ليبيون رافضون للتقسيم اشتعلت الحدود الليبية على خط التماس مع صحراء مصر الغربية، فجأة، على خلفية إعلان انفصال ولاية برقة، من جانب أهالي الولاية وعدد من قياداتها السياسية المطالبين باستقلال الولاية فى إطار من الحكم الفيدرالي مع الوطن الأم: ليبيا، تحت مسمي "مجلس برقة". وتأتى خطورة هذه الخطوة، من عدة منطلقات، أهمها أنها سترسخ فكرة الانفصال لدى كثير من العرقيات والإثنيات المنتشرة بكثافة فى المنطقة، خاصة بعد التجربة السودانية المريرة على حدود مصر الجنوبية، والتى أفرزت – حتى الآن – دولتين، إحداهما شمالية والأخري جنوبية، وكذا فإن سيناريوهات مشابهة يجري الإعداد لها سرا فى اليمن، فيما يُخشي أن تمر "مصر" بتجربة مأسوية مماثلة، فى ظل الصعود الإسلامي الكاسح أخيرا، بما يهدد التوازن الطائفي الذي احتفظ لأكبر دولة فى المنطقة، باستقرار حسدها عليه الكثير من البلدان ذوات الإثنيات العقائدية المختلفة، سواء فى منطقة الشرق الأوسط أو خارجها، فى حين أن دولا مثل العراق و"يوغوسلافيا – سابقا" - تمثلان أُنموذجين شديدي الدموية للصراعات الطائفية، التى بلغت حد الحروب الأهلية، التى مازالت مرشحة للتصعيد باتجاه التقسيم إلى ثلاث دول "كردية وسنية وشيعية"، فى الأولي، بينما انتهي الأمر بالفعل فى الثانية إلى ثلاثة دول هى "صربيا"، "كرواتيا"، و"البوسنة والهرسك". وكانت تقارير قد أشارت إلى أن قوى عربية، وبالتحديد خليجية، إلى جانب أخري غربية، كان لها ضلع نافذ فى تغذية فكرة الاستقلال على الطريق الفيدرالية لدى قيادات وأهالي مدينة برقة، الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، وذلك استغلالا لمعاناتهم من التهميش والتجاهل الواضحَين من جانب الحكومة الانتقالية المركزية فى طرابلس، التى بدورها لا تزال منشغلة فى الإعداد للدستور الجديد، وإعادة بناء الدولة التى تقوضت معظم أركانها بعد الحرب الضروس التى خاضها ثوار ليبيا، فى مواجهة جيش الديكتاتور "معمر القذافي" الذي فضل الاستمرار فى القتال حتى آخر قطرة دم وآخر طلقة رصاص، فكانت النتيجة أن راح صريع تمسكه بالسلطة حتى الرمق الأخير، تاركا بلاده بلا جيش وبلا سلطة مركزية، وهو ما يهدد بنشوب صراعات قبلية أكثر ضراوة فى ظل ما هو معروف عن ليبيا، من طبيعة عشائرية. والمعروف أيضا فى ذات السياق أن عديد من القبائل الليبية لها امتدادات عشائرية منتشرة بامتداد شمال وغرب الأراض المصرية، وبالتحديد فى الإسكندرية والفيوم وبعض مدن الصعيد وبتركيز عال فى الصحراء الغربية، وعلى رأسها قبائل "أولاد علي"، "الرماح"، "القطعان"، "الجبالية"، "أولاد الشيخ"، "جهينة"، و"البهجة"، وغيرها، ومعظم أبناء هذه القبائل قد هاجرو من منطقة برقة ومدنها مثل "بنغازي"، إلى الأراض المصرية فى أوقات مختلفة على مر التاريخ، منذ الفتح الإسلامي لمصر، فى عهد القائد "عمرو بن العاص". ولكن بالتأكيد، وعندما يجد أبناء تلك القبائل أن جذورهم الممثلة فى أبناء وطنهم الأم قد بات لهم إقليمهم المستقل، فإن الروابط المشتركة قد تدفع القبائل الموجودة بامتداد الأراض المصرية – الليبية، عبر الحدود المشتركة إلى السعي نحو الانصهار فى كيان سياسي واحد، وهو ما يعنى أن "الصحراء الغربية" باتت مهددة بالخروج على