كتاب رئيس الكنيست الذي تحول لعاصفة محيط - سميرة سليمان أثار كتاب رئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ "الانتصار على هتلر" الصادر بمناسبة مرور 40 عاما على احتلال الأراضي الفلسطينية ردود فعل غاضبة في أوساط اليمين واليسار داخل إسرائيل بلغت حد اتهامه بفقدان الرشد، نظرا لتضمنه آراء وأقوال تستنكر مبادئ الحركة الصهيونية وممارسات إسرائيل في المنطقة.
غلاف الكتاب يكتب بورغ في كتابه - وفق ما كتبت فاطمة شعبان بجريدة "الوطن" السعودية -: "في إسرائيل أنا أعيش في واقع "بادر إلى قتل من جاء لقتلك"، الأمر الذي يعني عملياً: إما أن انتصر عليك فتموت، أو أنني سأموت... فإسرائيل تعزز وتخلد الفلسفة اللا أبالية القائلة إن "العالم بأسره ضدنا... قامت دولة إسرائيل كملجأ آمن للشعب اليهودي، وهي اليوم المكان الأقل أمناً للجماعة اليهودية الذي يمكن العيش فيه... اسرائيل، الثورية الفتية المليئة بالحياة، تحولت الى متحدثة باسم الأموات، دولة تتحدث باسم كل اولئك غير الموجودين، أكثر مما تتحدث باسم كل اولئك الموجودين. واذا كان هذا لا يكفي، الحرب حولتنا، بدون ارادتنا، من ظاهرة شاذة، لنصبح قاعدة الشواذ نفسه. طريقة حياتنا قتالية. مع الجميع. مع الأصدقاء ومع الأعداء. قتال مع الخارج وقتال مع الداخل، يمكن القول، ليس بتوسع أو بشكل مجازي، انما بحزن وثقة، ان الاسرائيلى يفهم فقط... القوة. هذا الوضع بدأ كحالة استعلائية اسرائيلية امام عجز العرب من التغلب علينا فى ساحات الحرب، واستمر كإثبات للكثير جدا من التصرفات والقناعات السياسية، التى لا يمكن قبولها فى عالم سوي. ويتابع المؤلف: كل دولة تحتاج الى قوة بدرجة معقولة، الى جانب القوة تحتاج كل دولة ايضا الى سياسة وقدرة نفسية على لجم القوة ، أما نحن فلا يوجد لنا أى بديل للقوة، ولا نملك أى فهم أو ارادة عدا ان نجعل القوة تتكلم.. "واعطاء جيش الدفاع الاسرائيلى لينتصر". .. فى نهاية الأمر حدث لنا ما يحدث لكل ممارسى العنف والبلطجية فى العالم: شوهنا التوراة وشوهنا مفاهيمنا ولم نعد قادرين نحن انفسنا على فهم أى شيء آخر عدا لغة القوة. حتى على مستوى علاقة الزوج بزوجته، وعلاقة الانسان بصديقه، وعلاقة الدولة بمواطنيها، وعلاقة القادة ببعضهم البعض. ان الدولة التى تعيش على حرابها، والتى تسجد لأمواتها، نهايتها، كما يبدو، ان تعيش فى حالة طوارئ دائمة، لأن وجهة نظرها أن الجميع نازيون، كلهم ألمان، كلهم عرب، كلهم يكرهوننا، والعالم، بطبيعته، كان دائما ضدنا...". وفي هذا الكتاب يوافق (بورغ) على إلغاء "قانون العودة" الذي أقره (الكنيست) البرلمان الإسرائيلي عام 1950 وكان والده من أبرز المؤيدين له " فقانون العودة" يوفر لكل يهودي في العالم القدوم إلى إسرائيل كمهاجر ويتمتع بكافة الحقوق والامتيازات حتى لو خرج من إسرائيل وعاد إلى وطنه الأول وحمل الجنسيتين الإسرائيلية وجنسيته الأصلية، لكن بورغ كتب قائلا: "يجب طرح الموضوع للنقاش. قانون العودة هو قانون يفتقد للاستقامة، هو نسخة مشابهة لهتلر. انا لا أريد ان يعرف لى هتلر هويتي. كشخص ديمقراطى وانساني، هذا القانون يضعنى فى تناقض، قانون العودة يباعد بيننا وبين يهود المهجر وبيننا وبين العرب". ويقول في كتابه " إن الشعب اليهودي ليس قادراً أن يكون شعباً عادياً". وقال إن الكارثة اليهودية الفظيعة في ألمانيا النازية ما زالت تشكِّل عقدة مركزية ومحوراً حاسماً في الوعي اليهودي، ولكن مع فارق أساسي:"لسنا مرعوبين مما حدث فقط، بل نحن مرعوبون، بحق أو وهماً، من الآتي". مضيفا: "العالم ليس مقسوماً إلى يهود وغير يهود، وكل غير اليهود أعداء لليهود. وسُلَّم أولوياتي هو: أنا مواطن العالم أولاً، وفقط بعد ذلك أنا يهودي أو إسرائيلي". في مقابلة مطولة حول الكتاب مع صحيفة "هآرتس" 