مشروع إعادة تقسيم العرب.. وأمل الوحدة د. محمد السعيد إدريس انفجارات المشرق العربي الثلاثة التي تزامن حدوثها في سامراء بالعراق وأطاحت بما تبقي من ضريحي الإمامين الجليلين علي الهادي والحسن العسكري, وفي مخيم نهر البارد شمال لبنان, واكتملت بانفجارات غزة المدوية, لم تحدث من فراغ ولكنها جاءت صارخة بحجم ما تعكسه وما تعبر عنه من تفاعلات شديدة الخطورة ليست بعيدة عن دعوة إعادة ترسيم الخرائط السياسية في المنطقة التي تضمنها مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي اختارته الولاياتالمتحدةالأمريكية عنوانا لغزوها للعراق ولفرض ما أعلنه تيار المحافظين الجدد, المتحكم في إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش, من مشروع إمبراطوري أمريكي لقيادة العالم. المعني المباشر لدعوة إعادة ترسيم الخرائط السياسية في الشرق الأوسط هو تقسيم ما سبق تقسيمه من وطن العرب في عقود سابقة علي أيدي البريطانيين والفرنسيين في اتفاقيات سايكس بيكو وأخواتها, وفي وعد بلفور الذي استهدف إقامة دولة يهودية في فلسطين علي حساب حقوق الشعب الفلسطيني في أرض وطنه. وإذا كان التقسيم السابق قد حدث لخدمة مصالح وأهداف استعمارية بريطانية وفرنسية علي حد قول الكاتب الأمريكي صهيوني الهوي توماس فريدمان, فإن التقسيم الجديد وكما يقول فريدمان أيضا هدفه هو إيجاد حلول نهائية لظاهرة الدولة العربية الفاشلة المفعمة بعوامل عدم الاستقرار وعلي الأخص ظاهرة الإرهاب فهو يري أن السبب الأساسي في ظهور الدولة العربية الفاشلة أنها نشأت وفق حدود لم تراع الخصوصيات الاجتماعية المكونة لها, وضمت العديد من الأعراق والطوائف المتعارضة والمتصارعة, والحل هو إعادة تقسيم هذه الدول إلي دويلات طائفية وعرقية تحظي بدرجة عالية من الانسجام والتوافق العرقي والطائفي. هل يكفي هذا الحل لفهم خلفيات لائحة الدولة الفاشلة التي نشرتها مجلة فورين بوليسي بالتعاون مع صندوق السلام الأمريكي, وهي حتما خلفيات مثيرة ومخيفة؟ هي مثيرة لأنها حددت60 دولة من أصل200 دولة في العالم مهددة بالانهيار أو حتي التفكك وفق معايير ومؤشرات كلها تعود إلي خصوصيات التكوينات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذه الدول, أي أنها كلها مؤشرات داخلية بحتة دون أي إشارة للعوامل الخارجية والمشروعات الخارجية التي تستهدف حدوث هذا التفكك والانهيار. وإذا كانت المؤشرات السياسية قد تضمنت: فقدان الدولة لشرعيتها, والتدهور المتفاقم في خدمات القطاع العام, وتعليق تطبيق حكم القانون, وانتهاك حقوق الإنسان, وعمل أجهزة الأمن كدولة داخل الدولة, وصعود النخب الطائفية, فإن المؤشرات الاجتماعية تضمنت الضغوط الديموجرافية( السكانية) المتصاعدة, أي الزيادة السكانية العالية والمطردة, والتحركات الكثيفة للاجئين, والكوارث الإنسانية, وميراث الجماعات العرقية الساعية للانتقام, كما تضمنت المؤشرات الاقتصادية: التطور الاقتصادي غير المتكافئ في المجتمع وعلي الأخص الفجوة الهائلة والمتسعة بين الأغنياء والفقراء, والتدهور الحاد في الأوضاع المعيشية, وانسداد أي فرص لتحسين تلك الأوضاع. المثير والمخيف هنا أن اللائحة, وفق هذه المؤشرات, وضعت دولا عربية علي رأس قائمة الدولة المعرضة للتفكك والانهيار باعتبارها دولا فاشلة فإذا كان السودان والعراق يتصدران رأس هذه القائمة في المرتبتين الأولي والثانية, فإن لبنان احتل المرتبة28, وبعد لبنان جاء ذكر اليمن وسوريا وليبيا, أما الصدمة الكبري فهي في احتواء تلك اللائحة لدولة عرفت تاريخيا ومنذ آلاف السنين بأنها دولة مركزية موحدة وأقصد مصر التي جاء ترتيبها رقم36 كدولة فاشلة ومعرضة للتفكك والانهيار والتقسيم. هذه ليست نبوءات ولا يبدو أنها مجرد توقعات بل ربما تكون سياسات. صحيح أن الداخل في أغلب الدول العربية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لا يؤشر إلي خير, لكن الصحيح أيضا أن ما يخطط لهذه الدول في الخارج وما ينفذ بالفعل من برامج ومشروعات للتفكيك وإعادة التقسيم لا يقل خطورة. نظرة سريعة إلي حال العراق الآن وحاله قبل الغزو, وحال السودان الآن وحاله قبل تداعيات أحداث الجنوب ودارفور تكفي لتأكيد خطورة الدور الخارجي في فرض نموذج الدولة الفاشلة علي معظم الدول العربية. هل هذا يعني أن مخطط إعادة التقسيم بات هو الحل حسب رؤية فريدمان؟