عادة ما يدعو الكاتب أصدقاءه لحضور حفل توقيع لكتابه، فتنتشر الأخبار على مواقع الشبكة الإلكترونية بوجود حفل توقيع في مكان ما، لكن هذه الحفلات تتباين في هيئتها وأهميتها من كاتب الى آخر ، فالكتّاب الكبار تجيئهم القنوات الفضائية، خاصة إذا كان الناشر من دور النشر الكبرى، أما الكتّاب الجدد فيسعون للاحتفاء بأنفسهم عبر كلمات المجاملات والتحيات، وبعضهم يدعو موسيقياً أو مغنياً كي يجذب جمهوراً الى الحفلة ويضفي نوعاً من البهجة على المكان، لكن السؤال الذي ما زال حاضراً هو: ما مردود هذه الحفلات على الفعل الثقافي؟ وهل يمكن ان تكون بديلاً عن المناقشة الجادة للأعمال التي تصدر؟ وكيف ينظر إليها المبدعون أنفسهم؟ يقول الشاعر محمد سليمان ان دار النشر في الغرب هي التي تقدم الكاتب وتروج له عبر جولة طويلة في الولايات أو المحافظات المختلفة، لكنها أيضاً لا تقدم على النشر إلا إذا كان الكاتب نجماً أو مشروع نجم، ولديها لجنة ومستشارون يضعون ملاحظاتهم على الكتاب الذي يمكن ان يحقق التوزيع، ويطلبون من الكاتب التعديل أو التغيير في عمله وفقاً لهذه الملاحظات، لكن هذا كله غير معمول به لدينا، ومن حق أي شخص ان يدفع ألفي جنيه وينشر عمله، ثم يدعو أصحابه لحضور حفل التوقيع، ويضيف ان هذه الحفلات يستفيد بها الناشر لا الكاتب لأنها تحقق له بعض المبيعات، وإذا حدث بمجهود الكاتب أيضاً ودخل العمل إلى قائمة أفضل المبيعات فذلك من حسن حظ الناشر الذي لا يتعب في شيء. أما الناقد صلاح السروي فيرى انها عمل دعائي لمصلحة الانتاج الأدبي، ففي السنوات الأخيرة ظهر سعي للتعامل مع الأدب ليس بوصفه سلعة ولكن كمنتج، وأي منتج يحتاج إلى نوع من الدعاية كي يتم جذب مستهلك له، ويرى السروي ان هذا عمل محمود في ذاته، لكن مشكلته هي التضخيم الزائد أكثر مما يستحق العمل، ومن ثم فقد يصبح الأمر وبالاً على المنتج ككل لأن الدعاية تستطيع ان تخدع القارئ مرة لكنها لن تخدعه كل مرة، وإذا ساد تصور سيىء عن الأعمال التي تقام لها حفلات توقيع فإن مردودها سيكون سلبياً، ورفض السروي اعتبار وجود نوع من التنافس بين الحفلات والندوات ، معتبراً أن أي منهما مكمل للآخر، على اعتبار ان الندوات في حد ذاتها ليست سوى نوع من الدعاية والإعلان المستبطن عن ميلاد عمل جديد. أما صاحب دار تلاقي للنشر الشاعر السماح عبد الله فقال انه تقليد جيد وذو مردود إعلامي طيب خاصة في حالة الشعراء والكتاب الجدد، ومع ان مردوده المادي على دار النشر ليس كبيرا كما يتوقع البعض، فعلى العكس هناك دور تنفق على الحفل، ولكن هناك دور أخرى تربح منه أرباحا طيبة، وذلك بحسب اسم الدار أو الكاتب أو أهمية الكتاب، لكن يبقى انه إعلان وتقليد طيب للإعلان عن الكتب، وأكد ان هذا هو المطلوب منه، فليس من المتوقع ان يكون ندوة أو مناقشة جادة للعمل، وإن كان البعض يسعى أحياناً لجعل الندوة والحفلة عملا واحدا وفي وقت واحد، في حين يجعل منها آخرون قراءة مصحوبة بموسيقى أو غناء، خاصة في حالة الشعر، وربط بين ظهور حفلات التوقيع وقائمة أعلى المبيعات على انهما من الظواهر الجديدة المرتبطة بتوزيع الكتاب والاحتفاء به، موضحاً ان هذا تقليد ليس أصيلا في الثقافتين المصرية والعربية لكنه جيد لتحفيز القراء على معرفة ما يصدر وما تنتجه المطابع كل يوم. أما المسؤول الإعلامي عن دار المحروسة صاحبة مكتبة البلد الشاعر مصطفى عبادة فيرى ان حفلات التوقيع لها أكثر من مردود، فالكاتب يختزل بحسب تعبيره كتابه وجهاً لوجه مع القارئ، وغالباً ما يأتي الشباب بذويهم وأصدقائهم محدثين حالة من الفرح بالكتاب، أما الكاتب الكبير فإنه يختبر جمهوره الحقيقي، إذا كان له جمهور ، وإذا حدث نوع من الإعلام الجيد عن الحفل، ومن ثم فإن دار النشر تعرف إذا كانت ستستمر في تعاملها معه أم لا، ويرى عبادة ان حفلات التوقيع بالنسبة للكتاب الكبار ليست رسالة بقدر ما هي بحث عن التوزيع وإعلان عن صدور الكتاب، لكنها بالنسبة للشباب نوع من الرسالة تقوم بها دار النشر، لأن هؤلاء الشباب في سن تحتاج إلى الدعم والمعونة والوقوف بجانبهم كي يتحقق وجودهم في الفعل الثقافي، ويرى عبادة ان ثلاثة ظواهر نشأت متوافقة في وقت واحد هي حفلات التوقيع والبست سلر وورش الكتابة، ويضيف ان ظهور هذه الظواهر يعود الفضل فيه الى الجيل الذي نشأ مع مكتبة الأسرة، والذي أصبح أغلبه الآن كتاباً، ويرى أيضاً ان المعونة الأميركية سواءً لوزارة التربية والتعليم أو للعديد من دور النشر قد فعلت مفعول السحر في الثقافة المصرية التي تشهد حراكاً ثقافياً وسياسياً له مردوده الواضح على المستوى الاجتماعي، فإذا كانت مكتبة الأسرة نشأت في بداية التسعينات لمواجهة الإرهاب فإنها قد أتت بجيل أغلبه من الكتاب، ومن نتائجها أيضاً ظهور أتباع الدعاة الجدد الذين يقدمون الإسلام من منظور متطور، ومن ثم صارت الحلقة تضيق على الجماعات المتطرفة، وهذه الظواهر جميعاً لا يمكن فصلها عن حفلات التوقيع التي تقدم الثقافة بشكل مدني حديث متطور . ** منشور بصحيفة "القبس" الكويتية 10 يونيه 2009