مفاجأة .. "علم المثلية" يثير الجدل بعد ظهوره في منهج " إنجليزي أولي إعدادي"    أحمد سعد يتألق في أول ظهور بعد الجراحة وسط دعم من جمهوره وأصدقائه    القوات البحرية ل الشعب المصرى: قادرون على حماية الحدود    بورصة الذهب تتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية 20 دولارًا    مصر بالقائمة الأولى عالمياً للدول الأكثر جاهزيةً للأمن السيبراني عام 2024.. و«الصحة» تناقش حماية أنظمة الرعاية الصحية ضد التهديدات السيبرانية    يمن الحماقى: الدولار سينخفض أمام الجنيه في هذه الحالة    عمرو أديب: مصر ملزمة بسداد 38 مليار دولار خلال عام.. ومحدش يقول فين فلوس رأس الحكمة    وزيرا خارجية أمريكا والإمارات يبحثان جهود إنهاء الحرب في غزة وتعزيز التعاون الثنائي    رئيس مجلس النواب اللبناني يدعو لوقف العدوان الإسرائيلي على بلاده    الخارجية الروسية: «البريكس» لا تعادي الغرب لكننا لن نسمح بتجاهل مصالحنا أو محاولة توجيهنا    اتحاد الجولف يحدد موعد إجراء الانتخابات وفتح باب الترشح    تعرف على تعليمات دخول الجماهير لمباراة الأهلي والعين بكأس الإنتركونتيننتال    بقصد الاتجار.. حبس شخص لحيازته أسلحة نارية بدون ترخيص في الجيزة    تشيع جثمان شاب قتل على يد أصدقاءه بالمحلة الكبرى    حادث جديد على طريق الأوتوستراد والإسعاف تنقل المصابين للمستشفى (تفاصيل كاملة)    موعد انطلاق امتحانات شهر أكتوبر 2024 لصفوف النقل    ثراء جبيل وزوجها لأول مرة.. 3 ثنائيات على ريد كاربت فيلم "ماء العين" بمهرجان الجونة | صور    احتفاء بمسيرة إبداعه.. قصور الثقافة تكرم الشاعر محمد عبد القادر ببورسعيد    هند عبدالحليم تتعرض لأزمة صحية (تفاصيل)    أسعار تذاكر أتوبيسات سوبر جيت الجديدة خط ( القاهرة – أسيوط )    احتفالية العيد ال 40 لتأسيس خدمة "أم الرحمة" بالإسكندرية    رسميا.. فتح باب الحجز لشقق «سكن كل المصريين 5» في هذا الموعد    الاتفاقية الدولية لمكافحة التآكل الضريبي تُتيح لمصر 5 مليارات دولار سنويًا    حسام موافي يوضح العلاقة بين وظائف الكبد ومرض الصفراء    هيئة الدواء تحذر من انتشار عبوات مجهولة المصدر لحقنة شهيرة خاصة بالحوامل    ضمن مبادرة «بداية جديدة».. خالد عبد الغفار: 100 يوم صحة قدمت أكثر من 135 مليون خدمة مجانية خلال 85 يوما    دنيا عبد العزيز ترزق بمولودتها الأولى: «محتجالك يا أمي» | صورة    خبير استراتيجي: إسرائيل تستهدف الصحفيين بلبنان لنجاحهم في توثيق جرائمها    الصحة تنظم جلسة حوارية حول حماية أنظمة الرعاية الصحية ضد التهديدات السيبرانية    فريد زهران: إسرائيل شريك في الصراعات بالمنطقة العربية    استولوا على 10 ملايين جنيه.. غدا أولى جلسات محاكمة 17 متهما في قضية فساد «الجمارك الكبرى» الجديدة    إهداء لحاكمها.. حسين الجسمي يطلق "شارقة سلطان"    القاهرة الإخبارية: الجنائية الدولية تستبدل قاضيا رومانيا يدرس طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو    «الهضبة» يتألق في حفل ضخم بالكويت (صور)    وزير الأوقاف والمفتي ومحافظ السويس يشهدون احتفال المحافظة بالعيد القومي    أم إبراهيم.. 5 سنين بتأكل زوار إبراهيم الدسوقي بكفر الشيخ: كله لوجه الله    بدء المؤتمر العام للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي.. صور    مواقيت الصلاة .. اعرف موعد صلاة الجمعة والصلوات الخمس في جميع المحافظات    خطيب المسجد الحرام: شعائر الدين كلها موصوفة بالاعتدال والوسطية    خطيب الجامع الأزهر: خيرية الأمة ليست شعارا بل نتيجة لامتلاكها مقدمات النجاح    أسعار البيض المستورد في منافذ وزارة التموين.. ضخ 10 آلاف طبق أسبوعيا    وزير التعليم العالي يؤكد أهمية توظيف الاختراعات في تعزيز الاقتصاد القومي    جمال رائف: مصر حققت إنجازا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا بالانضمام ل«بريكس»    خبير: المواطن الأمريكي يشتكي لأول مرة من ارتفاع تكاليف المعيشة    خلال 24 ساعة.. تحرير 617 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    "سامحوني".. كواليس ما دار في غرفة ملابس الزمالك بعد الهزيمة من الأهلي    هنري: مبابي لا يقدم الأداء المطلوب مع ريال مدريد    إعادة محاكمة متهم بأحداث عنف الزيتون| غدا    بلان يكشف حقيقة خلافه مع نجم اتحاد جدة    تين هاج يفسر قراره المفاجئ بشأن مزراوي    غدا.. النادي المصري يعقد عموميته العادية    قرار جمهوري هام ورسائل حاسمة من السيسي بشأن صندوق النقد الدولي وأزمات المياه والبطالة    مريم الخشت تعلق على أول ظهور لها مع زوجها بمهرجان الجونة بعد زفافهما    عيار 21 بكام.. الذهب يواصل ارتفاعه الجمعة 25 أكتوبر 2024    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: مد فترة التصالح في مخالفات البناء.. مفاجأة بشأن إهدار شيكابالا ركلة الترجيح أمام الأهلي    سوليفان: واشنطن لا تسعى لتغيير النظام في طهران    كولر أم محمد رمضان ؟.. رضا عبد العال يكشف سر فوز الأهلي بالسوبر المصري    مصدر مسؤول: مصر أكدت للوفد الاسرائيلي رفضها للعملية العسكرية الجارية بشمال غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللهم اني صائم..!!
نشر في محيط يوم 15 - 09 - 2007


