ما زال اللقاء الأول لعمر التلمساني بشيخه حسن البنا ماثلا أمامه، فهو يتذكر عندما انبهر به وعاد إليه في الأسبوع التالي ليبايعه، وأخرج من جيبه ورقة من آثار البنا كانت عبارة عن نصف جملة كتبها له الشيخ بخط يده في أحد الاجتماعات، تلك الورقة يحملها التلمساني وكأنها تيمة يتبرك بها. وما يؤكد عليه التلمساني في مذكراته التي جاءت في الأصل لتعريف الناس بالجماعة بعدما خمد ذكرها، أن تنظم الإخوان نشأ في الأصل لدفع الأخطار التي تحيط بمصر، وقال : وللأسف الشديد فإن الصليبية والشيوعية والصهيونية أدركت حقيقة هذا التشكيل وخطره عليها فتلسللت إلى أذهان حكام البلاد الإسلامية بأساليبها الخسيسة- على حد قوله- توسوس لهم بأن هذا التشكيل خطر عليهم. ولم ينس التلمساني في هذا المقام أن يدافع عن الجماعة في بعض الجرائم التي ارتكبها أفراد محسوبون عليها كقتل مستشار حَكَم على إخواني 8 سنوات لشروعه في قتل شاب مسلم، وكذلك قتل بعض الشخصيات العامة مثل أمثال النقراشي باشا رئيس وزراء مصر الأسبق في عصر الملكية، وينكر التلمساني اللجوء إلى العنف في مواجهة الحاكم حتى ولو كان فاسقا، وقال: إن "الإخوان دعاة وليسوا ثوارا أو متمردين". والمتأمل لحياة التلمساني بعد دخوله الجماعة يشعر بمدى قربه من شخصين مؤسسين لها هما البنا والمستشار الهضيبي، ونتيجة لهذا القرب رشحه الشيخ البنا ليكون وكيلا لجماعة الإخوان ولكنه رفض ذلك، بعدها بسنوات تولى وزارة المالية، والتي يحكي عنها أنه لم يكن يجد في خزانته أكثر من جنيه وإذا حدث فإنها تكون الحياة الراغدة للجماعة. ويحكي المرشد العام السابق أن السادات حاول رشوته أكثر من مرة وذلك عن طريق عرض بعض رجال النظام أن أكتب في صحف الدولة بمقابل مادي أو عن طريق مقابل نقدي لندوات أحاضر فيها بهذه المؤسسات. ويؤكد التلمساني أن البنا هو القائد الحقيقي لثورة يوليو حيث تصدرت شباب الإخوان كتائب الفدائيين في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، كما أن المرشد الأول خاض معاركه القوية في مواجهة الإقطاع والفساد السياسي والإداري، ويرد على خصوم الإخوان تلك القضية مدافعا ومفندا وشارحا. إن معارضة الإخوان لكامب ديفيد ليست المرة الأولى لهم لمعارضة النظام الحاكم، فقد سابق وعارضوا اتفاقية الجلاء عام 1956، فقد قامت اتفاقية كامب ديفيد بعد حوالي 30 عاما من استشهاد حسن النبا، ولعل موقفهم منها كان نابعا من تربيتهم على أسس عقدية وليس بتوجيه من الإمام ويرى أن المخطط الصهيوني سوف ينتهي بنا إلى جعل إسرائيل في المنطقة شيئا طبيعيا لا استنكار له بل ولا محاولة لإزالته، وهذا ما يترتب عليه مصائب وويلات لا نهاية لها، على حد قوله، ولا ينسى أن يؤكد على أن التطبيع سيكون عونا أكبر لإسرائيل على تحقيق مطامعها وهي آمنة وفي حماية القوانين الملحقة بمعاهدة السلام. لكن القضية الأكثر إثارة اليوم وهي الوطنية التي يدعو إليها المتشدقون بالديمقراطية تحت دعوى تأسيس الأحزاب وتحت شعارات طنانة تعج بها الصحف والمجلات وأجهزة الإذاعة ليس من ورائها إلا الاتهامات وتمزيق وحدة الأمة، وإن كان التلمساني يلح على هذا المعنى كثيرا لكننا نجده يؤكد في موضع آخر على أنه من الممكن أن يؤسس الإخوان حزبا إذا كانت ذلك هو الطريق الوحيد لممارسة الدعوة إلى الله، ولعل رفض الإخوان تأسيس حزب راجع إلى مفهومهم عن القومية الذي هو مفهوم القومية الإسلامية الذي تتساوى فيه جميع الخلائق، أما الاختلافات المذهبية فهي حسب رأيه "أمر كامن في العقول البشرية". ومع ذلك فقد حكى لنا التلمساني أنه كان رئيسا للمؤتمر الدائم للجماعات الإسلامية ، وفي إحدى الجلسات الخاصة بالزاوية الحمراء أطلق عليه النبوي إسماعيل وزير الداخلية لقب "أمير الأمراء" إقرارا منه بجهودي في القضاء على الفتنة الطائفية المصطنعة، لكنه يعبر عن تعجبه من قال كلاما مناقضا لذلك إذ ادعى أنني من مثيري هذه الفتنة، فصفق له أعضاء مجلس الشعب، ويتعجب في الوقت ذاته من هذا التصفيق من أعضاء مجلس الشعب الذين سخر منهم فلعلها تكون "شهوة التصفيق". وتحت دعوى أنه حاول أن يقول كل شيء عنس حياته أراد التلمساني أن يشرح لنا منهج الإخوان سواء السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وليعرض قصته كأنموذج لشاب مدلّل كان بعيدا عن الدين ولكنه تحمّل عبء الدعوة الشاق بل وأصبح زعيما لهم. الجدير بالذكر أن مذكرات التلمساني التي نشرتها "دار هلا" تحت عنوان "من التانجو في عماد الدين إلا زعامة الإخوان المسلمين" لم تأت مسلسلة تاريخيا، بل إنها في الأصل مذكرات نشرها الكاتب عصام الغازي في صحيفة "الشرق الأوسط"، لذلك فلن نعدم تناثر المعلومات عن بداية حياته بين ثنايا الكتاب على حسب السؤال الذي كان يوجهه له الصحفي.