خروج سوريا من عزلتها أحمد ذيبان كان الرئيس بشار الأسد، الأكثر استقطابا لأضواء الإعلام، من بين نحو أربعين زعيم دولة أو رئيسا للوزراء شاركوا في قمة باريس المخصصة لإطلاق الاتحاد من أجل المتوسط ، وقد احتفت الصحافة ووسائل الإعلام الفرنسية بشكل استثنائي بالأسد، وذلك ليس من فراغ، فثمة تحولات تبدو درامية أفضت الي خروج سوريا من عزلة دبلوماسية غربية، بل وجاءت زيارة الأسد الي باريس بدعوة من الرئيس نيكولاي ساركوزي، أشبه بمنح سوريا شهادة إعادة اعتبار سياسي أوروبية، بعد أن خضعت السياسة الأوروبية تجاه دمشق، الي ضغوط أمريكية مركزة خلال السنوات القليلة الماضية، وكانت الأزمة اللبنانية ذريعة أساسية لهذه السياسة، لكن انفراج هذه الأزمة، وفتح صفحة جديدة في العلاقات السورية اللبنانية دشنت بلقاء الرئيسين الأسد وميشيل سليمان والاتفاق علي إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وكان لساركوزي دور بارز في عملية التطبيع هذه، التي أطلقت إشارة بدايتها باتفاق الدوحة!. ثمة أكثر من قراءة، لتفسير هذا التحول اللافت، فمن حيث المبدأ ليس هناك مواقف ثابتة في السياسية فعلاقات الدول تحكمها المصالح، لكن يبدو أن ساركوزي، رغم صداقته الحميمة مع الرئيس بوش واتفاقه مع سياساته في العديد من الملفات الدولية بل وانقلاب ساركوزي علي سياسات سلفه جاك شيراك، خاصة فيما يتعلق بمناهضة شيراك لحرب العراق وتداعياتها، ويبدو أن ساركوزي يستثمر جيدا، قرب رحيل إدارة بوش، للابتعاد عن سياساته الحمقاء التي زادت منسوب الكراهية للسياسة الأمريكية في معظم مناطق العالم وخاصة في العالمين العربي والاسلامي، وفرنسا ليست معنية بأخذ قسط من هذه الكراهية، والمفارقة أن شيراك الذي ناهض السياسة الأمريكية في أكثر من ملف، كان متحالفا بقوة مع بوش ضد سوريا، وهاو هو ساركوزي المؤيد لسياسات بوش بشان ملفات أساسية، يتمرد علي موقف واشنطن إزاء دمشق ويفتح معها صفحة جديدة ويحتفي بزيارة الأسد، فضلا عن إدراك ساركوزي أنه لا فرصة لنجاح مشروعه المتوسطي بدون سوريا !. الشك مشروع في السياسة أيضا، فالبعض يشتبه باحتمال وجود تنسيق بين واشنطن وباريس، لأكثر من هدف، وهنا يتزامن الانفتاح الفرنسي الأوروبي علي دمشق مع المفاوضات السورية الاسرائيلية غير المباشرة بوساطة تركية، بل إن رئيس الوزراء تركيا رجب طيب أردوغان اقترح بدء مفاوضات مباشرة بين الجانبين في باريس، لإعطاء فرنسا دور في رعايتها، رغم إدراك سوريا أن التوصل الي اتفاق سلام مع إسرائيل بحاجة الي تدخل أمريكي حاسم!. من الطبيعي أن يخطر في بال المراقبين، احتمال سعي واشنطن وباريس، لتفكيك التحالف السوري الايراني، مع ازدياد سخونة الملف النووي الايراني واحتمال تطورها الي ضربة عسكرية، من المرجح أن تلعب اسرائيل فيها دورا مهما، وذلك يتطلب فرض المزيد من العزلة علي طهران، وإبعاد دمشق عنها!. وبصرف النظر عن أي تفسير، فإن سوريا قد أجادت اللعبة السياسية بذكاء، وصمدت في مواجهة الحصار السياسي والأعاصير التي حركتها واشنطن وباريس خلال سنوات الأزمة اللبنانية، وأتخيل أن دمشق مزهزة بالخروج من العزلة، وتشعر أنها انتصرت سياسيا، فها هي باريس تفتح ذراعيها للأسد، وحلفاء سوريا في لبنان أيضا حققوا مكاسب سياسية عبر اتفاق الدوحة!. عن صحيفة الراية القطرية 15/7/2008