8 / 6/ 2007، يقول بورغ: "أرى مجتمعي يذوي أمام ناظري ، أردت أن يدرك التيار المركزي أنه عندما ندع الجيش ينتصر (بحسب الشعار الإسرائيلي الدارج)، فإنه غير قادر على أن يعي أن القوة ليست هي الحل، إن الحديث عن محو غزة يدل على أننا لم نستوعب الدرس". ويصف المجتمع الإسرائيلي - وفقا لنفس المصدر - ب "المذعور" ويقول: "إننا معوقون نفسياً. إسرائيل تعاني صدمة نفسية مستديمة... صدمة النازية أفقدتنا توازننا. إننا نعيش بشعور أن كل العالم ينفر منا. التشدد يسيطر على هويتنا... إننا مجتمع يعيش على سيفه، وهذا الشعور ورثناه من ألمانيا، وكأن ما سلبوه منا يحتم أن يكون سيفنا كبيراً جداً... أليس جدار الفصل الذي نقيمه في الأراضي الفلسطينية خير دليل على انفصام الشخصية الذي نعانيه؟". ويجيب علي من يصفه بأنه تخلي عن اليهودية والصهيونية - وفق جريدة "العرب اللندنية" -: إنني ابن هذه الإنسانية وأنا يهودي وإسرائيلي .. أما الصهيونية فقد كانت وسيلة لنقلي من وضع اليهودي إلى وضع الإسرائيلي ويبدو لي أن بن غوريون هو الذي قال أن الحركة الصهيونية شكلت مقدمة لانشاء الوطن وفي أعقاب انشاء الدولة يتعين نزع الصهيونية. فاليهودية السائدة اليوم هى اليهودية الحريدية "السلفية المتعصبة" وأنا لست كذلك، والقومية اليهودية السائدة اليوم هى قومية المستوطنين، وانا لست منهم". يقول أبراهام بورغ في كتابه: ثيودور هرتسل مؤسس الصهيونية، السياسية اعتقد أن اليهود يجب أن يجتمعوا في دولة لم يكن مُصِّراً أن تكون في "أرض إسرائيل" (فلسطين).أي أنه أراد "أمة يهودية مستقلة". ثيودور هرتسل "اليهودية هي مناخ روحي"، يقول أبراهام بورغ، والسياسة والاحتلال والعسكرة، تقتل شيئاً فشيئاً روحية اليهودية!! كما يدعو بورغ في كتابه الجديد - كما نقل عنه "تليفزيون الدنيا" السوري - إلى إلغاء إسرائيل كدولة يهودية وإلى نزع أسلحتها النووية قائلا: "ان تعريف دولة اسرائيل كدولة يهودية، هذه بداية نهايتها، دولة يهودية يعنى قنبلة، مواد تفجير". ويُعبِّر أبراهام بورغ عن غضبه وقلقه من تزايد النزعة العسكرية وعبادة القوة، ويسخر من ذلك بقوله - كما ذكر سالم جبران في "صوت العروبة" - : "لنقتل عربياً، وعربياً آخر. يا الله! لا بأس، وفي النهاية نرى أكواماً من الجثث الفلسطينية!". وكشف بورغ أنه عندما كان رئيساً للكنيست سمع "رجال السلام" يقولون إنّهم لغة القوة يريدون السلام لأنهم يكرهون العرب ولا يتحملونهم ولا يريدون رؤيتهم. وسمعت اليمينيين يتكلمون بمصطلحات كهانية (عنصرية ضد العرب). صحيح أن الكهانية ليست ممثلة رسمياً في الكنيست لكنّ 20 في المئة من السجال اليهودي في الكنيست كهانيّ". وفي النهاية يتوقع السيد بورغ انفراجا انطلاقا من العام 2010، حينذاك ستنتهي حقبة أولمرت وباراك وبيبي (بنيامين نتنياهو) ويأتي دور رجال الاقتصاد والأكاديميا والفن وربما سيكون للسيد بورغ دور ومكان في الحلبة السياسية من جديد. بورغ يفكك المحرقة لجزئياتها الصغيرة جدا ويفجّر أنماطا مقدسة عديدة. وفي رأي بورغ سيكون يوم إحراز صفقة سلام مع الجيران العرب أهم تاريخ في حياة دولة إسرائيل. ابراهام بورغ هو ابن الحاخام يوسف بورغ احد مؤسسي التيار الديني اليهودي الصهيوني والذي ساهم بشق المتدينيّن اليهود إلى جناحين : أحدهما سلفي غير صهيوني وآخر يؤمن بالمشروع الصهيوني رغم تعارضه مع الشريعة اليهودية .. وإسحاق بورغ كان إلى جانب ديفيد بن غوريون وشارك في معظم حكومات إسرائيل حتى وفاته .. وابنه أبراهام بورغ اعتاد دوماً على وضع "قبعة صغيرة" فوق رأسه للدلالة على أنه من المتدينيّن وهو من قادة حزب العمل وشغل منصب رئيس البرلمان (الكنيست) في عهد باراك كما شغل مناصب وزارية عديدة ثم توقف عن العمل السياسي اليومي قبل سنوات ، لكنه ما زال في حزب العمل .