دول الخليج بين دعوات "الهجر" و "التمسك" بالعملة الخضراء محيط – زينب مكي
في الوقت الذي أظهرت فيه الإحصاءات الواردة من المصارف المركزية حول العالم تراجع أصول تلك المصارف من العملة الخضراء لمصلحة عملات أخرى، حذر تقرير حديث من أن فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار ماعدا الدينار الكويتي من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التقلبات وتقويض بعض المكاسب الأخيرة في حال عدم وجود بديل أفضل ، مؤكدا في الوقت ذاته أن فوائد ربط دول مجلس التعاون عملاتها بالدولار ظهرت ''بشكل جلي'' خلال الأزمة الاقتصادية العالمية.
وكانت دراسة أعدتها المحللة إيما لوسون من مصرف "مورجان ستانلي" قد أشارت إلى أن المصارف المركزية لم تقبل على الذهب كسلعة تحوّط، على رغم أسعاره المرتفعة، بل واصلت بيع ما تمتلكه من المعدن الأصفر لزيادة ما تحوز عليه من السيولة، مؤكدة أن نسبة الدولار في احتياطات المصارف المركزية في العالم تراجعت من 58.1% إلى 57.3%.
الظاهرة ليست ظرفية
وقالت لوسون، إن الظاهرة قد لا تكون ظرفية، بل قد تتزايد مع الوقت بحيث تخفّض المصارف المركزية احتياطاتها من الدولار في شكل أكبر، لافتة إلى أن العملات التي تقبل عليها المصارف المركزية حالياً غير منتظرة مطلقاً، إذ إنها لا تشمل اليورو أو الين أو الجنيه، بل الدولار الأسترالي ونظيره الكندي، وهي عملات تسجل عادة في خانة "عملات أخرى"، من ضمن البيانات المالية للمصارف، وشهدت هذه الخانة زيادة تعادل نسبة تراجع الدولار.
وعلى الصعيد نفسه ، ذكر تقرير أصدره البنك الآسيوي للتنمية أن أيام الدولار الأمريكي كعملة العالم الاحتياطية الرئيسية أصبحت معدودة وان نظام الدولار لا بد أن يتنحى ليفسح المجال لنظام احتياطي متعدد العملات تلعب فيه العملات الآسيوية دوراًُ رئيسيا.
أيام الدولار "معدودة"
الأهلي كابيتال وقال رئيس المصرف هاروكيكو كورودا في مقدمة التقرير، الذي شارك في إعداده معهد الأرض في جامعة كولومبيا المجموعة الاستشارية النقدية الدولية، إن الدولار سيبقى على الأرجح مسيطراً في المستقبل المنظور لكنه سيواجه تحديات على نحو متزايد مشيرًا إلى أن كثيرين يعتقدون أن اليورو منافس جيد للدولار كعملة احتياطية لكن أزمة الدين اليونانية أثبتت أن اليورو ليس بتلك العملة القوية.
وأشار تقرير المصرف الآسيوي إلى أن نظام الاحتياطي العالمي لا يعمل بشكل جيد واستعمال الدولار كعملة احتياطي دولي يفاقم مشكلة استعماله كعملة محلية ودولية في آن معاً ويخلق توترا بين صنع السياسة النقدي الوطني والعالمي.
وحث التقرير على تأسيس فريق عمل من خبراء مستقلين في نظام النقد الدولي لدراسة آليات الاحتياطي الجديدة المحتملة بالإضافة إلى إصلاحات نقدية ومالية أخرى مقترحا أن تعمل المنطقة الآسيوية على إيجاد عملتها الاحتياطية الخاصة بما يتماشى مع ثقل آسيا الكبير والمتزايد في الاقتصاد العالمي.
تحذير!!
وعلى الجانب الأخر، وبحسب تقرير حديث أصدره ''الأهلي كابيتال''، حول إعادة تشكيل العملات الدولية، فإن الدولار الأمريكي سيحتفظ بمركزه كعملة احتياطي عالمية ''في غياب وجود بدائل واضحة له على المدى القريب''، مشيرا إلى أن ربط العملات بالدولار خدم بصفة عامة اقتصادات دول مجلس التعاون ''بشكل جيد''.
وذهب إلى أن الاحتياطي الكبير لدى اقتصادات دول مجلس التعاون مكّنها من أن تستمر في السياسة التي تنتهجها، وأن الانكماش العالمي حوّل سياسة ربط العملات بالدولار إلى ''مصدر راحة''، مستبعد اعتماد نظام العملة القائمة على السلع الأساسية قريبا، و''إن كان احتمال تبنيها على المدى الطويل أكثر ورودا''.
مشكلة التضخم
وذكر التقرير، أنه على الرغم من هذه الفوائد المغرية، أثارت موجة التضخم في عام 2007/2008م جدلاً صاخباً حول مدى قدرة النظام الحالي على الاستمرار، فيرى منتقدو نظام سعر الصرف الثابت "عدم قدرة استدامة النظام في بيئة من معدلات التضخم المرتفعة، وضعف الدولار بسبب الضغوط طويلة المدى، واتساع الفجوة بين الدورات الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي ونظيرتها الأمريكية".
وأضاف "في الوقت الحاضر فإنه ليس من الواضح أن سياسة البدائل أهمها ربط عملتها بسلة أو تعويم مدار أن تعود بفوائد كبيرة على الترتيب الحالي نظرا لطبيعة التجارة ومستوى تطور السوق المالية لدول مجلس التعاون الخليجي".
وعن السياسات النقدية ، أشار التقرير أنه على الرغم من الاختلافات في الدورات الاقتصادية، فإن السياسات النقدية في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تعكس السياسة النقدية للولايات المتحدة، ومع وجود ربط للعملات بالدولار، كان على المصارف المركزية الخليجية في بعض الأحيان أن توفق بين استقرار الأسعار وحفاظها على معدلات الصرف الثابتة التي تبنتها، مع ذلك فخلال معظم العقود الماضية حققت البنوك الخليجية المركزية الاستقرار الاقتصادي من خلال الإبقاء على توقعات التضخم عند مستويات منخفضة، وتوفير الثقة بشأن أسعار الصرف.
العملة الخليجية واليوان
وعلى الصعيد نفسه، كشف معهد التمويل الدولي في دراسة تحديثية له أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ليست مطالبة بالاقتداء بالخطوة الصينية الأخيرة، المتمثلة في قيامها بإضفاء مرونة على سعر صرف عملتها أمام الدولار الأمريكي، بعد أن أثار ذلك مجدداً موضوع ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي.
و أعرب المعهد عن قناعته بأن سياسة ربط عملات دول الخليج بالدولار لا تزال هي السياسة الصحيحة، وأن هذه السياسة قد تستمر حتى قيام الاتحاد النقدي، حيث يمكن حينئذ مراجعة هذه السياسة والتحول إلى بدائل أخرى.