فليغرسها....!! عبد القادر مصطفى عبد القادر الإيجابية تعنى في نظري التفاعل مع الواقع بأمل وتفاؤل من أجل التأثير فيه وقيادته نحو الأفضل ، كما تعنى احتراماً لسنن ونواميس تسير هذا الكون وتحركه في إطار منظومة دقيقة ومبهرة ، وهى بالقطع _ أي السنن_ لا تتبدل ولا تتغير ولا تتحول ، وهى في ذات الوقت لا تحابى ولا تجامل .. بل تحترم من يحترمها وتتجاهل من يتجاهلها ، وأعنى هنا أن الكون ينفعل ويتجاوب مع أي إنسان مهما كان بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه متى ألزم نفسه باحترام نواميس هذا الكون ، أما من أوهم نفسه بغير ذلك وظن أن السماء تمطر ذهبا وفضة، وأن الأرض تنبت زيتونا ونخلا وحدائق غلبا.. دون سعى أو كفاح فأظنه لصا يتلصص على المستقبل بلا أي وسيلة تؤدى إليه. إن كل شيء في الكون يتحرك ليؤدى مهمة مقدرة ومحددة ، وقد يكون في هذا مخيراً أو مسيراً..لكن يظل هذا الشيء مستمداً أهميته وقيمته متى تحرك بفاعلية وإيجابية نحو أداء مهمته على الوجه الأكمل ،ويموت هذا الشيء ويفقد قيمته ويتلاشى وجوده متى توقف عن السعي لتحقيق أهدافه وغاياته، والإنسان خلق من خلق الله تعالى أوجده الله من أجل القيام بمهمة عظمى وهى رسالة الإعمار والبناء في الأرض ..إذ قال تعالى ( هو الذي أنشاكم من الأرض واستعمركم فيها ) ، ومعنى أن يعرض الإنسان عن انجاز هذه المهمة فكأنما قد تنكر لسر وجوده وغاية خلقه ، وعليه فلن يتحقق انسجام وتناغم بين هذا الإنسان المقصر وبين مفردات الكون الأخرى التي تؤدى مهمتها بإتقان مبهر، وبذا فلا عجب أن نرى الكون وقد حجب أسراره على الكسالى والمقصرين حتى ولو كانوا مسلمين ، ومنحها لذوى الهمة والنشاط ولو كانوا غير مسلمين ، لان الإسلام كمنهج رباني مكتمل وتام لا يمنح معتنقيه صكاً يدعوهم فيه إلى التراخي والكسل والإهمال ونبذ الحياة ثم يعدهم من بعد ذلك بأن تأتيهم الدنيا وهى راغمة تتمنى رضاهم وهم في هذا السبات العميق. من هذا المنطلق استطيع القطع بأن كل الظواهر السلبية مثل التطرف والجهل والإدمان والإهمال .. الخ إنما هي ظواهر صنعتها أيدي البشر وليس للقدر أو للصدفة فيها نصيب، كما إن الاعتدال والعلم والاستقامة والجدية هي ظواهر ايجابية أفرزتها حركة إنسانية جادة تسعى لدفع الحياة نحو التطوير والتحديث المستمر. إذاً فالإنسان ليس مجرد ريشة معلقة في الفضاء تتقاذفها الريح كيف شاءت، إنما هو كائن ذو عقل وإرادة بهما فٌضل على كثير مما خلق الله وبهما أيضا كٌٌلف وبهما استٌخلف في الأرض كي يقودها نحو الأفضل دائما .. العقل للتفكير والتخطيط ،والإرادة لإخراج التفكير والتخطيط إلى حيز التنفيذ والتطبيق، وعلى ذلك فلو تخلى الإنسان عن عقله وإرادته لتخلى وقتئذ عن إنسانيته المكرمة وانحط إلى مرتبة أدنى من كونه إنسانا. من أجل ذلك وجب على كل إنسان في أي مكان أو مكانة أن ينفض عن كاهليه غبار السلبية والانهزامية، وذلك بان ينهض من على مقاعد المتفرجين وينزل إلى ميدان الكفاح الشريف والعمل الدءوب الفاعل المؤثر الذي ينفع ولا يضر الذى يبنى ولا يهدم .. بأن يكون فاعلا لا مفعولا به في زمن لا يتعرف إلا بالمجيدين.. بأن ينضم بحب إلى قوافل التعمير والبناء وينبذ كل دعوة لهدم الحياة .. بأن يخلص لوطنه ويسعى بصدق لتحقيق غاياته في حدود طاقاته ، عندئذ فقط تتغير نظرة الإنسان إلى نفسه، وعندئذ يتغير لون وطعم الحياة ذاتها.. بل عندئذ يصبح الإنسان إنسانا. وتبقى كلمة الإسلام الخالدة.... ( إذا قامت القيامة وفى يدكم أحدكم فسيلة فيغرسها...) فهل هناك ايجابية أعظم من ذلك.