واشنطن وموسكو .... وفزاعة نظام الدفاع الصاروخي دانيال ماكجروراتي في ظل تبادل كل من المرشحين الجمهوري والديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأميركية المزمع إقامتها خريف العام الجاري للتعليقات اللاذعة عن قضية حرب العراق وتوقيع الرئيس بوش على الإعلانات التي صدرت بشأن قضية الاحتباس الحراري في ختام اجتماعات قمة الدول الثمان الكبرى التي عقدت مؤخراً في اليابان، قد يبدو من الغريب أن نزعم بأن الحدث الذي ربما يكون أهم حدث سياسي جغرافي يحدث خلال الأسبوع الماضي في العاصمة التشيكية براج لم ينل الإهتمام الكافي من قبل المتابعين. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس قد وقعت، خلال الأسبوع الماضي، على اتفاقية الدفاع الصاروخي مع نظيرها وزير الخارجية التشيكي كاريل شوارزينبيرج في قلب القارة الأوروبية العجوز. ويهدف نظام الدفاع الصاروخي الأميركي الأوروبي إلى حماية حلفاء الولاياتالمتحدة من تهديدات الأنظمة الشريرة، وخصوصاً إيران، التي يمكن أن تضع أنظمتها المستقبلية قارة أوروبا تحت تهديد نووي محتمل. وقد أكدت إيران رغبتها على التمسك بنواياها عندما أجرت اختبارين لإطلاق صواريخ شهاب 3 المطورة طويلة ومتوسطة المدى. وبينما لا يمكن أن تصل صواريخ شهاب إلى الدول الأوروبية في الوقت الحالي، فإن تجارب إطلاق الصواريخ الإيرانية أكدت قدرة طهران على الاستمرار في الظهور والتطور. ويسمح كل تقدم في دقة الاستهداف الصاروخية بإجراء تخفيضات في حمولة الصاروخ. والنتيجة هي زيادة المدى وتزايد احتمال أن تضع الصواريخ الإيرانية قارة أوروبا تحت تهديد محتمل. وفي إطار هذا السيناريو، من الأفضل بناء قدرات دفاع صاروخية في الوقت الحالي بدلاً من المخاطرة بالاستيقاظ في صبيحة يوم على مفاجأة إستراتيجية إيرانية. ولكن، لا توافق كل الدول الأوروبية على أن نظام الدفاع الصاروخي الذي تم الإعلان عنه في مدينة براج يستهدف إيران والدول الشريرة فقط. ويمكن أن نأخذ موسكو كمثال. وإذا كانت إيران قد قابلت إعلان براج بقرار رسمي، بدت ردة الفعل الروسية حانقة جداً حين قالت موسكو: "إذا كان النشر الحقيقي لدرع دفاع صاروخي إستراتيجي أميركي قد بدأ في الاقتراب من حدودنا، فإننا سوف نكون مجبرين على عدم الرد بطرق دبلوماسية، ولكن بطرق عسكرية فنية. وأطلقت موسكو تهديدات غامضة وأصدرت تحذيرات لا طائل منها للعواصم الأوروبية تشبه التصريحات التي كانت سائدة إبان فترة الحرب الباردة والتي دفنت في مزبلة التاريخ. ويجب أن نننسى الحقيقة القائلة بأن عددا قليلا من الخبراء الفنيين يتفقون مع مشاعر القلق الروسية من أن نظام الدفاع الصاروخي المقترح في براج سوف يفرض المزيد من التهديدات على الصواريخ الروسية، التي سوف تتبع مسار الرحلات الجوية التابعة لشركة نورث بول إذا كانت تستهدف الولاياتالمتحدة، والتي سوف يتم اعتراضها من قبل أنظمة الدفاع الصاروخية الموجودة في وسط أوروبا، وهذا الأمر لا يتناول الحقيقة القائلة بأن حزمة أنظمة الدفاع الصاروخية المزمع نشرها في دول وسط أوروبا سوف تقف كقزم أمام آلاف الصواريخ الروسية التي ما زالت جاهزة للانطلاق في أي وقت. وعلى الرغم من هذه الحقائق الفنية، فقد عومت الولاياتالمتحدة من إجراءات بناء الثقة للرد على المخاوف الروسية بداية من إطلاع موسكو بشكل مستمر على ما يجري في محطة الدفاع الصاروخي التشيكية ووضع مراقبين روس في مواقع الدفاع الصاروخي التشيكية والبولندية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا أقدمت الولاياتالمتحدة على هذه الخطوة؟ هناك عدة احتمالات منها أن الخطابات الروسية المنمقة الأخيرة يمكن أن تمتلك غرضاً آخر غير ما قد يبدو على السطح. ومع إنضمام الأعضاء السابقين في حلف وارسو الآن إلى معسكر حلف شمال الأطلنطي (الناتو) وفي ظل اعتماد صربيا، الحليف المقرب لروسيا، خلال الأسبوع الجاري لحكومة جديدة مؤيدة للاتحاد الأوروبي، تبدو مصالح الأمن الروسية على أنها تتحول في اتجاه الشرق إلى الحلقة الداخلية من الدول السوفيتية السابقة. وفي ضوء هذا كله يمثل صف القذائف الصاروخية ذريعة مناسبة لموسكو لكي تحمي مصالحها الحقيقية. ومن خلال التأكيد على أن الدرع الصاروخي الأميركي الصنع يعني فرض سيطرة حقيقية على أوروبا والشرق والغرب، تجهز روسياوالولاياتالمتحدة لفرض تضييق إضافي على الدول التي تمثل آخر الحواجز المتبقية التي دون ظهور أوروبا الموحدة. وفكر الحرب الباردة هنا هو أن دول أوروبا الشرقية يمكن أن تستفيد من نظام الدرع الصاروخي، ولكن روسيا سوف ترفع يدها عن الدول المتبنية لأفكار حلف الناتو مثل أوكرانيا وجورجيا. والحقيقة التي لم تعرف بخصوص اتفاقية نظام الدفاع الصاروخي التي وقعت، خلال الأسبوع الماضي في العاصمة التشيكية براج هي أقرب فرصة لتشغيل هذا النظام لن تحل قبل عام 2011. وسوف يواجه الرئيس الأميركي المقبل تحديات تتمثل في الاختيار ما بين الدفع في اتجاه تنفيذ خطة الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش بخصوص نظام الدفاع الصاروخي أو تأخير العمل بها في ظل المحاولات الروسية لإستخدام نظام الدفاع الصاروخي كوسيلة لنثر بذور الفتنة والشقاق بين الولاياتالمتحدة وحلفائها الأوروبيين. ويمكن أن نجمع بين كل الأمور ونقول بأن التوقيع على اتفاق نظام الدفاع الصاروخي في العاصمة التشيكية براج خلال الشهر الماضي مثل لحنا مميزاً للتركيز والتوجه الأميركي الحالي. وبغض النظر عن هوية الرئيس الأميركي المقبل، في ظل الخلافات الدائرة بين المرشحين الرئاسيين في الوقت الحالي بخصوص حرب العراق، قد يواجه الرئيس القادم للولايات المتحدة أول اختبار عندما ينظر في مصير نظام الدفاع الصاروخي. نشر في صحيفة " إم سي تي " ونقل من صحيفة " الوطن العمانية " 17/7/2008