخيار الدبلوماسية التفاوضية مع ايران, تحول الي مصدر آخر للتوتر في العلاقات الاسرائيلية الامريكية. لان هذه المفاوضات تجري في الحقيقة حول وثيقتين: الوثيقة الاولي هي تلك المعروفة باسم وثيقة الحوافز السخية التي تعرضها امريكا والاتحاد الاوروبي علي ايران مقابل تجميد برنامجها النووي, والوثيقة الثانية, هي تلك التي كانت طهران قد قدمتها للاتحاد الاوروبي في مايو الماضي, ورغم الحديث المتواتر حول الوثيقتين فأنه لم يتم قط نشرهما رسميا بالكامل, لكن بعض الصحف الوثيقة الصلة بالادارة الامريكية, كانت نشرت قائمة جزئية للحوافز السخية المعروضة علي ايران فيما يقال ان الوثيقة الايرانية تطلب من امريكا واوروبا الاعتراف بها شريكا اساسيا في تسوية كل مشاكل العالم. ومثل كل مفاوضات, فأنه يتوقع ان يلتقي الطرفان في نقطة مابين الوثيقتين, وهو مايعني اعتراف امريكا واوروبا بإيران كقوة اقليمية عظمي وشريكة في منطقة الشرق الأوسط. وهذا هو بالتحديد مايثير قلق اسرائيل ويشد اوتار التوتر المكتوم بينها وبين الولاياتالمتحدة. ويبدو واضحا ان التوتر في العلاقات الامريكية الاسرائيلية مرده الي القلق الذي يساور اسرائيل من التواطؤ الامريكي المحتمل مع ايران للاعتراف بمكانتها ودورها الجديد في الشرق الاوسط, ولما كان الامر كذلك فأن النظام العربي المغيب عن كل ذلك مدعو, قبل الاخرين, لأثبات حضوره وجدارته في تقرير مصير هذا الاقليم المسمي بالشرق الآوسط او الادني, بدلا من لطم الخدود أو تعليق العجز علي شماعة المؤامرة. عن صحيفة الاهرام المصرية 31/7/2008