صدر عن المركز الثقافي العربي كتاب جديد للمفكر والمؤرخ المغربي عبدالله العروي بعنوان "من ديوان السياسة" يقول المؤلف في مستهل كتابه جوابا عن سؤال: حوار أم عروض؟: "طلب منِّي أحد الصحفيين المعروفين أن أحاوره عن الوضع السياسي الراهن. عن الحكومة وأدائها، الأحزاب وبرامجها، اليسار وتشرذمه، اليمين ومستقبله، الدين ودوره في الحياة العامة، اعتذرت لأن ما يعني الصحفي هو الجواب لا المرجعيات، الخلاصات لا المقدمات، وبدون مقدمات هل نفهم الجواب؟ فضَّلت أن أحاور نفسي، أن أطرح الأسئلة التي اقترحها الصحفي وأجيب عنها بعد تفحص وتأمل". يضم الكتاب وفقاً لصحيفة "الوطن" القطرية ما يقارب من 70 قضية تندرج حسب تبويبات مثل المنطلق، النوازع، التربية النظامية، الدولة المغربية والمجال السياسي وغيرها، ويتابع عبد الله العروري في كتابه الجديد ما بدأه في كتابه السابق "السنة والإصلاح"، وتتوزع القضايا التي ضمها الكتاب ما بين التاريخ والسياسة، و"الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية"، و "مفاهيم كالدولة.."، وهو كتاب في السياسة، ينطلق فيه المؤلف من ملاحظتين الأولى تتعلق ب "دور الوعي واللاوعي" والثانية ب "المسكوت عنه الذي يتحكم في كل ما نفكر ونقول". وينتهي المفكر عبدالله العروي إلى أن الدول الديمقراطية تمارس السياسة كثيرا وتتكلم عنها قليلا، أمّا الحاصل عندنا فهو العكس. فلا غرابة إذن أن نسيس الدين أكثر مما ندين السياسة، والسبب: الأميّة. إذ لم يحصل عندنا الفطام الضروري من الغريزة إلى العقل، من الإتباع إلى الاستقلال، من المبايعة إلى المواطنة. كما يشير العروي إلى أن الفكر السياسي القديم انطلق من النوازع، وأن السياسة نشاط لا بد لها من باعث والباعث هو النزعة. وفي النوازع يتحدث العروي عن "الخوف، الطموح، الولاء، الطمع، الحاجة، العلاقة السياسية" لينتقل إلى الحديث عن التربية بمجالاتها الأولية الاجتماعية والنظامية. والتي تقضي إلى مفاهيم هي عبارة عن مداخل للفهم. وهنا يتحدث العروي عن الفطام، الوحدة الرمزية، تطور الملك، الدولة المزيجة، الدولة المغربية، لينتهي إلى مقولة الإصلاح والمجال السياسي. وفي هذا الكتاب يورد المؤلف العديد من القضايا والوقائع التاريخية والحالات المجتمعية والكفيلة بإعطاء مقدمات لأجوبة يتبناها وفق أسلوب يغلب عليه التكثيف والدقة في التعريف وبلورة عميقة ورصينة للأفكار كما ينتهي إلى رصد مواقفه من بعض القضايا الجوهرية التي تهم الخطاب السياسي "المغربي"، مع أنه قضايا تتقاطع مع الكثير من قضايانا العربية. ومن هنا أهمية الكتاب الذي يتحول من خلفية حوارية إلى عرض مجاله السياسة. من طبائعها إلى الوجود الإنساني.