خطأ المراهنة على أوباما لتصحيح صورة أميركا د.عبد العاطي محمد عقب اعلان الحزب الديمقراطي الأميركي اختياره باراك أوباما مرشحا له في انتخابات الرئاسة الأميركية، كتب الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان مقالا حول دلالات هذا الاختيار، قال فيه: ان أفضل انجاز قدمه الحزب للولايات المتحدة، هو هذا الاختيار لأنه يحسن من صورتها في الشرق الأوسط. وأوضح فريدمان أن الادارة الأميركية الجمهورية بذلت جهودا مضنية طوال السنوات التي تلت أحداث 11 سبتمبر 2001. لمواجهة حالة الكراهية التي جوبهت بها في المنطقتين العربية والاسلامية، ولكن هذه الجهود لم تثمر عن تصحيح صورة الولاياتالمتحدة برغم ما أنفق عليها من أموال طائلة، وباختيار الحزب الديمقراطي أوباما مرشحا للرئاسة الأميركية، فانه يكون قد تفوق بحركة ذكية وبسيطة على كل الجهود السابقة وحقق للولايات المتحدة ما عجزت عنه سياسيا ودبلوماسيا طوال السنوات الماضية، أي تصحيح صورتها في الشرق الأوسط . وفي اعتقاده أن اختيار أوباما لقي ترحيبا من شعوب المنطقة وساستها، مؤكدا أنه لمس هذا التحول في المشاعر خلال جولة قام بها إلى بعض دول المنطقة وقت اعلان المرشحين الديمقراطي والجمهوري في الانتخابات الرئاسية. وبنى فريدمان النتيجة التي توصل اليها استنادا إلى أن الشعب الأميركي باختياره أوباما (ممثلا في أعضاء الحزب الديمقراطي) انما قدم درسا حقيقيا عن أميركا القدوة والنموذج التي تمثل القيم الديمقراطية في أفضل صورها والتي كانت بسببها موضع تقدير واعجاب الآخرين وليس كراهيتهم، فقد تم اختيار شاب ملون مرشحا لأهم منصب سياسي على مستوى أميركا، بل والعالم، وهو شاب أعلن من قبل اختلافه مع سياسة جورج بوش على أكثر من صعيد خارجي، وبات أمل أميركيين كثيرين لاعادة تقديم أميركا بالصورة التي تجذب صداقة وتعاون شعوب الشرق الأوسط والعالم. وبغض النظر عن امكانية نجاح أوباما أو فشله في الانتخابات المقبلة، فان النتيجة التي ستبقى في الأذهان وفقا لتقديرات فريدمان هي أن الشعب الأميركي كره سياسة الرئيس بوش ويريد تغييرا في الكثير من جوانبها على الصعيد الخارجي، وأن هذا الشعب بارادته هو قرر أن يصحح الصورة عن بلاده خارجيا، وذلك باعادة تصحيح أوضاعه الداخلية وانقاذ الديمقراطية الأميركية من المحافظين الجدد الذين أساءوا لها أيما اساءة من خلال السياسات التي تم اتباعها مع شعوب الشرق الأوسط وبلدانهم وبدت متعارضة، بل منتهكة للقيم الأميركية الأصيلة في الدفاع عن الحرية.. انها الصورة الحقيقية لأميركا التي لا يجري فرضها على الآخرين ولا تمتهن باستغراقها في أشكال عدوانية مختلفة تبدأ من الاحتلال المباشر إلى الحملات السياسية والاعلامية الصارخة لاحداث التغيير القسري في الشرق الأوسط، وتحديدا في العالمين العربي والاسلامي باعتبارهما يعيشان أجواء عنف وارهاب ويفتقدان للديمقراطية في تقدير الأميركيين. والواقع أن ما توصل اليه فريدمان لا يصلح لبناء تصور مستقبلي بأن صورة الولاياتالمتحدة ستتحسن بالفعل، مع افتراض