, وهل هذا يحمل بعض المؤشرات حول خلفية تجديد الدعوة إلي نزع مصر من عروبتها وإعادة طرح سؤال الهوية أي: من نحن؟, حسب ما أثير خلال اسابيع مضت؟ وهل هذا يعني أن حلم الوحدة العربية الذي كان أملا في إعادة توحيد ما يتم تقسيمه علي أيدي البريطانيين والأمريكيين قد أصبح كابوسا في ظل ما يخطط امريكيا وإسرائيليا؟ الأسئلة كثيرة وخطيرة وربما يكون الدافع إلي تجديد طرحها هو ذلك الربط من جانب البعض بين تجديد دعوة نزع مصر من عروبتها وبين فشل دعوة الوحدة العربية, أي أن فشل الوحدة العربية أضحي في نظرهم سببا كافيا كي يتخلي المصريون ونهائيا ليس فقط عن هدف أو أمل الوحدة بل عن العروبة كلية, وأن يبحثوا عن هويات أخري بديلة سواء كانت فرعونية أو بحر متوسطية أو غيرها من الهويات أيا كانت باستثناء الهوية العربية, دون وعي أو إدراك أن المعني الوحيد لذلك هو هدم المعبد علي رأس كل من فيه, لأن الارتداد عن العروبة هو الخطوة الأولي والأهم لتهيئة الظروف المناسبة لمشروع تقسيم مصر إلي دويلات لا نعلم منها حتي الآن غير ثلاث: واحدة مسلمة والثانية قبطية والثالثة نوبية. فشل مشروع الوحدة العربية في تجارب قليلة سابقة لا يكفي لأن يكون سببا للانقياد الي المشروع الانتحاري البديل, أي مشروع إعادة ترسيم الخرائط السياسية وفق منظور الشرق الأوسط الجديد الأمريكي, لكنه يجب أن يكون دافعا للبحث عن أسباب هذا الفشل, أن نسأل لماذا فشلت دعوة الوحدة عند العرب وهم أمة واحدة وشعب متجانس بثقافة ولغة واحدة, ونجح الآخرون وعلي الأخص الأوروبيون وهم أمم متصارعة متناحرة سبق أن خاضت غمار حروب ومعارك شديدة الخطورة كان أشهرها الحربان العالميتان الأولي والثانية. من المهم أن نسأل لماذا فشل العرب ونحاول أن نجد الحلول, وأن نسأل لماذا نجح الأوروبيون ونتعلم الدروس, لكن قبل هذا يجب أن نعي حقيقتين: الأولي, أن الفشل له أسبابه الداخلية في كل دولة عربية. لائحة الدولة الفاشلة ومؤشراتها, كما نشرتها مجلة فورين بوليسي التي أشرنا إليها تؤكد أن خطر التفكك والانهيار للدولة العربية يرجع الي عوامل حقيقية داخلية يجب إيجاد حلول لها ليس فقط للانطلاق نحو دعوة وهدف الوحدة العربية للحفاظ أولا علي بقاء ووحدة وكيان كل دولة عربية. أما الحقيقة الثانية, فهي أن فشل مشروع الوحدة العربية له أيضا أسبابه الخارجية. هناك وثائق كثيرة تفضح الدور الأمريكي والدور الإسرائيلي في إفشال الوحدة العربية, والآن توجد الكثير من الوثائق والمعلومات التي تؤكد جدية المساعي الامريكية والإسرائيلية لإفشال الدولة الوطنية العربية وتفكيكها وإعادة تقسيمها. الوعي بهاتين الحقيقتين يمكن أن يتيح الفرص للتعلم من الآخرين, كيف يمكن أن نتحد ونتجاوز الخلافات. هنا تقدم لنا الخبرة الأوروبية الكثير من الدروس, وكانت تجربة القمة الأوروبية الأخيرة في بروكسل(21 22 يونيو الفائت) مفعمة بالدروس والعبر, وهي القمة التي خصصت للاتفاق علي المباديء الأساسية لدستور أوروبي بديل لمشروع الدستور الذي سبق أن رفضه الشعبان الفرنسي والدانماركي عام2005. في هذه القمة, التي كان هدفها تجاوز الخلافات والتوافق حول المستقبل, قدمت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي ما يمكن وصفه ب القاعدة الذهبية لإنجاح العمل الوحدوي. فقد دعت المستشارة ميركل الدول ال27 أعضاء الاتحاد الأوروبي إلي طرح كل هواجسهم علي بساط البحث, وقالت في إيجاز بليغ: من الضروري الحديث عما يجمع, لكن أيضا عما يفرق, أي أن التركيز علي عوامل التوافق والتوحد لا يكفي لتأمين الوحدة إذا لم يتم إعطاء الاهتمام الكافي للعوامل التي تفرق وتعرقل الوحدة. درس مهم يمكن أن يجدد فتح باب الأمل ليس فقط للحفاظ علي دعوة الوحدة العربية بل والأهم للحفاظ علي وحدة الدولة العربية التي باتت مهددة بالتقسيم والتي بدونها لا يمكن تجديد الحديث عن وحدة عربية. عن صحيفة الاهرام المصرية 9/7/2007