يحرص كثيرون علي إبداء كراهيتهم للأشياء، واستيائهم من بعض المواقف، وتذمرهم من بعض الأشخاص، وفي الوقت نفسه يبخلون بحبهم، فلا يظهرونه بعفويته وتلقائيته في كل المواقف وتجاه كل الأشخاص، وإن أظهروه في بعض الأحيان.. جاء مغلفاً بالتكلف، مختفياً وراء ستار الحياء، مكتفياً بالتلميح دون التصريح، وكأنهم يرتكبون عملاً مشيناً، بينما هم بالحب يضيفون لبنات جديدة إلي صرح العلاقات الإنسانية الحميمة. وهذا الجنوح إلي عدم البوح بالحب يخضع للتقاليد التي ترسخ في بعض العقول مفاهيم غريبة، فيها من التحريض علي الجفوة والجفاف العاطفي أكثر مما فيها من التحريض علي التصافي واللين والمرونة، مع أن الحياة لا تستقيم بغير الحب.. الحب لله وفي الله.. حب الخير والجمال والفضيلة، حب الناس الذين بقربهم تفتح أبواب الأمل والطمأنينة، وتجمل الحياة، وتتحول أعباؤها وصعوباتها إلي أمور سهلة يمكن تخطيها بيسر ودون مشقة. ربما لا يعني عدم إظهار الحب أي لون من الكراهية، ولكنه يعني ببساطة مقاومة سطوة العاطفة وخاصة في محيط الأسرة، عندما تسود النظرة السلطوية لتمنع الرجل من البوح بحبه لزوجته، كما تمنعه من البوح بحبه لأبنائه أو بناته، ليحمي غطرسته الأبوية، من الاهتزاز في نظر ذويه، مع أن الواقع يؤكد أن إعلان الحب بين أفراد الأسرة يزيد علاقة أفرادها توثقاً، ويمنحهم الطمأنينة والثقة بالمستقبل. والآباء الذين يبخلون بالبوح بحبهم لأفراد أسرهم.. لا يتوانون- في الغالب- عن البوح بغضبهم إذا لاحت أي بادرة تقصير، فيتوعدون بالويل والثبور، وعظائم الأمور، متناسين ذلك الحب الذي يعمر قلوبهم تجاه أفراد أسرهم، حتي وإن أخفوه، وتلك العاطفة التي تجيش في أفئدتهم حيال من يعيلون، حتي وإن تجاهلوها، فذلك الحب وهذه العاطفة، فطرة في قلوب الآباء والأمهات نحو فلذات أكبادهم. وإخفاؤها أو تجاهلها لن يغير من هذه الحقيقة التي أثبتتها التجربة لدي ذوي الفطرة السليمة، فما أن يصاب أحد أفراد الأسرة بمكروه حتي تتدفق عواطفه دون حدود، فأين كانت هذه العواطف ولماذا لا تظهر إلا في المواقف الحرجة، ولماذا لا تكون طابعاً سائداً في الحياة الأسرية. الغريب أن بعض الرجال العابسين أمام أفراد أسرهم.. ينطلقون مع أصدقائهم في عوالم لا تحد من المرح والبهج والانبساط، وما أن يفارق أحدهم منزله حتي يفارق العبوس والنكد، ويلبس ثوب البهجة والسرور فهم مع أصدقائهم يعيشون بوجوه أخري لا تعرف العبوس أو النكد، بينما هم في منازلهم عابسون ومتذمرون، وكأن المنزل قد أصبح زنزانة، السجان فيها الأب، وأفراد الأسرة هم السجناء، وهذا وضع غير طبيعي لا يمكن أن تستقر معه الحياة الزوجية، كما لا يمكن أن تستقيم به الحياة بصفة عامة. إن وقار الأبوة لا يتحقق بالقسوة والغلظة، ولكن باللين والمحبة، وإظهار المشاعر الحميمة والرائعة تجاه أفراد الأسرة جميعاً، أما غير ذلك فهو تصنع مرفوض، يتنافي مع طبيعة عاطفة الأب تجاه زوجته وأولاده، وهي عاطفة طاهرة ونقية، أولي بها أن تعلن بلا تردد. أما الذين قست قلوبهم إلي درجة التحجر، فهؤلاء يمكن تصنيفهم في قائمة المرضي، وهم في أمس الحاجة إلي العلاج النفسي لأن الحب نعمة وهبها الله للإنسان لتجمل بها الحياة، وتكتسب من البهاء ما يجعلها هانئة رخية، وما أحوج الإنسان إلي ظلال الحب ليتفيأ بها من هجير الحياة وصهد المعاناة اليومية المستمرة، والكبار هم الأكثر قدرة علي إشاعة الحب بين أفراد أسرهم، وهذا أمر يكلف من الجهد أقل بكثير مما يكلفه الغضب، خاصة إذا أخذت في الاعتبار النتائج في الحالتين، وهي نتائج تنعكس تلقائياً علي حياة الأسرة والمجتمع، وأسرة دون حب غالباً ما تكون علاقات أفرادها جافة، تسودها الخشونة ويميزها العنف، وتسيطر عليها الجفوة في التعامل مع الآخرين. ** منشور بجريدة "الراية" القطرية 12-8-2007