وصول أوباما إلى البيت الأبيض، فلا يجب أن نهمل حماس فريدمان نفسه للحزب الديمقراطي الأميركي باعتباره الحزب الذي يرعى التعددية ولا يستخدم أساليب عنيفة وتحكمية مع الآخرين ويؤمن بالحلول الوسط والدبلوماسية ومهتما بالدرجة الأولى بترسيخ قيم الديمقراطية الأميركية التقليدية، وهو أفضل بكثير بالنسبة لهذه التوجهات مقارنة بالحزب الجمهوري. وفريدمان من الذين ناصبوا العداء للجمهوريين والرئيس جورج بوش وادارته من منطلق أنه امتهن القيم الديمقراطية الأميركية، علما بأن فريدمان كان مؤيدا للحرب الأميركية ضد العراق مثله مثل الكثير من المنتمين للحزب الديمقراطي، وانقلب على هذا الموقف بعدما تكشفت أخطاء الاحتلال في العراق وما حصل في سجن أبو غريب، بالاضافة إلى ما هو قائم في معتقل غوانتانامو، ولذلك فان حماسه لأوباما ينطلق من رغبة الأميركيين الآن في اعادة ترتيب البيت الأميركي من الداخل للتخلص من سياسات المحافظين الجدد وبما يعيد لأميركا سيرتها الأولى قبل وصول جورج بوش إلى الحكم. وحتى اذا فشل أوباما في الوصول إلى البيت الأبيض فان تيار التغيير المناهض لسياسات المحافظين الجدد سيستمر ويتصاعد اذا ما وصل منافسه جون ماكين الجمهوري إلى منصب الرئيس، ولا يخفي أن هذا التغيير الداخلي المنتظر سينعكس في توجهات السياسة الأميركية الخارجية، وتحديدا تجاه الملفات الرئيسية في الشرق الأوسط التي أدت مشكلاتها إلى نشر الكراهية ضد الولاياتالمتحدة، وستظهر توجهات جديدة مغايرة في الأسلوب وليس في الجوهر كأن تستند الادارة الأميركية إلى الدبلوماسية بدلا من التدخل العسكري والى الترويج لنشر الديمقراطية دون فرضها على الآخرين. وبالقطع اذا ما حدث ذلك فان صورة الولاياتالمتحدة ستتحسن. ولكن تحقيق هذا الهدف لن يكفي فيه تغيير الأسلوب بل يتعين أن يحدث تغييرا في جوهر السياسة الأميركية وهو ما لا يمكن الوثوق به سواء جاء أوباما أو ماكين إلى الحكم. والسبب أن الولاياتالمتحدة ملتزمة استراتيجيا بحماية إسرائيل والعمل على أن تظل متفوقة عسكريا على جيرانها في الشرق الأوسط وأن تبقى آمنة دائما من أي شكل من أشكال التهديد، كما أنها معنية لعدة سنوات مقبلة بنفط الشرق الأوسط وستحافظ على كل آليات التدخل لضمان استمرار تدفق النفط والسيطرة أيضا على أسواقه. وكلا الأمرين: إسرائيل والنفط لن يعملا مستقبلا في صالح تحسين صورة الولاياتالمتحدة بين العرب والمسلمين حيث سيبقى الخلاف حولهما على حالة الكراهية وفي أفضل الأحوال فانها ستقل حدة لا أن تتلاشى كما يتصور فريدمان. ان هناك عدة حقائق فرضت نفسها على سطح الأحداث تجعل من العرب والمسلمين لا يذهب بهم الخيال إلى حد توقع انتهاء عصر الكراهية وبدء عصر مختلف من الصداقة والعلاقات الحميمة، فأوباما نفسه لم يتأخر عن اعلان ولائه الشديد لإسرائيل حيث سارع بكسب ود «الأيباك» وبدد لديهم الشكوك التي دارت حوله من جانب إسرائيل عندما أثير في حملته الانتخابية أنه من أصل مسلم وأنه سيفتح صفحة جديدة مع العالمين العربي والاسلامي، اذا ما وصل إلى البيت