سيطرة الحكومة المركزية فى القاهرة..! من جانبه، أدلي "ناصر الهواري" – مدير المرصد الليبي لحقوق الإنسان" كان قد أدلي بتصريحات فضائية، أعلن فيها أن تصريحات "مصطفي عبد الجليل" – رئيس المجلس الانتقالي الليبي، بالتهديد باستخدام القوة، لوأد فتنة التقسيم البرقاوية، هى مجرد وسيلة للردع ولكن ليست للتنفيذ على أرض الواقع، خاصة وأن هناك حقيقة خطيرة مفادها، أن جميع المواطنين الليبيين مسلحين حتى الأسنان. وعلق "الهواري" على محاولات الساسة الذين يتنوا إعلان "مجلس برقة" لتهدئة المخاوف لدي أبناء الشعب الليبي فى أرجاء البلاد، قائلا، أنه لو كانت النوايا صادقة لديهم فعلا، لكانوا قد قاموا بإجراء استفتاء شعبي فى المنطقة الشرقية أولا، ولكن من الواضح أن أطماعهم فى الاستقلال بموادر الولاية التى تحتوى ثلاثة أرباع مخزون ليبيا من الغاز والنفط هى المحرك الرئيسي لتوجهاتهم. وأشار "الهواري" إلى أن القوى الوطنية والأحزاب والتنظيمات المكونة لائتلاف ثورة 17 فبراير، قد أصدرت بيانا فى هذا الصدد، حصلت "مصر الجديدة" على نسخة منه وهذا نصه: من مبنى الحرية ومن ساحته، المكان الذي ارتبطت به حركة واعتصام الشعب الليبي من أجل حرية الوطن والمواطن، من حيث صدح شباب بنغازي لشباب الزاوية ومصراتة والزنتان والعاصمة، وكل مناطق ليبيا، "يا شباب الزاوية ... ويا شباب العاصمة" وباقي الشعارات التي تغلغلت في وجدان ثوار 17 فبراير، وبالقرب من الميناء الذي شهد ملحمة جرافات الحفاظ على الوحدة الوطنية، في معركة الحرية على امتداد تراب الوطن الليبي، من أجل ليبيا الجديدة لكل الليبيين، بقيم جديدة ضد التهميش والإقصاء واحتكار القرار السياسي والاقتصادي، وضد التفرقة الاجتماعية والتمييز العنصري، إن التهميش الذي يتم به تمرير مشروع تمزيق الوطن، هو التهميش ذاته الذي تعانيه منطقة المرصص، هو التهميش نفسه الذي تعانيه مزده والرحيبات، وزلطن والعسة والحوامد ونالوت، والكفرة والجغبوب، وأوباري والقطرون، وتاورغاء وتينيناي ونسمه، إن ليبيا كلٌ واحدٌ لا يقبل التقسيم، أو التمييز تحت أي مبرر، أو بند من بنود التكسب السياسي والاقتصادي، على حساب الوطن الواحد، ومصيره، لنبني وطناً للعدالة والحقوق والحريات، في كل ربوعها من الجغبوب إلى غات ومن السارة إلى غدامس، ومن مساعد إلى غدوة وراس جدير، لا عدالة انتقائية لبعض أبناء الوطن أو مناطقه، إن التجارب التاريخية أثبتت أن كل نماذج "فيدرالية البقاء معاً لأقاليم الدولة الموحدة" أفضت إلى التقسيم، على عكس الدول الفيدرالية، التي بنيت على توحيد دول متفرقة، ومن لا يقرأ التاريخ جيداً لا يستطيع صنع أمجاده. إن أخوتنا الذين اجتمعوا يوم الثلاثاء الموافق 6/3/ 2012م، قد ينظرون إلى الحدث بطريقة قد تقود إلى تمزيق اللحمة الوطنية، لصالح وهم التهميش الخادع، لنجني جميعاً وطناً ممزقاً محطماً، خلافاً لحلم مؤسسي ليبيا ببناء دولة موحدة يتعايش فيها الجميع، داخل وطن تغمره المحبة والأخوة شرقاً غربا وشمالا وجنوباً. إن التميز يكون بالعطاء للوطن، والوفاء للذين انطلقوا في بداية مارس 2011م، من كل مدن شرق ليبيا، نيتهم طرابلس نجدةً لأخوتهم غرب ليبيا، وليس دفاعاً عن شرق ليبيا المحرر، وإلا لاكتفوا بالوقوف عند حدود منطقة