اللهم اني صائم..!!

* توفيق الحاج


مع قدوم شهر رمضان المبارك ... عقدت العزم على أن أصوم في هذا الشهر الفضيل عن الحديث في السياسة وملحقاتها ليلاً نهاراً ... تماماً كما فعل أستاذنا " غوّار الطوشى " الذي قرر الصيام عن المقالب وطول اللسان طوال شهر رمضان ..!! ورأيت أنه كلما أغرتني أو أدهشتني أو فلقتني الأحداث المتلاحقة في الشارع ... في الصحف ... في نشرات الأخبار ... ألا أتسرع بالتعليق بل أستغفر الله وأقول في هدوء " اللهم إني صائم " ثلاث مرات ...!! مع إني لا أعد القراء بالوفاء بهذا العهد لأن السياسة كالجرب والكتابة كاليد التي لايستطيع أحد منعها من أن تحك الموضع المتهيج المؤلم في ليل موحش وطويل..!!

لم أجد أفضل من " رمضان " ليكون موضوع حديثي إلى القراء ... لأن هذه الكلمة العظيمة تشرِّف المقال والمقام والزمان عدا عن أنها تحمل مفاتيحاً حميمة للذاكرة المشتعلة بعبق الطهارة والبراءة والتواصل وحب الناس . كلمة "رمضان" تضم بين حروفها عِبراً ومعانٍ إنسانية عالية من تقوى وتراحم وصبر وشعور بالاخرين ...وهي في ذكراة طفولتي تلتصق بصوت الآذان ... الإفطار ... سيد النقشبندي ... التراويح ... عبد الباسط عبد الصمد...قمر الدين ... ألف ليلة وليلة ... المسحراتي ... رائحة القطايف والكعك ... أنوار المآذن والشوارع والمحلات التجارية الساهرة .. ساق الله ...أيام رمضان في صبانا ...!!

