مما لا شك فيه ان يوم الاحد الموافق 12 اغسطس 2012 هو يوم سيذكره التاريخ كما ذكر سابقه يوم 15 مايو 1971 ، فالحدثان ليس ببعيدين عن بعضهما البعض فى اهدافهما ، فوفقا لاسبقية التاريخ للحدثين تكون البداية لحدث مايو 1971 حينما قام الرئيس الراحل محمد انور السادات فيما عرف بثورة التصحيح وهو المصطلح الذى اطلق على عملية تنقيح السلطة فى مصر من خلال ازاحة الناصريين اليساريين عقب وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، حيث قام بالقضاء على ما عرف بمراكز القوى التى عاقت حركة الرئيس السادات فى القيام بمهامه من اجل ادارة الدولة ، وكانت تجهّز للانقلاب على نظام الحكم الى ان كشف السادات مخططهم وبالتالى نصب لهم فخاً تم فيه محاصرتهم والقاء القبض عليهم ، واصبح من بعدها السادات الرئيس ذو القرار الصائب فى الحرب والسلم . وحدث اليوم يذكرنا بمثل الحدث السابق ، فثورة التطهير والتصحيح قد بدأت بعد مسيرة انتقالية شاقة تكبدت فيها مصر من الخسائر البشرية والمادية الكثير نظرا لضبابية المشاهد السياسية ،الامنية ، الاقتصادية ناهيك عن اشتعال الفتن بين جموع الشعب المصرى بكل ايدولوجياته وطوائفه ، واعلنت القرارات المتخذة عن انهاء المرحلة الانتقالية بارتباكاتها ، ازماتها ومخاطرها السياسية التى القت بظلالها المغيم بالطبع على النواحى الاقتصادية والاجتماعية فى مصر ، فإزدواجية السلطة خلقت نوعا من ازدواجية القرارات وتخبطها فى بعض الاحيان ، وانقسمت مصر الى حافتين الاولى منها تابعة لدولة الرئيس والاخرى منها تابعة للدولة العميقة ، ولا شك ان صراع كل منهما مع الاخر كان سيهلكهمها معا ومن ثم السقوط فى الهاوية والمتضرر فى النهاية هى مصر ومواطنيها . ان قرارات رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى اليوم لها دلالات فى غاية الاهمية اولها هو الرغبة الاكيدة فى انهاء الفترة الانتقالية لممارسة مهامه كرئيسا للجمهورية بشكل طبيعى ؛ خصوصا وانه وعد جموع الشعب المصرى من مؤيدين ومعارضين ببرنامج تبدء اولى مراحله فى المائة يوم الاولى من توليه المسؤلية ، وكان الاعلان الدستورى المكمل عائقا اكيدا امام تحركه كرئيس يعمل على تنفيذ برنامجه ، وبالتالى هو بمثابة اعلان ضمنى عن تحمله المسؤلية كاملة تجاه تنفيذه ومحاسبته ان اخفق فى الوصول لما وعد به ، ولا شك فى ان هذا القرار من الاهمية بمكان لبناء مصر الجديدة ليقودها اول رئيس مدنى منتخب يطبق مبدء بديهى فى الادارة وهو وحدة مصدر الامر وبالتالى التركيز فى تنفيذه ومتابعته والرقابة عليه . اما عن ثانى الدلالات فى قرارات الرئيس وهو اضافة بندا جديدا فى الاعلان الدستورى الجديد تسمح بتأسيس لجنة للدستور فى حالة توقف عمل اللجنة الحالية لاى اعتبارات دستورية او قانونية ، وهو اجراء احتياطى حتى لا تقع الدولة فى نكبة فراغ دستورى ونبدء من المربع واحد مرة اخرى . وثالث الدلالات والتى تدل على ان الرئيس محمد مرسى سيكون رئيسا قويا لا يستهان به ، هو قيامه بإنقلاب مدنى استباقا لانقلاب عسكرى ربما كان مقرر له بعد بضعة ايام اظن بدايتها 24 اغسطس الجارى من خلال الدعوة التى قام بها البعض من مثيرى الفتن فى مصر بهدف وصول الدولة لحالة الفوضى المفتعلة ومن ثم تدخل المجلس العسكرى لانهائها من خلال القيام بإنقلاب عسكرى . واقول فى هذا الشأن ان ضبابية حركة التغيير المفاجئة لنا كمواطنين تشير الى ان الفترة المقبلة حرجة للغاية ، سواء تم الاتفاق بين الرئيس وقيادات القوات المسلحة اعضاء المجلس العسكرى على الخروج الاّمن يدلل عليه تكريم قيادات المجلس العسكرى حتى المحالين للتقاعد تولوا مناصب حيوية اخرى فى الدولة ، وهذا ما يؤكد فكرة الانقلاب المدنى المتفق عليه نظير الخروج الاّمن وتجنيب الدولة مخاطر حرب اهلية من المحتمل اندلاعها فى نهاية الشهر الجارى ، من وجهة نظر اخرى لو كان هذا التغيير قسرى فهو بالطبع تغيير محسوب مخاطرته جيدا ومهمة كبيرة اعتقد ان من نفذها واشرف عليها اللواء اركان حرب والمترقى لرتبة الفريق اول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع والانتاج الحربى ، ويدعم ايضا تلك الرؤية احالة قادة الأفرع العسكرية الى التقاعد وتكريمهم بتوليهم مناصب ادارية . على اى حال .. سيبقى الصراع محتمدا لفترة قادمة بين كل من دولة التحديث التى تريد ان ترّسخ نفسها بقوة على الساحة السياسية ، والدولة العميقة التى تقاتل من اجل الحفاظ على مكانها لضمان الاطمئنان على مصالحها واعمالها ، ومن هنا يأتى دور الرئيس كقائد فى ان يوجه خطابات وخطوات تطمينية للدولة العميقة من اجل احتوائها والاستعانة بالشرفاء منها فى بناء الوطن . من اليوم يمكننا ان ننتقد الرئيس بموضوعية ان اخفق لان المسؤلية الان ملقاه كاملة على كتفيه ، ايضا يمكننا شكره دون نفاق ان احسن من اجل تدعيمه وتشجيعه على المزيد والمزيد ؛ فكلنا شركاء فى الوطن والوطن ليس لفرد او جماعة او حزب معين ، فالظروف التى مكنت الحزب الوطنى من قبل من الاستبداد والغطرسة معظمها لم يعد له وجود اليوم فضلا عن انه من المستحيل عمليا فى ظل الحراك الثقافى والشعبى اعادة انتاج مثل تلك الظروف مرة اخرى ، فى المقابل يجب على كل فرد فى مصر احترام هيبة الدولة ومؤسساتها وتوقير مكانة الرئيس ؛ لأن كرامته من كرامة كل مصرى فى الداخل والخارج ، وهذه دعوة لرئيس الجمهورية بمحاسبة كل من يهين اى مؤسسة او منصب سياسى جاء بصناديق حرة نزيهة والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه اللعب بمقدرات الوطن ومواطنيه ، فالمواطن تحمل الكثير والكثير حتى ينجو من غيابات الفقر والجهل والمرض ، ونحن بإنتظار مصر الجديدة الواعدة ان شاء الله .... حفظ الله مصر من اعدائها فى الداخل والخارج . محمد باغه عضو هيئة التدريس بكلية التجارة – جامعة قناة السويس [email protected]