قد يبدو للكثيرين منا بأن السعادة هي شعور غامر إما بانتصار حققناه في إنجاز بعض الأهداف وتحقيق بعض الطموحات، وإما في توهم باكتفاء تام من هذه الأهداف والطموحات، بعدما تحققت كلها في فترة قياسية وكأن الأمر تم بضربة حظ، وهو شعور يوهمنا بأن السعادة لها وصفة جاهزة ما أن يحوزها المرء فإن باستطاعته أن يرسم على وجهه سيماء السعيد التي هي مزيج من الاطمئنان والثقة بلا حدود، الاطمئنان إلى ما تحقق والثقة بعدم النقصان والخفوت فيما تم تحقيقه أبدا. وإذا علمنا بأن القدر يضيق إذ يجد البشر في هناءة وتراه يتكلف إزعاجنا.. كما يقول سولون الأثيني وهو أحد الحكماء في أثينا القديمة، قام بوضع الإصلاحات وسن التشريعات في تنظيم الحياة فيها، عاش مابين 594 و572 قبل الميلاد، فإن أمر الإنسان في دنياه نجده مرهون بالعواقب دائما ويكون مرتبطا ارتباطا وثيقا بما يعرض له في قادم أيامه، واستحالة أن يضمن الإنسان دوام الحال.. ودوام الحال من المحال.. أمام هذا التعاقب والتقلب في الأحوال والتبدل في الظروف المعرض لها منذ مولده و حتى مماته. وما يشكل المدخل السهل إلى وهم السعادة وإدعاء حيازتها دون الآخرين فيما نظن، هو خيلاء الجاه والمنصب وبطر القوة والنفوذ، اللذين يثملان صاحبهما فيظل في سكرة عما حوله بتأثيرهما إلى أن يقلب عارض ما أو متغير ما من متغيرات الحياة عاليه سافله. ويقال بأن أحد الحكماء بعد أن حل ضيفا على ملك من الملوك وجه هذا الأخير بعض خدمه، بعد أن أكرم وفادته واستقبله استقبالا حفيا في قصره لمرافقته في جولة اطلع فيها على الخزائن الملكية وعاين الثراء والغنى اللذين يشيعان في كل الأرجاء، ولما تعرف على أحوال المملكة قدر ما أتاحت له الفرصة لم يملك هذا الملك بعدها مقاومة الرغبة في سؤاله عمن وجده أسعد الناس قاطبة، مع ما في السؤال من إضمار على إنه في حالته يعتبر أسعد الناس ولم يشأ الحكيم المداهنة، فكان رده على سؤال الملك بالقول: إن الإنسان ليرى ويخبر كلما طالت به الأيام أمورا كان يود لو عاين ما هو أفضل منها، وأضاف الحكيم إني لن أستطيع أبدا أن أجيب على سؤالك الذي طرحته أيها الملك، حتى يتأكد لدي أنك انتهيت إلى الموت سعيدا، فإن صادفت رجلا قد حالفه الحظ فمات على نحو ما عاش فهو عين ما أنت باحث عنه، فهذا وحده الجدير بأن يوصف بالرجل السعيد، ولكن حذار من أن تقول في رجل إنه سعيد حتى يموت وهو على نفس الوضع من الرخاء والاستقرار في العيش، ذلك إن المرء لا يكون سعيدا إلى أن يقضي (يموت) وقبل ذلك هو محظوظ وحسب، هذا إذا لم ينظر الحكيم إلى القناعة على إنها باب من أبواب السعادة ولم يعتبرها المدخل الذي تكمن فيه السعادة كل السعادة في الحياة. ** منشور بصحيفة "الوطن" العمانية 11 إبريل 2009