رمضان في هذه الأيام يكاد يختنق بين أيدينا وألسنتنا الجافة التي تفصل بيننا وبين الجيران والأهل ..
رمضان لم يعد كما كان في أيام الطفولة .. بل بالأحرى لم نعد نحن بالبراءة وحب الحياة كما كنا في رمضان الطفولة .. أتذكر فيما يشبه الحلم البعيد .. اللحظات السعيدة النقية التي كانت تجمعنا صغاراً وكباراً مع ذلك الزائر الكريم الذي يزورنا كل سنة مرة ...

أتذكر كيف كنا نتبارى في إخراج " اللسان الأبيض " دليلاً على الصيام ونتباهى به على أقراننا الذين لم يستطيعوا الصيام أولم يرغبوا .. وكيف كنا نطارد النهار ببراءة الطفولة حتى يؤذن لصلاة العصر ... فنذهب ونصلي ثم نتجمع حول المسجد الوحيد في المخيم وبجوار الكثبان الرملية الصفراء البكر .. نتجارى ونلعب معاً " الحدر بدر " و" الكسحة " و....و.... كانت آذاننا باتجاه مسجدنا الصغير وعيوننا باتجاه مئذنة جامع البلد الكبير التي تضيء أنوارها بمجرد أن يحين موعد آذان المغرب .. وما أن يصعد "أبو العظم " على سطح المسجد للأذان حتى نصيح نحن الأطفال صيحة الفرح المحببة إلى القلوب وبمجرد أن نسمع " الله أكبر " حتى نهرول مسرعين متسابقين إلى البيوت لنجد العائلة الكبيرة الجدين والوالدين والأعمام وزوجاتهم وأولادهم يتحلقون حول مائدة واسعة .. كلنا "أكثر من ثلاثين فردا "كنا نجتمع على مائدة إفطار واحدة ...

ما أجملها من لحظات كانت تتجسد فيها الحميمية والتكافل .. لحظات تفرزها الذاكرة فتجرح عن غير قصد القلوب التي تشعر الآن بالوحدة والغربة والتصنع .

كنا نتبادل والجيران عبر " طاقة " صغيرة في الجدار صحون الطبيخ والحلوى ونجلس معاً في سهرات رمضانية محببة نتحرق فيها لسماع قصص " ألف ليلة وليلة " من الإذاعة المصرية ونسبح نحن الصغار في عالم الخيال عبر صوت "شهرزاد "التي تهمس للملك شهريار عن ملوك الإنس والجان والأميرة الجميلة "نورهان" والغول السجان ... كان راديو " الكبايات " الوحيد في حارتنا يملكه جارنا " أبو محمد " وهو لنا بمثابة السينما والتلفزيون والفيديو ... والصحف ... والانترنت ... وكنا سعيدين إلى أبعد الحدود بهذا الجهاز الساحر

كنا نحن الأطفال نزدرد على عجل بعض لقيمات ثم نهرع إلى ساحة الحارة لنلعب " اللي بتحيا "و" طرقت" و " اشقح يا دينار " على ضوء القمر وعلى مقربة منا كان يجلس الأهل والجيران يتبادلون الحديث بود وحب نسهر حتى يحين موعد السحور ... فنتطوع أحياناً لمساعدة " المسحرين " ونرنم آذاننا بأنغامهم الشجية " إصحى يا نايم .. وحِّد الدايم .. رمضان كريم " والتي تزداد شجواً في وداع الشهر الفضيل ..

نعود إلى بيوتنا منهكين ... لكن فرحين بهذه اللحظات البريئة الرائعة لنجد الوالدة الطيبة قد أعدت لنا سحوراً من " دبس االقصب المصري الاسود " غالباً و " قمر الدين " نادراً مع الجبنة البيضاء ونحشو المعدة حشواً ونشرب بأقصى ما نستطيع تحسباً ليوم صيام قائضٍ وطويل .