برقة التاريخية، ومن مفارقات القدر أن يكون يوم دفنهم أمس، بعد عام من تلك المعركة، وسط جدال عن الفيدرالية والتقسيم، وكأنما تعلن مسيرة جثامينهم الطاهرة أن ليبيا لن تكون ملكاً لعائلة، أو مزرعة لقبيلة، بل وطن لجميع الليبيين تغمره المحبة والعدالة والمساواة، وبهذا البيان نعلن ما يلي : 1- إن برقة وفزان وطرابلس حقيقة تاريخية وجغرافية تنصهر في وطن موحد ذي جسم سياسي واحد، وحقائق التاريخ والجغرافيا الوطنية ليست محل نقاش أو نكوص، وإن برقة الشرق الليبي ظلت ضامنة للوحدة الوطنية عبر تاريخها، وحاضنة لكل أبناء الوطن، بكل أطيافهم وانتماءاتهم السياسية والاجتماعية والقبلية، كما جسدت ذلك في ملاحم ثورة 17 فبراير، ولن تكون برقة يومًا أداة لنسف الوطن وتدميره. 2- إن اجتماع 6/3/ 2012م مع تحفظنا عما نتج عنه إلا أنه يعبر عن مخاوف حقيقية لبعض أبناء ليبيا استقوها من تداعيات تطبيق الإعلان الدستوري المشوه، وضبابية المرحلة الانتقالية، ومركزية بدأت تلوح بوجهها الكالح، ومن هنا نؤكد على ثبات مطالبتنا بإلغاء الإعلان الدستوري، وخاصة المادة 30 المخالفة لبديهيات الحكمة التشريعية والسياسية، التي جاءت بكيان غريب أسمته المؤتمر الوطني العام، ليهدد انتخابه الأمن والسلم والوطني، ويسوق البلاد إلى صراع على السلطة في غياب الدستور، كما أفرز تطبيقها حكومة موءودة عاجزة، وتمخضت عن قانون انتخابات مشوه أنتج تقسيم غير عادل للدوائر الانتخابية، ونؤكد على بيان القوى الوطنية الذي قدمته إلى المجلس الوطني الانتقالي في 18 أغسطس 2011م وإعلان قوى الحراك الوطني المقدم إلى المجلس في يناير 2012م، والمخاوف التي حملها والمطالب التي تضمنها ، هذه المخاوف التي بدأت تظهر للعيان واضحة جلية ، وإن البديل لذلك احترام المجلس الوطني الانتقالي المؤقت لإعلان تأسيسه الصادر في 2/3/2011م، والذهاب إلى انتخاب جمعية تأسيسية تضع مشروع الدستور الجديد الذي يحدد الشكل القانوني والسياسي للدولة بدلاً من مقامرة انتخاب سلطة حاكمة بدون دستور على أن يتم الإعداد لانتخاب الجمعية التأسيسية بوفاق وطني يضمن مشاركة الجميع بلا استثناء أو إقصاء لتأسيس وطن يضمن لأبنائه الحرية والعدالة والمساواة. 3- ندعو كل القوى الوطنية إلى الانضمام في جبهة واحدة من أجل وحدة الوطن للعبور به إلى مرحلة الاستقرار، ويعتبر الائتلاف في حالة انعقاد واجتماع دائم، ويدعو الجميع للتواصل ونسيان الخلافات والحساسيات الزائدة حفاظاً على فاعلية الروح الوطنية. 4- ندعو المجلس الوطني الانتقالي المؤقت والحكومة المؤقتة إلى اتخاذ موقف حازم من الدول والقوى الدولية والإقليمية التي تحاول العبث بالشأن الليبي الداخلي. 5- إن من حق أي فرد أو جهة تبنى الأفكار والمواقف السياسية بكل حرية مع الأخذ في الاعتبار القيم الدينية والمجتمعية التي تمثل روح الهوية الوطنية الليبية، وعدم فرضها تعسفياً كأمر واقع. 6- إن ليبيا وطن يقوم على حقيقة عدم القابلية للتقسيم بحكم التلاحم الطبيعي بين مكونات الشعب الليبي التي زادت دماء الشهداء ترابطها مع وشائج الدين والمصاهرة واللغة الجامعة لكل مكوناته باعتبارها لغة القرآن الكريم، مع الأخذ في الاعتبار الخصوصيات الثقافية لكل طيف من أطياف النسيج الوطني الليبي.