الأبيض بما في ذلك فتح حوار مع ايران. ولكنه أمام المنظمة اليهودية نفى أي علاقة له شخصيا بالاسلام والمسلمين، وأكد ايمانه بأن القدس ستظل عاصمة إسرائيل الأبدية، وأن أمن إسرائيل هدف استراتيجي للولايات المتحدة لا يخضع لأي نقاش، وتراجع عن تصريحاته اللينة تجاه ايران. وفي الصراع العربي - الإسرائيلي أعلن تأييده بالطبع للحل السلمي وعزمه على تنشيط المفاوضات لاقامة مشروع الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية ولكنه كرر نفس مواقف الادارة الجمهورية فيما يتعلق بأمن إسرائيل ووجهة نظرها في اقامة السلام مع الفلسطينيين، كما رفض أي حوار مع حماس، لقد أكد زيجنينو بريجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر وأحد العناصر الأساسية في حملة أوباما الانتخابية أنه لا يمكن تصحيح صورة أميركا لدى العرب والمسلمين الا بحل المشكلة الفلسطينية، وبنى كثيرون على هذا الموقف أن أوباما سيكون معنيا بشكل أكثر جدية من جورج بوش بهذا الحل ليس فقط انطلاقا من قناعاته الحزبية والشخصية، وانما لاهتمامه بتحسين صورة بلاده في المنطقة. وربما يكون هذا صحيحا إلى حد كبير، ولكن انحيازه وتعاطفه الكامل مع إسرائيل لن يؤدي إلى حل للمشكلة الفلسطينية، فقد يستطيع انجاز تسوية سياسية مثلما فعل جيمي كارتر من قبل في اقامة السلام بين مصر وإسرائيل، ولكن التسوية لن تعني حلا للمشكلة الفلسطينية حيث ستظل عناصرها التي شكلت عوامل الكراهية والصراع قائمة ومن أبرزها الظلم التاريخي الذي لحق وسيلحق بالفلسطينيين وبقاء القدس في أيدي إسرائيل. وفي ضوء الانحياز الأميركي لإسرائيل والذي لن يتغير، والتوصل إلى تسوية سياسية منصفة نسبيا أو غير منصفة وليس الحل العادل للمشكلة، فإن صورة أميركا لدى العرب والمسلمين لن تتحسن كثيرا. ومن جهة أخرى ألقت أزمة ارتفاع أسعار النفط بظلالها على العلاقات العربية الأميركية في اتجاه عدم تحسين صورة الولاياتالمتحدة في المنطقة، بل زادتها سوءا، وليس من المتوقع أن ينجح القادم الجديد إلى البيت الأبيض في أن يقدم حلولا عادلة لهذه الأزمة تنصف المنتجين والدول الفقيرة، لأنه لن يتمكن من تغيير قواعد اللعبة الراهنة في الاقتصاد الأميركي، وهناك شريحة كبيرة من هؤلاء تنتمي إلى المنطقة العربية، فقد أدى الركود الاقتصادي الأميركي وتخفيض قيمة الدولار إلى احداث أزمات اقتصادية حادة في دول المنطقة، نتج عنها ارتفاع معدل التضخم ومن ثم انخفاض مستويات المعيشة. وأدت سياسات المضاربة والاستثمار المكثف في مشروعات انتاج بدائل للنفط واستكشاف مناطق جديدة له بصورة مكلفة للغاية إلى رفع أسعار الطاقة عموما، مما ألقى بظلاله السلبية على الحياة الاقتصادية في دول المنطقة، وهكذا بات راسخا في أذهان أبنائها أنه مثلما كان الانحياز المطلق لإسرائيل سببا تقليديا في الصورة السلبية عن الولاياتالمتحدة، فان سياساتها الاقتصادية التي جلبت الخراب عليهم وجعلت المستقبل مظلما بالنسبة لهم أصبحت سببا اضافيا لزيادة الصورة سوءا. عن صحيفة الوطن القطرية 29/6/2008