كانت أيام لكل شيء فيها طعم .. هل هو طعم الطفولة ؟ أم طعم الحياة بلا مسئولية ؟
هل هو طعم العلاقات العفوية الطيبة بين الناس ؟ لا أدري .

لم تكن المائدة عامرة آنذاك بما تعمر به موائدنا الآن ولكنها كانت بالقطع ألذ طعماً وأكثر بركة .
لم يكن طعم القطايف والكعك اللذين يخرجان كالدبابير في " الصواني " من فرن "أبو حسني" كطعم قطايف وكعك هذه الأيام ..

كان أهل الحارة يتبادلونهما باريحية وتصميم .. رغم أنهم كانوا فقراء جداً ينتظرون بفارغ الصبر حصة تموين وكالة الغوث آخر كل شهر ...

اليوم ... يبدو كل شيء بارداً .. مصطنعاً ... غاية في التكلف والجفاف .
اليوم ... رمضان يحس بالوحشة بيننا ، ويتمزق على الفضائيات وبرامج " الهِشِّك بِشِّك " حتى مفهوم الصيام الحقيقي غاب بين كثير من الناس فبينما يتحلق المتكرشون حول موائد ما لذ وطاب لا يكلفون أنفسهم عناء التفكير في مشاعر أسر الشهداء والمعتقلين الذين يفتقدون الآباء والأبناء والأخوة على مائدة لإفطار متواضعة جداً .. جداً .
أتذكر أمي التي كانت تقدم بصمت وإيمان صدقة الفطر مما تبقى لنا من طحين الوكالة بينما أرى الآن تحايل أصحاب الأموال والأطيان على الزكاة برمتها .

أتذكر كيف كان والدي يحضر سلتين كبيرتين مملؤتين بالخضار والفاكهة بعشرين قرشاً بينما لم أستطع أن أشتري من أمام الجامع الكبير كيلو فول أخضر ب 8 شيكل وأوقية فلفل أخضر ب 4 شيكل .

أتذكر كيف كان الناس يقابلون بعضهم البعض ببشاشةٍ وترحاب .. وكرم عفوي لا قصد من ورائه إلا الأصالة والحب ... بينما الآن الوجوه غالباً عابسة مكشرة .. والأقدام مسرعة .. والسلام بالإشارة ... والمحبة ضائعة ... الجار لا يعلم عن مصاب جاره إلا بالصدفة وبعد وقت طويل .. يا للعجب ..!! وان علم "يطنش "من فرط ماتضخم القلب بالحسد والاحقاد
أتذكر كيف كانت ليالي رمضان ناعمة ... لذيذة .. هادئة ومفعمة بكل طيب بينما الآن هي لا تختلف عن باقي الليالي المليئة بالمفرقعات التجارية وإطلاق النار المجهول ... وحياة الكانتونات الأسرية المغلقة ... العرس والميتم في حارة واحدة...بل وفي الشارع الواحد..صوت الشيخ الطبلاوي يختلط بصوت"هيفا" دون إحساس بالعار أو الخجل.

الى هذه الدرجة تدهورنا وتبلدت مشاعرنا وعواطفنا واهترأت علاقاتنا وأصبحنا ننظر الى بعضنا البعض شذرا وربية كما الاخوة الاعداء..!!

أتذكر كيف كنا في طفولتنا نحلم مع صوت عبد الناصر وأحمد سعيد وأمجاد يا عرب أمجاد بتحرير مدننا وقرانا في فلسطين 48 ... بينما نحن اليوم نعيش ومنذ40عاما في فلسطين كلها تحت بساطيرالاحتلال.. وفي طوق من المستوطنات ... والحواجز ... والقصف والاجتياحات والاقتتالات والانقسامات والميليشيات وأخبار الخطف والموت الغامض ... وتجارب أنصاف وأرباع الحلول و...و....

ياه .. يبدو أنني خرجت عما عقدت العزم عليه .. ودخلت في مستنقع السياسة دون قصد مني .
اللهم إني صائم ...
اللهم إني صائم ...
اللهم إني صائم ...

** فلسطين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.