اهتمت "مابيل بيرزن" الأستاذة في جامعة كورنيل، بدراسة التداخل بين السياسة والثقافة في التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر، وظهر ذلك جليا في كتابها "سياسات غير لبرالية في الأزمنة اللبرالية الجديدة:الثقافة والأمن والنزعة الشعبوية في أوروبا الجديدة". ووفق صحيفة "البيان" الإماراتية تولي المؤلفة اهتمامها بالدرجة الأولى إلى ظاهرة صعود النزعات اليمينية المتطرفة التي تُقيم إيديولوجيتها على "الإقصاء" وعلى استغلال المشاعر الشعبية ضد الاعتراف عمليا بالتعددية، وتستخدم المؤلفة طريقة للتحليل فيها كثير من التجديد حيث أنها تقوم بتحليل ظاهرة الجبهة الوطنية الفرنسية، أي الحزب اليميني المتطرف الذي يتزعمه جان ماري لوبن، على أساس علاقته مع سياق يتجاوز فرنسا أي بالعلاقة مع السياق الأوروبي وأبعد منه مع سياق العولمة. ويتم التركيز على شرح المسارات السياسية والثقافية التي جعلت مثل هذه الظاهرة محط اهتمام شرائح متزايدة من المواطنين الفرنسيين، بحيث تؤكد المؤلفة أنه لا يمكن فهم النزعة الشعبية "الضيقة"، أي التي تستخدم المشاعر الشعبية لصالحها، إلا عبر فهم التركات التاريخية والممارسات الوطنية العالمية. وإذا كانت مؤلفة هذا الكتاب تولي اهتماما خاصا لدراسة حالة الجبهة الوطنية في فرنسا، فإنها تحلل أيضا آليات بروز الحركات المتطرفة في البلدان الغنية. وتقول أن فرض النماذج اللبرالية الجديدة التي شجّعتها العولمة وتواكبت مع التنمية الاقتصادية إنما يتطلب من النخب "التفاوض على عقد اجتماعي جديد بين المواطن والدولة"، لكن بالمقابل تؤدي ضرورة إعادة النظر في "العقد الاجتماعي" القائم بسبب القواعد التي تفرضها الليبرالية الجديدة إلى قيام نوع من البلبلة الاجتماعية في فترة اهتزاز القواعد التقليدية وعدم ترسخ القواعد الجديدة. مثل هذا المناخ هو الذي يستغلّه بالتحديد رجال السياسة عبر اللعب على شعارات التخويف من التهديدات الواقعة على الهوية الوطنية، لكن الأهداف الحقيقية والبعيدة لهؤلاء الساسة إنما هي الفوز في الانتخابات واكتساب قوة سياسية أكبر. ومن النتائج "الجديدة" التي تتوصل إليها مؤلفة هذا الكتاب، تأكيدها أن السلوكيات "الفاشية الجديدة" الصادرة عن الحركات المناهضة للهجرة والمهاجرين لا تمثل تعبيرات عن استمرارية لتيارات قديمة، مثل تلك التي عرفتها إيطاليا في ظل نظام موسوليني الفاشي خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، ولكنها أيضا نتائج "متوقعة" لنظام عالمي يؤكد هو نفسه على النخبوية.