لفت الفنان الأردني إياد نصار الأنظار بأدائه المميز لدور حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين في مسلسل الجماعة الذي يثير جدلا واسعا منذ بداية عرضه في مطلع شهررمضان الماضي. غير انه بالرغم من نجاح صانعي المسلسل في إيجاد درجة كبيرة من التشابه بين الشخصية الرئيسية فيه والفنان الذي أدي دورها فقد اقتصر ذلك علي ملامح الوجه. تمكن إياد نصار من تقديم لغة وجه حسن البنا ونظراته الحادة التي كانت أحد أهم عوامل قدرته البالغة علي التأثير في الناس وساعده في ذلك انه واسع العينين مثله مثل مؤسس الإخوان. ولأن وجه البنا كان هو اهم ما يميزه فقد بدا إياد نصار مناسبا لاداء دوره بالرغم من الاختلاف بينهما في التكوين الجسدي فقد كان البنا أقصر من الفنان الذي أدي دوره واكثر امتلاء منه وفقا للوصف الذي أورده بعض من عاصروه مثل أحمد عادل كمال الذي انضم إلي الجماعة عام1942 ثم صار أحد أبرز كوادر النظام الخاص أو التنظيم السري المسلح. فقد رسم في كتابه( النقط فوق الحروف الإخوان المسلمون والنظام الخاص) صورة قلمية للبنا ملخصها انه لم يكن بالطويل ولا بالقصير وان كان إلي القصر أقرب ولم يكن رفيعا ولا سمينا ولكن كان ممتلئا ربعا وهو في هذا يختلف عن إياد نصار في التكوين الجسدي. أما اللحية الكثيفة فهي من أسهل ما يمكن توفيره لأي فنان ولأن حسن البنا كان يغطي رأسه عادةإما بطربوش أو بعامامة فلم يعرف عنه أنه كان خفيف الشعر. كان البنا يتطربش إذا ارتدي البذلة ويتعمم, في حالة ارتدائه الجلباب, ولكن صانعي المسلسل لم يتقيدوا بالعمامة اليمنية الاصل التي يستخدمها في معظم الأحيان وهي عمامة مزركشة من لباس علماء اليمن كانت قد أهديت إليه وكانت عمامته منسجمة مع العباءة بنية اللون التي كان يضعها فوق جلبابه الأبيض. وبمناسبة الملابس فات صانع المسلسل ان أعضاء الجماعة كانوا يضعون في سنواتها الاولي في القاهرة عباءة قصيرة علي اكتافهم وعليها شارة تحمل اسم الإخوان المسلمين, وقد تغير لون تلك الشارة من الأخضر الي الابيض في منتصف الثلاثينيات ثم اختفت العباءة كلها مع بداية الأربعينيات كما كان أعضاء الجماعة من خطباء المساجد يرتدون عباءة محلاة بخيوط ذهبية ولها جيب خاص فوق موضع القلب يوضع فيه المصحف ولكن هذا الزي اختفي ايضا في بداية الأربعينيات. وبالرغم من ان لباس حسن البنا كان مميزا, فلم يكن سهلا لمن يراه للمرة الاولي وسط جمع من قادة الجماعة وضيوفها ان يميزه بينهم. فلم يكن تميزه في مظهره, بل في قدرته البالغة علي التأثير ولم يكن هذا التميز يظهر إلا عندما يبدأ في الحديث وعندئذ كان كل من يستمع إليه يشعر انه يخاطبه وان الحديث موجه إليه شخصيا. والمفارقة أن حديث البنا كان مؤثرا بالرغم من انه لم يكن شعبويا في الاغلب الأعم, إذ لم يعمد إلي اثارة الناس بمناسبة وبدونها, ولم يكن ميالا إلي الخطب التي توجد صخبا وضجيجا. وكان معظم خطبه من نوع لا مجال فيه لذلك أصلا. ويعرف دارسو تاريخ الجماعة أن اهم هذه الخطب كان في حديث الثلاثاء الأسبوعي الذي كان يلقيه في دار المركز العام(13 ش أحمد بك عمر بميدان الحلمية) كان البنا خطيبا عاديا, ولكنه كان يتحدث ببساطة وبدون انفعال ويخلط العربية الفصحي الغالبة في خطبه بالعامية المصرية. ونجح إياد نصار في تقديم هذا الجانب في شخصية البنا الذي كان يميل الي البساطة حتي في منزله منذ ان سكن في منطقة القاهرة الفاطمية( حارة عبدالله بك المتفرعة من شارع اليكنية في حي الخيامية) عقب نقله الي القاهرة عام1932 وحتي آخر منزل استقر فيه(15 شارع سنجر الخازن بالحلمية) بالقرب من دار المركز العام. وقد شاهدنا في المسلسل عدة مرات الغرفة التي جعلها حسن البنا مكتبا له في منزله الذي بدا متواضعا للغاية, غير ان الروايات التاريخية عن منزله تدل علي انه كان أكثر تواضعا مما بدا في المسلسل. ومن أهمها رواية عمر التلمساني الذي صار مرشدا عاما ثالثا للجماعة في ذكرياته التي رواها للأستاذ عصام الغازي وصدرت في كتاب( عمر التلمساني من التانجو في عماد الدين إلي زعامة الإخوان المسلمين). فقد روي التلمساني انه عندما ذهب الي البنا في منزله للمرة الأولي علي1933 ادخله غرفة علي يمين الداخل من الباب الخارجي وكان فيها مكتب صغير متواضع وكراس من القش يعلوها شيء من التراب وقدم إليها البنا كرسيا ليجلس عليه, فخشي علي بدلته الأنيقة من التراب وأخرج منديلا, بينما زعيم الجماعة ينظر إليه متبسما, فكان التلمساني قد نشأ في عائلة ثرية تراكمت ثروتها الاساسية من التجارة, ثم امتلكت اراضي زراعية في قليوب والشرقية وعقارات في القاهرة. ولكن مشهد منزل البنا في القاهرة ظل كما هو طوال حلقات المسلسل بالرغم من انه قام بتغييره فلم يهتم صانعو المسلسل بالحياة الشخصية للبنا وغيره من قادة الجماعة فبدوا وكأنهم آلات أو كائنات لا تحيا حياة البشر. فبعد فترة الطفولة والصبا في المحمودية ودمنهور اسدل صانعو المسلسل ستارا علي حياة البنا الشخصية وتحديدا منذ تأسيس الجماعة عام1928, ولذلك لم يعرف المشاهدون علي سبيل المثال فقط انه أجاد حرفة أخري غير اصلاح الساعات وهي تجليد الكتب, أما مهنته التي امتهنها لما يقرب من عشرين عاما( سبتمبر1927 إلي مايو1946) وهي تدريس اللغة العربية فلم يجدها اجادته هاتين الحرفتين, فقد شغلته الجماعة عنها ولذك لم يترق فيها وبقي في الدرجة الوظيفية السادسة لفترة قاسية, ولم ينتقل إلي الدرجة الخامسة إلا بحكم قانون الموظفين المنسيين( الرسوب الوظيفي الآن) وقد تباينت الروايات بشأن الطريقة التي عوضته بها الجماعة عن راتبه الذي كان يتقاضاه من وزارة المعارف بعد استقالته في مايو1946 إبان تأسيس صحيفة الإخوان المسلمين اليومية. وهذه وغيرها روايات تتناول فصولا مهمة في حياة البنا الشخصية كان ممكنا ان تثري أداء الفنان إياد نصار لو كان لمسلسل التفت إلي بعضها. المزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد