إسلام ... وإسلام حسام عيتاني تغري الانتخابات التشريعية التركية بعقد مقارنات بين أحوال الاسلام السياسي في عدد من الدول الاسلامية غير العربية وبين حاله في ديار العرب. وتغري أكثر في التأمل في جاذبيته لشرائح واسعة من المتعلمين تعليما حديثا وأصحاب المهن وبين ما يمثله الاسلام في العالم العربي. تبرز تركيا مؤخرا كدولة ينشط الاسلاميون فيها من داخل مؤسساتها الدستورية محاذرين في الوقت ذاته المساس بما يعتبر حتى الآن مسلمات الكيان. ومن دون استفزاز القوة الضاربة للأتاتوركية، يخوض الإسلاميون صراعا معقدا لرفع سقف حرياتهم هم في الدرجة الاولى، وحريات باقي مكونات المجتمع التركي. هذا توصيف يكاد يكون مدرسيا للحال التركية. غير أن تركيا ليست وحيدة في المضمار هذا. فما تشهده اندونيسيا وماليزيا، على سبيل المثال، من نهوض للتيارات الاسلامية التي لا تسعى الى التصادم مع الدولة بل الى «الاستيلاء عليها من الداخل»، وهذا حق لها طالما انها تمارس العملية الديموقراطية وفق التوافق السياسي العام في بلدانها، وذلك في ظل نوع من المصالحة مع فكرة الدولة الامة او بالاحرى من دون الخروج بشعارات أممية إسلاموية لا طائل منها الا توفير الذرائع للسلطات للتضييق على الناشطين الاسلاميين. يجوز الرد على تهمة ان الاسلاميين «ديموقراطيون لمرة واحدة» بأن على الشعوب ان تتحمل مسؤولياتها التاريخية عند الوقوف امام صناديق الاقتراع. بل يمكن القول ان ايران ذاتها قد انجزت مصالحة من النوع ذاته بين الدولة والثورة بحيث باتت الثانية في خدمة الاولى، وانتهت تلك الايام التي كانت ايران ترى في نفسها رافعة لاحداث ثوري اسلامي على الصعيد العالمي. يمكن الحديث عن استنثاءات في الدول الاسلامية غير العربية وابرزها باكستان التي لم ترسخ قدمها بعد حتى بين الدول الديموقراطية. قد تكون صدمة التأسيس التي رافقت نشوء الدولة الباكستانية وحالة العداء الشرس بينها وبين الهند وما رتبته من حروب وسباق تسلح باهظ الكلفة، من الاسباب التي يمكن سوقها لتفسير استثنائية الحالة الباكستانية. زبدة القول في المجال هذا، ان التجربة التركية وغيرها من التجارب غير العربية، بينت إمكان التفارق بين الاسلام وبين جملة من الاتهامات التي يوجهها خصوم القوى الاسلامية لها من نزوع اصيل الى الاستبداد والتسلط وإلغاء الآخر وفرض معايير اجتماعية وثقافية وأخلاقية لا تحوز على القبول اللازم بين المواطنين غير المؤيدين للمشاريع الاسلامية. على انه لا تنبغي المبالغة هنا في نفي مباعث التوجس والحذر من عطب بنيوي في الاسلام كأيديولوجيا سياسية لا تنقص حَمَلَتُها الدوافع لتحويلها الى ايديولوجيا شمولية. السمات الشمولية هي ما يظهر على سطح الاسلام السياسي في العالم العربي اليوم. صحيح ان الاجواء العربية قد تكون اشد قسوة على جميع التيارات السياسية وأن التجارب الاخرى القومية واليسارية اصيبت هي الاخرى بآفات العنف والاستبداد والقمع الدموي للآخرين، الا ان العوارض المرضية هذه تتابع ظهورها على مدى اعوام مديدة من تطور تجارب هذه القوى، في حين ان الامر هذا لا ينطبق على الاسلام السياسي العربي الذي استسهل دعاته استسهالاً لا يمكن غفرانه اللجوء الى العنف في سبيل الوصول الى السلطة، ما اعطى نتائج عكسية مثالها ما جرى في الجزائر ومصر. إفلاس الانظمة العربية التقليدية وإخفاقاتها في جميع المجالات وفي مقدمتها طريقة تعاطيها مع الصراع العربي الاسرائيلي، والامثلة السيئة التي قدمتها باستيلاء حكامها على السلطة بالوسائل الانقلابية والاحتقار الشديد للديموقراطية كآلية لتدوال السلطة، أمور تتيح للإسلاميين العرب الحديث عن حقهم في السير على الطريق عينه، والدفاع عن مشاريعهم السلطوية حتى لو اتخذوا من اجل تحقيقها طريق العنف الانقلابي. من جهة ثانية، لا يمكن اغفال جملة من الحقائق الموضوعية المتعلقة بالمجتمعات العربية التي لم يخرج اكثرها بعد من ربقة التسلط الابوي البطريركي على المستوى الاجتماعي قبل الوصول الى الواقع السياسي. عليه، تبدو اكثرية حركات الاسلام السياسي العربية كحالات تمرد على السلطة التقليدية، تتأرجح بين قطبي العنف الارهابي الاعمى وبين التسليم والخضوع «لشرعية» الحكومات القائمة. في حين ان الاسلاميين غير العرب استطاعوا تطوير لغة سياسية، بمعنى قدرتهم على مخاطبة جمهور واسع بالتركيز على مصالحه وكيفية خدمتها كأي حزب سياسي في العالم، من دون ان يبدأوا خطاباتهم بالتهديد بالويل والثبور من عذابات الجحيم اذا لم يستلموا هم السلطة. بعيد هذا الكلام الى مقولة قديمة عن ان الاسلام، مثل كل الايديولوجيات، يتخذ شكل المجتمعات التي ينشط فيها انصارها. وها هي المجتمعات العربية المأزومة تفرز اسلاما مريضا، في حين ان مجتمعات سليمة تعرف كيف تتعاطى مع اسلامها. عن صحيفة السفير اللبنانية 24/7/2007